يواجه الأردن حاليا التهديد الأكبر على الإطلاق لأمنه واستقراره ومستقبله بالكامل، ذلك أن
إسرائيل التي يقودها حاليا حفنة من المتطرفين، لا يترددون في الإفصاح عن مشاريعهم التي تُهدد الأردن، وذلك على الرغم من اتفاق السلام (وادي عربة) الذي يُفترض أنه كان الضمانة للأردن من أي تهديد اسرائيلي.
خلال الأيام القليلة الماضية، كان لافتا أن التصريحات الإسرائيلية التي تستهدف الأردن كان مصدرها وزير الخارجية، الذي يُفترض أن يكون آخر من يُهدد دول الجوار، على اعتبار أنه "مصنع الدبلوماسية" في إسرائيل، لكنه على العكس من ذلك، أطلق أكثر من تصريح يفيد بأن عين
الاحتلال على الأردن، وهو ما يؤكد بأن الأردن ربما يدفع ثمنا غاليا -لا سمح الله-، إذا استمرت المخططات الإسرائيلية على حالها، دون أن يتم لجمها والتصدي لها أردنيا وعلى المستويات كافة.
ففي منتصف آب/ أغسطس الماضي، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى "تسريع بناء جدار على طول الحدود مع الأردن"، واللافت في التصريح، أنه قال "تسريع" ما يعني أن المشروع موجود لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب، لكن الرجل يطالب فقط بتسريع وتيرة التنفيذ، وهذا يعني أن لدى الاحتلال مشروع لبناء جدار على غرار ذلك الذي بناه أرئيل شارون في العام 2002 لإحكام الحصار على الضفة الغربية، وهو جدار تسبب بقائمة طويلة من المآسي، فضلا عن أنه جدار عنصري لا يليق أن يكون موجودا في أي مكان بالعالم، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين.
كاتس حرَّض أيضا، ومعه مسؤولون آخرون ووسائل إعلام عبرية، ضد الأردن عندما تحدثوا عن أنه يتم عبر الأراضي الأردنية تهريب الأسلحة إلى المقاومين في الضفة الغربية، وهذا اتهام من المعروف أنه باطل ولا أساس له من الصحة، لكنَّ الخطير فيه أنه يُشكل تمهيدا لابتزاز الأردن وتهديده، وهو الأمر الذي استشعره الملك عبد الله الثاني بكل وضوح عندما كان واضحا وحاسما قبل أيام بقوله؛ إن "الأردن لن يقبل بأن يصبح مستقبل المنطقة رهينا لسياسات حكومة إسرائيلية متطرفة"، وهو ما يعني أيضا بالضرورة أن القيادة الأردنية عازمة على التصدي لهذه التهديدات الإسرائيلية، وذلك بطبيعة الحال عبر القنوات الدبلوماسية والعلاقات الدولية.
إسرائيل لم تتوقف عند تصريحات كاتس واعتداءات بن غفير على المسجد الأقصى الذي تديره وزارة الأوقاف الأردنية، وإنما بدأت عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، وكان اللافت فيها أن الجيش الإسرائيلي يقول بأنه سيقوم "بإخلاءات من بعض المناطق"، وذلك على غرار ما حدث في غزة، وهو الأمر الذي يُشعل المخاوف من أن يكون الاحتلال عازم على بدء موجة طرد وتهجير للفلسطينيين، ستكون تهديدا آخر، وربما أكبر للمصالح العليا للأردن.
واقع الحال أنَّ إسرائيل قامت وتقوم بانتهاك التزاماتها كافة التي وقعت عليها في معاهدة وادي عربة المبرمة مع الأردن في العام 1994، فقد سبق أن انتهكت المادة السادسة المتعلقة بالمياه، والملحق الخاص أيضا حول المياه وهددت الأمن المائي للأردنيين، كما قتلت مواطنين أردنيين داخل الأراضي الأردنية وخارجها، وانتهكت المادة التاسعة من المعاهدة التي تعترف بالدور الأردني في الأماكن المقدسة بما في ذلك المسجد الأقصى، وهذه المادة هي التي يتم انتهاكها يوميا عبر الاقتحامات المتكررة.
ويسعى الاسرائيليون حاليا لمزيد من الانتهاكات التي تشكل تهديدا لأمن واستقرار الأردن، خاصة مع العملية العسكرية في الضفة الغربية والتحريض المستمر بالتوازي ضد الأردن، وهو ما يؤكد أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة شهور، لم تكن رد فعل على عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وإنما هي تنفيذ لمشروع خطير يستهدف تغيير الوقائع على الأرض ليس داخل الضفة وغزة فحسب، وإنما في المنطقة برمتها.
ليس أمام الأردن سوى التحرك فورا وفقا للتصريحات والرؤية الملكية من أجل التصدي للمشروع الاسرائيلي، وأقل ما يُمكن فعله في هذا السياق هو اللجوء إلى المحافل الدولية، وتعليق العمل باتفاقية السلام، وطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق سفارته في عمّان، إذ من غير المعقول أن يكون في الأردن سفارة وممثل لجهة تعمل على تقويض أمنه ومصالحه. ودعونا نتذكر بأن الملك الحسين الراحل كان قد هدد بإلغاء الاتفاقية إذا ما نفذت إسرائيل اغتيالا على الأرض الأردنية، وهو ما ردع تل أبيب منذ ذلك الحين عن اغتيال خالد مشعل أو غيره، خلال وجودهم على أراضي الأردن. إذن لدى الأردن الأوراق الكافية للضغط على الإسرائيليين، والأردن على كل حال ليس ضعيفا.