قال معهد واشنطن، إن
روسيا تبذل ما بوسعها، من
أجل تمكين القوى المعادية للولايات المتحدة، عبر تزويدها بالعديد من أنواع الأسلحة.
ولفت إلى التقارير التي أشارت فيها لاستعدادها بتزويد
الحوثيين بصواريخ متطورة مضادة للسفن، وقالت إنه في حال صحة هذه التقارير، فإن هذا سيمثل تصعيدا آخر في التوترات مع الغرب.
وأضاف: "يتوافق
تسليح الوكلاء أو تمكينهم مع قواعد اللعبة التي يمارسها الكرملين. فمنذ هجوم
حماس
على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح فلاديمير بوتين، كما هو متوقع،
متحالفاً بشكل أوثق مع القوى المناهضة للولايات المتحدة والمزعزعة للاستقرار في
الشرق الأوسط" على حد وصفه.
وأشار المعهد إلى أن
بوتين اختار نزاعا منخفض الحدة مع الغرب، لأن روسيا لديها موارد أقل، وأثبت تشتيت
انتباه الولايات المتحدة بتكلفة أقل، وإجبارها على إنفاق مواردها في مواجهة
الوكلاء المتمكنين بأنه تكتيك فعال في معركة أكبر من أجل تشكيل النظام الدولي.
وقال المعهد، إنه
"على مر السنين، قامت موسكو بتسليح الوكيل الأكبر لإيران، حزب الله، في ساحة
المعركة السورية، وفي معرض هذه العملية، يبدو أن حزب الله تعلم الكثير من الجيش
الروسي، بما في ذلك القدرة على شن حرب مناورة هجومية، وبدعم من الغطاء الجوي
والمدفعي الروسي، ساعد الحزب قوات النظام بعد ذلك في تدمير معاقل المتمردين
الرئيسية وتحويل دفة الحرب لصالح بشار الأسد".
واعتمد الكرملين على
جهات فاعلة أخرى للاضطلاع بالمهام الشاقة، لا سيما إيران ووكلائها. وفي الواقع،
بلغت العلاقات الروسية الإيرانية مستويات غير مسبوقة نتيجة تدخل موسكو في سوريا،
حتى قبل غزو أوكرانيا.
وفي غياب نهج غربي
متسق لمواجهة روسيا في سوريا، فقد حقق بوتين هدفه قصير المدى المتمثل في إبقاء الأسد
في السلطة وهدفه طويل المدى المتمثل في إنشاء موقع عسكري دائم في شرق البحر الأبيض
المتوسط. ومنذ ذلك الحين، عززت موسكو مركزها في سوريا بطرق متعددة. ويشمل ذلك
تمكين وكلاء آخرين في المنطقة، ما يعزز قدرتها على التصعيد بشكل دوري مع الولايات
المتحدة.
ومنذ آذار/ مارس 2023،
صعّدت روسيا الوضع بشكل كبير في سوريا من خلال زيادة المضايقات العسكرية للطائرات
الأمريكية. وحدث ذلك في السياق الأوسع للتصعيد الذي لم يتم الرد عليه في البحر
الأسود، حيث اعترضت روسيا مرارا وتكرارا طائرات المراقبة الأمريكية بدون طيار من
طراز "إم كيو-9 ريبر"، وانتهى بها المطاف بالاصطدام بطائرة مقاتلة من
طراز "سو-30" في الجو.
وردا على ذلك، نددت
واشنطن علناً بسلوك القوات الروسية ووصفته بأنه غير آمن وغير مهني، ثم أطلقت
مناورات عبر مسرح العمليات لإرباكها واستنزاف جهوزيتها، وبعد ذلك توقفت المضايقات.
وكانت ليبيا ساحة
معركة بالوكالة لأكثر من عقد بين تركيا والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر.
وقد نجح بوتين في ترسيخ مكانة روسيا كوسيط مؤثر في هذه اللعبة الأكبر، ولم يسع
الغرب إلى ردعه. وعلى مر السنين، طورت موسكو علاقاتها مع كل من حكومة فايز السراج
المدعومة من الأمم المتحدة واللواء المتقاعد خليفة حفتر، الزعيم الذي يسيطر على
المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في البلاد.
لكن على الرغم من التزامها الحذر، فقد كانت روسيا
تميل دائماً باتجاه حفتر. ومن المؤكد أن الكرملين لن يثق قط بشكل كامل بأي شخص
لديه خلفية مماثلة، لأن حفتر مواطن أمريكي وأحد الأصول السابقة لـ "وكالة
المخابرات المركزية" الأمريكية. لكن علاقاتها معه تطورت على مر السنين، وقد
أثبت نفسه كوكيل آخر للكرملين. وفي المقابل، كثفت موسكو تواجدها العسكري في شرق
ليبيا.
وفي ربيع هذا العام،
بعد أن قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف بزيارة حفتر مرارا وتكرارا، فقد قامت موسكو بتسليم آلاف الأطنان من المعدات العسكرية من منشآتها البحرية في طرطوس
بسوريا إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا. وتستمر تقارير بالظهور مفادها أن موسكو تضغط
على حفتر لمنحها حقوق ميناء المياه العميقة في طبرق لإيواء غواصات هجومية نووية.
وقد سمح الوجود الروسي
في ليبيا للكرملين بالوصول إلى مطارات البلاد، التي ينقل منها الإمدادات ويهرب
الوقود والذهب والأدوية لجمع الإيرادات اللازمة لحربه على أوكرانيا وتوغله في
أجزاء أخرى من أفريقيا. وعادةً ما يلعب الكرملين على الجانبين حتى لو كان يميل
أكثر نحو أحد الطرفين، كما رأينا في السودان، حيث قدم الأسلحة لكل من "القوات
المسلحة السودانية" وخصمها "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية.
وقد سمح ذلك لموسكو
بالتوغل بشكل أعمق في منطقة الساحل، حيث استغلت المشاعر المعادية للولايات المتحدة
وأوروبا لدعم الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وفي المقابل، قام الشركاء
المحليون بطرد المدربين والمستشارين العسكريين الغربيين وسمحوا لروسيا بالاستعانة
بمدربين ومستشارين عسكريين خاصين بها.
ورأى المعهد أن ما
يجري يؤطر لمصالح روسيا في البحر الأحمر حاليا، ففي كانون الثاني/ يناير، اعترف
الرئيس بايدن بأن الضربات العسكرية فشلت في ردع "الحوثيين" عن شن المزيد
من الهجمات، سواء ضد السفن التجارية في الممرات المائية الإقليمية أو ضد الاحتلال
في خضم العدوان على غزة.
وفي غضون ذلك، أدت
الجهود الأمريكية المستمرة إلى إبقاء الممرات البحرية العالمية مفتوحة إلى نقص خطير
في صواريخ الدفاع الجوي الأمريكية، لا سيما صواريخ "إس إم-3" الاعتراضية،
التي تعد واحدة من أكثر أنظمة الأسلحة الأمريكية قيمة وتكلفة والتي تُعد ضرورية
لضمان الاستعداد لأي نزاع محتمل بين الولايات المتحدة والصين في المحيط الهادئ،
وهو واقع من المرجح أن تكون موسكو على دراية به جيداً.
بالإضافة إلى ذلك، وبينما يلاحظ شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عدم قدرة واشنطن على حل هذه
الأزمة، فإن ذلك يعزز رواية موسكو التي مفادها أن الولايات المتحدة هي ضامن غير موثوق
للاستقرار، ويطرح أسبابا إضافية لهم لتحقيق التوازن في سياستهم الخارجية من خلال
التعامل مع روسيا والصين. وبالتالي سيكسب بوتين أكثر مما سيخسر إذا ساهم في تأجيج
أزمة البحر الأحمر، سواء من خلال تسليح الحوثيين أو تمكينهم بوسائل أخرى. ومن وجهة
نظره، فإنه لا يختلف ذلك عن ما تفعله الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا.
وقد يعتبر البعض أن
روسيا، مثل الدول الأخرى، تتضرر مالياً من جراء ما يفعله الحوثيون، حتى لو كانت
تدين الولايات المتحدة وبريطانيا علناً على خلفية قيامهما بعمل عسكري ضد الحوثيين.
صحيح أن روسيا تحتاج إلى حرية الملاحة في البحر الأحمر لتوصيل صادراتها النفطية
إلى شرق آسيا، كما أن تحويل مسار السفن حول رأس الرجاء الصالح يؤدي إلى زيادة
التكاليف ووقت الشحن. لكن البيانات المتاحة تشير إلى أن الأزمة أثرت أقل نسبيا على
شحنات النفط الروسية من تأثيرها على شحنات نفط منافسيها.
وتستمر ناقلات النفط
الروسية في المرور عبر قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عمان دون عوائق نسبياً.
وقد تجنب الحوثيون السفن الروسية إلى حد كبير، على الأرجح لأنه ليس لديها أي صلة
بالولايات المتحدة أو الاحتلال على الرغم من أنهم كانوا يهاجمون في بعض الأحيان
سفناً أخرى تحمل شحنات روسية إذا كانت تزور الموانئ الإسرائيلية.
وبالتالي، فبينما قد
تتحمل موسكو بعض التكاليف من جراء تمكين الحوثيين، فإن الفوائد تفوق تلك التكاليف
على الأرجح. فقد تعاملت موسكو مع وكلاء يصعب التعامل معهم من قبل، مثل حفتر. وعلى
الرغم من محدودية الأسلحة التي يمكن لروسيا تصديرها بسبب الحرب الأوكرانية، إلا
أنه يمكنها إرسال صواريخ مضادة للسفن إلى الحوثيين دون التأثير على تلك الجبهة.