هل سيكون رد الفعل
الإيراني على
اغتيال الشهيد
إسماعيل
هنية، على طريقة "اقفل يا بتاع الفول"؟!
وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أبلغ نظراءه في دول
مجموعة الـ7 أن هجوم إيران وحزب الله على
إسرائيل قد يكون اليوم الاثنين، فمن أين
عرف بذلك؟ ومن أين جاء بهذه المعلومات؟ والأمر يبدو سرا، فلم يتوقع غيره موعد
الضربة، ومع الاختلاف على حجمها، إلا أن بلينكن يحدد موعدها، ويقرر أنها قد تكون
اليوم، فهل حدث ما نخشاه؟!
تأخرت إيران في الرد حتى مثلت أضحوكة لخصومها، الذين
يقفون لها على الواحدة، ولست منهم بطبيعة الحال، فلا أتعامل مع القوم بجملة
المواقف، ولكن بالقطاعي، يعجبني هذا الموقف فأشيد به، وأرفض هذا الموقف فأندد به،
وإيران ليست الشيطان الرجيم كما يردد خصومها، ولكن إذا سرك منها شيء ساءتك أشياء!
في البداية كنا نفتقد اليقين في الرد الإيراني، وبعد ذلك
فالخلاف في جدواه، فمع التأكيدات الإيرانية بأنها ستكون ضربة ترد الاعتبار، فإن التأخر
في الرد كان لصالح الخصوم، فهل ينتظرون حتى تستعد إسرائيل لاستقبالها، وتعيد ضبط
القبة الحديدية، وتحضر البوارج الأمريكية، وعندما تسقط الصواريخ بدون أن تُحدث
أثرا يقال ما باليد حيلة؟!
في البداية كنا نفتقد اليقين في الرد الإيراني، وبعد ذلك فالخلاف في جدواه، فمع التأكيدات الإيرانية بأنها ستكون ضربة ترد الاعتبار، فإن التأخر في الرد كان لصالح الخصوم، فهل ينتظرون حتى تستعد إسرائيل لاستقبالها
اقفل يا بتاع الفول:
تأتي تأكيدات بلينكن بأن الضربة المزدوجة من إيران وحزب
الله ستكون اليوم، لتخيف من أن يكون الأمر سيحدث بالتوافق على الضربة بين البلدين،
وبالاستعداد لها، على طريقة "اقفل يا بتاع الفول"، الذي روينا حكايته من
قبل، ولا مانع من التذكير بها لدلالتها المهمة!
فقد ذهب بلدياتنا ليتعلم قيادة الدراجة، ولأنه كان في
البداية، والدراجة هبطت به إلى أرض منخفضة في نهايتها عدد من المحال التجارية، فلم
يتمكن من السيطرة عليها، وقد وجد في مواجهته من بعد مطعم فول، فقد ظل يهتف:
"اقفل يا بتاع الفول.. اقفل يا بتاع الفول"، ولم يقفل "بتاع الفول"
بطبيعة الحال، فلما وجد نفسه وقد صار بداخل المحل، وأمسك به صاحبه، رد عليه كما لو
كان فعل ما عليه وزيادة: ألم أقل لك اقفل يا بتاع الفول؟!
فهل أبلغ النظام الإيراني الجانب الأمريكي بموعد الرد،
باعتباره "بتاع الفول"، وعليه أن يستعد لذلك، ليتم استيعاب الضربة،
وتقول طهران إنها ردت؟!
عندما يسخر الساخرون من تأخر الرد الإيراني، وكأن
المطلوب أن يكون في التو واللحظة التي اغتيل فيها الشهيد إسماعيل هنية، فإن الدافع
لسخريتهم هو الرأي والحرب والمكيدة، لكن في المقابل لا أستوعب أن يتأخر الرد كل
هذا الوقت، ليعلم به بلينكن ويستعد له، وكأننا أمام حالة "اقفل يا بتاع
الفول"!
وإذا لم يكن بلينكن يضرب الودع ويقرأ الفنجان، ولم تكن
إيران قد أطلعته على خطتها، فتبين صحة ما أبلغ به نظراءه، لكنا أمام دليل جديد على
اختراق الداخل الإيراني، فلم يقتصر الأمر على خطة إسماعيل هنية، ولكن على تسريب معلومات
على درجة كبيرة من الأهمية!
فبركة الصحافة الغربية:
إيران متأخرة في كل شيء، ونتائج التحقيقات مع مرور كل هذا
الوقت لا تشفي الغليل، والتأخر كان سببا في دخول الصحافة الغربية على خط ملء
الفراغ، إحداها أمريكية والثانية بريطانية، لتردد رواية واحدة لا تقنع صريخا ابن
يومين، وكيف أن إسرائيل عبر العملاء الإيرانيين زرعت قنبلة داخل حجرة نوم هنية منذ
شهرين!
ويأسف المرء، لأسباب مهنية، أن تتخلى صحف غربية عن
المهنية، حد أنها تروج لسردية غير مقنعة، لصناعة أسطورة اليد الطولى لإسرائيل، بعد
سقوط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والصراع الحضاري، والجيش صاحب الأخلاق الرفيعة!
الفراغ الذي تسبب فيه تأخر إعلان نتائج التحقيقات هو المسؤول عن قيام صحف كبرى بالفبركة والتأليف دون تقديم رواية متماسكة، وكأنها منشورات تصدر من مكتب نتنياهو
فوضع القنبلة في هذه الحجرة منذ شهرين، يعني أنها لم تتعرض
للتنظيف على مدى هذه الفترة، أو حتى في اللحظة التي تقرر أن يقيم فيها رئيس المكتب
السياسي لحركة
حماس، فضلا عن أن قرار وضعها يبدو كما لو كانت هذه الحجرة هي مقر
هنية الدائم في طهران، أو أنه دائم التردد عليها، والرجل لم يثبت أنه بات هناك في
الزيارات السابقة وهي كلها زيارات صد.. رد!
بيد أن الفراغ الذي تسبب فيه تأخر إعلان نتائج التحقيقات
هو المسؤول عن قيام صحف كبرى بالفبركة والتأليف دون تقديم رواية متماسكة، وكأنها
منشورات تصدر من مكتب
نتنياهو، وتحررها حرمه السيدة سارة!
لقد استشعر الإيرانيون ما يمكن أن يتسبب فيه التأخر من
مشكلات، فكان الإعلان عن أن لجنة التحقيقات أكدت أن الاغتيال تم بمقذوف أطلق من
خارج إيران، وهو كلام لا يضيف جديدا عن توقعات اللحظة الأولى لعملية الاغتيال، فهل
الأمر يحتاج لكل هذا الوقت لتقديم هذه المعلومة الناقصة، وعدم الانتهاء من
التحقيقات؟!
إن هناك أسئلة تحتاج إلى إجابة، فما هي دولة الجوار التي
أطلق منها المقذوف، والتي كانت مطية لإسرائيل لتشاركها في جريمة إهدار كرامة
الدولة الإيرانية، واختراق سيادتها، ووضعها في موقف يضر بالسمعة، ويجرح كبرياء
الدول، ويهدر مكانتها؟!
إن الوقوف على اسم هذه الدولة يلزمه أيضا رد إيراني، فهل
تأخر إذاعة اسمها يدخل ضمن ثقافة "اقفل يا بتاع الفول"، لتستعد هذه
الدولة لاستيعاب رد لإيران الملتزمة بضبط النفس إلى أقصى درجة، والصبر عند الصدمة
الأولى، وقد صبرت، وتمالكت أعصابها؟!
عملاء الداخل:
المشكلة الأخرى أن ما جرى لا يمكن أن يتم إلا من خلال
عملاء في الداخل، حددوا للجانب الإسرائيلي الأمور بدقة، ليخرج المقذوف إلى غرفة
إسماعيل هنية، بل إلى سرير نومه، فكيف حدث هذا الاختراق لدولة منغلقة، وفي حالة
حرب دائمة، وما هي حدود هذا الاختراق وقيمة الشخصيات التي يتعاون معها الجانب
الإسرائيلي؟
لقد ثبت أن إغلاق الدول وتسلطها لا يضار منه سوى
الإعلام، فلا يستطيع مراسل من هناك أو صحفي مقيم، أن يتوصل لشيء عن التحقيقات إلا
ما تجود به السلطات وهو شحيح للغاية، فهل هذا التأخر هو لاستشعار الحرج من
الاختراق، أم على قواعد "اقفل يا بتاع الفول"، ليتم قطع الخيوط التي
يمكن أن تكشف الجناة في الداخل، لا سيما إذا كانوا من أصحاب الرتب الكبيرة؟!
إيران الآن على المحك، فإما أن تكون على قدر المسؤولية، من حيث التوصل السريع لحقيقة ما جرى وإعلانه للناس، ومن حيث الرد المساوي للجريمة، وليس مجرد رد يستوعبه "بتاع الفول"، فيغلق المحل، ويقلل حجم الخسائر، ويمنح العاملين في هذه الأهداف المتوقعة إجازة مفتوحة إلى حين الرد، بينما "بتاع الفل" استجاب لنداء سائق الدراجة وأغلق محله
وألا يخشى القوم من أن يستغل الإعلام الغربي هذا التردد
في إصدار نتيجة التحقيقات أو ما تم التوصل إليه، بتأليف سردية كتلك الخاصة بعملية
الاغتيال والتي تم تأليفها من جانب سيناريست محدود الكفاءة، متواضع المهارات،
معدوم الخيال؟!
إيران الآن على المحك، فإما أن تكون على قدر المسؤولية،
من حيث التوصل السريع لحقيقة ما جرى وإعلانه للناس، ومن حيث الرد المساوي للجريمة،
وليس مجرد رد يستوعبه "بتاع الفول"، فيغلق المحل، ويقلل حجم الخسائر،
ويمنح العاملين في هذه الأهداف المتوقعة إجازة مفتوحة إلى حين الرد، بينما
"بتاع الفل" استجاب لنداء سائق الدراجة وأغلق محله!
اغتيال نتنياهو؟
والآن نسأل: ما هو الرد المناسب؟
الأصل أن يكون الثأر على مستوى الضحية، نتنياهو أو غالانت، مقابل رأس
إسماعيل هنية وإهدار كرامة إيران، وهذا الرد هو المستحيل بعينه، لكن مع هذا
المستحيل فلا ينبغي أن يكون الرد يدخل من تفاهته وعدم جدواه في سياق المسخرة؛ بشكل
تصغر فيه إيران في عيون الناس، وحتى خصومها لا يحقرونها إلا لخوفهم من أن تمثل
غواية لأبناء المنطقة، ولهذا فالهجوم عليها لا يتوقف، ولا يقبلون من المقاومة
التقارب معها حتى وإن لم يكن لهم حليف على ظهر البسيطة، ولا يقبلون أن تكون على خط
النار في مواجهة الكيان المغتصب، فلو صارح البعض أنفسهم لاكتشفوا أنهم يتمنون أن
تنتصر إسرائيل على إيران! ولو اغتالت إيران نتنياهو، فلم يتزحزحوا عن موقفهم قيد
أنملة، ولقالوا فخار يكسر بعضه بعضا، فماذا لو كان الرد عبثا، وكان العبث ردا، واستعد
"بتاع الفول" وقد أبلغ نظراءه في مجموعة السبع بموعد الرد الإيراني؟!
إن إيران في وضع لا تحسد عليه!
x.com/selimazouz1