نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية
تقريرًا تحدثت فيه عن مفاجأة الهجوم المسلح الذي شنته أوكرانيا على منطقة كورسك الحدودية في الغرب.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه بعد مرور عشرة أيام على انطلاق الهجوم غير المسبوق الذي شنه
الجيش الأوكراني في السادس من آب/ أغسطس الماضي في منطقة كورسك الروسية، فقد أبدى
القادة الغربيون قدراً كبيراً من الحذر والتكتم، دون إخفاء رضاهم.
وأضافت الصحيفة أن جو بايدن قال بخصوص هذا
الموضوع في 13 آب/ أغسطس: "أفضل عدم التعليق على هذا الأمر علنًا". وأوضح
رئيس الولايات المتحدة أنه يتحدث مع فريقه كل أربع أو خمس ساعات، على مدى الأيام الستة
أو الثمانية الماضية بشأن هذه المسألة، وأن إدارته على اتصال دائم بالأوكرانيين. وذكر
بايدن أن هذا يخلق معضلة حقيقية لبوتين لا سيما أن أحد أهداف كييف المعلنة هو إجبار
روسيا على تخفيف الضغط على جبهة دونباس الأوكرانية.
وأوضح نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية
الأمريكية، فيدانت باتيل: "أتوقع أن نستمر في الوقوف إلى جانب شركائنا الأوكرانيين".
ومع ذلك، فإن القوات الأوكرانية لا تحافظ على مواقعها على الأراضي الروسية فحسب، بل
يبدو أنها تتقدم نحو مواقع أخرى".
استمر بهذا النحو
في اليوم التالي لهجوم السادس من آب/ أغسطس،
أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، أنه لم يتم تحذير الولايات
المتحدة، قائلًا: "نحن نزودهم بالمعدات ونقدم لهم النصائح ولكن عندما يتعلق الأمر
بالعمليات التكتيكية اليومية والضربات التي ينفذونها، فأحيانًا نكون على علم بذلك، وأحيانًا
لا".
وفي حين لم تشجع إدارة بايدن توجيه ضربات
عبر الحدود، غير أنها سمحت في حزيران/ يونيو لأوكرانيا باستخدام بعض الأسلحة التي زودتها
بها الولايات المتحدة لاستهداف المركبات القتالية على الأراضي الروسية. وأضاف ماثيو
ميلر: "لم يتغير شيء في سياستنا، ومن خلال الإجراءات التي يتخذونها اليوم، فإنهم
لا ينتهكون سياستنا".
"الفضول المقترن بالخوف"
على الجانب الأوروبي، كان التكتم مطلوبًا
منذ بداية التوغل الأوكراني، لكن الدعم لكييف لا يزال قائمًا. وفي أعقاب الهجوم، أعلن
الاتحاد الأوروبي أنه لن يعلق على "التطورات العملياتية على الساحة أو على خط
المواجهة". وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو: "لأوكرانيا الحق
في الدفاع عن نفسها ضد العدوان غير القانوني الروسي. وهذا يشمل الحق في ضرب العدو على
أراضيه".
وقال دبلوماسي أوروبي، رفض الكشف عن هويته،
في إشارة إلى التحفظ الذي أظهره قادة الدول السبعة والعشرين: "من الواضح أنه لا
أحد يبتهج علنًا بغزو أوكرانيا لروسيا". ويضيف المصدر ذاته أن هذا الصمت من جانب
الحلفاء الأوروبيين يفسره أيضًا "الفضول المقترن بالخوف والترقب" بشأن نتيجة
المناورة الأوكرانية. ومع ذلك، فإنه أعرب عن "نوع من الارتياح" إزاء "قدرة
الأوكرانيين على الاستمرار في تحقيق بعض الأهداف"، على الرغم من الصعوبات التي
يواجهونها على الجبهة في شرق أوكرانيا.
وفي ألمانيا، ذكر نائب المتحدث باسم الحكومة
الألمانية، فولفغانغ بوشنر، أن العملية تم إعدادها بأكبر قدر من السرية، بعبارة أخرى
دون التشاور مع برلين. وقال زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، لارس كلينغبيل
الذي ينتمي إليه المستشار أولاف شولتس: "من الواضح أن الدولة التي تتعرض للهجوم
لها الحق في الدفاع عن نفسها. وفي هذه الحالة، فإن أوكرانيا لها الحق في التدخل في الأراضي
الروسية، طالما تم احترام جميع قواعد القانون الدولي".
بولندا دعمت العملية
وأوردت الصحيفة أن الحذر الذي أبدته الحكومة
الألمانية متوقعًا. فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، حرصت برلين
دائمًا على تجنب أي خطر تصعيد مع موسكو عن طريق تأخير تسليم بعض الأسلحة التي طلبتها
كييف أو رفض تقديمها بشكل صريح، مثل صواريخ تاوروس بعيدة المدى.
ويشجع السياق السياسي الحكومة الألمانية
على التكتم. ومن المقرر إجراء انتخابات إقليمية في أيلول/سبتمبر في ساكسونيا وتورينغيا
وبراندنبورغ، وهي ثلاث مناطق في ألمانيا الشرقية السابقة، حيث اتسم الدعم العسكري لأوكرانيا
منذ بداية
الحرب بالندرة مقارنة بغرب البلاد. في هذه الأقاليم الثلاث، تفيد النزعة
السلمية الممزوجة بالمشاعر المؤيدة لروسيا حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف
بالإضافة إلى التشكيل اليساري الجديد.
داخل الاتحاد الأوروبي، أيد فقط رئيس الوزراء
البولندي دونالد توسك العملية علنًا، قائلاً إن كييف "لها كل الحق في شن حرب بطريقة
تؤدي إلى شل روسيا". وترى بولندا، وهي من بين الدول الرائدة في مجال المساعدات
العسكرية لأوكرانيا، أن الدفاع الفعال عن أوكرانيا عامل ضروري لضمان أمنها.
الدفاع عن النفس ضد مهاجم
ورفض حلف شمال الأطلسي، الأربعاء، التعليق
على عملية كورسك. لكن أمينها العام المنتهية ولايته، ينس ستولتنبرغ، أكد في العديد
من المناسبات أن أوكرانيا لديها الحق، بموجب القانون الدولي، في الدفاع عن نفسها ضد
المعتدي وأنه من حق حلفائها الغربيين مساعدة كييف على القيام بذلك.
ومع ذلك، فإنه اعتمادًا على التأثير الذي سيخلفه
على مسار الحرب، يعيد الهجوم الأوكراني إحياء النقاش حول استخدام المعدات العسكرية
الغربية لضرب الأراضي الروسية. وعلى الرغم من أن واشنطن خففت قيودها، إلا أن الرأي
الأوروبي ما زال منقسمًا بشأن هذه القضية.
"مبادرة جريئة"
وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي
بي سي" أن دبابات تشالنجر 2 التي قدمتها بريطانيا استخدمت أيضًا خلال التوغل الأوكراني
في روسيا. وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن أوكرانيا لديها "حق واضح" في
استخدام الأسلحة التي تبرعت بها بريطانيا من أجل الدفاع عن نفسها وأن هذا "لا
يمنع العمليات داخل روسيا".
في المقابل، ذكر وزير الخارجية الإيطالي
أنطونيو تاياني، أن الأسلحة التي أرسلتها بلاده "لا يمكن استخدامها لمهاجمة روسيا
على أراضيها". ويسدد الاتحاد الأوروبي جزئياً تكاليف عمليات تسليم عسكرية معينة
إلى أوكرانيا، ولكن شروط استخدامها تقع ضمن الاختصاص الوطني لكل دولة عضو. منذ بداية
الغزو الروسي، يقدر إجمالي الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للجيش الأوكراني بنحو
39 مليار يورو.
ويشكل الهدف العسكري النهائي لهذا التوغل
في روسيا لغزاً بالنسبة للغرب. ففي الولايات المتحدة، أشادت صحيفة "وول ستريت
جورنال" بـالمبادرة الجريئة التي نفذتها أوكرانيا، والتي تشكل درساً لإدارة بايدن،
التي غيرت سياستها في حزيران/ يونيو الماضي بشأن السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة
أمريكية معينة لضرب الأراضي الروسية.
ووفقًا لتقديرات صحيفة "واشنطن بوست"
يمكن أن تعرقل الضربات، المدعومة بهجمات مقاتلات إف-16 التي استحوذت عليها أوكرانيا،
أي هجوم روسي مضاد.
وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة إلى أنه في
حال لم تحصل أوكرانيا على التفويض اللازم من واشنطن، فسوف تضطر قواتها إلى الانسحاب
في أقرب وقت. وبالنظر إلى مواصلة أوكرانيا فإن تجاوز ما يسمى بـ"الخطوط الحمر"
الروسية مع الإفلات من العقاب، يتعين على جو بايدن الاستعداد لخوض مخاطرة.