ملفات وتقارير

السيسي يوجه خارجيته باحترام حقوق الإنسان.. ماذا عن وزارات الداخلية والعدل؟

يقبع عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في السجون في ظروف صعية- جيتي
‌وجه رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، بـ"استكمال تنفيذ مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتعزيز أوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، وضمان تمتع المواطنين بحقوقهم الدستورية، وترسيخ أسس المواطنة وسيادة القانون وعدم التمييز".

ذلك التوجيه جاء خلال لقائه الاثنين الماضي، وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، لمتابعة التقرير التنفيذي الثاني للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها السيسي، قبل 4 سنوات، لمواجهة حملة الانتقادات الغربية لملف مصر الحقوقي، والتي انطلقت حينها من الاتحاد الأوروبي وأمريكا.

وزير الخارجية أشار إلى أن "العام الجاري شهد استكمال إنشاء وحدات حقوق الإنسان في الوزارات والجهات الوطنية، وتشكيل لجان لفحص التظلمات الواردة من الأشخاص ذوي الإعاقة، ووحدات مناهضة العنف ضد المرأة، وتعديل وإصدار العديد من التشريعات المعززة لحقوق الإنسان على غرار قوانين الجنسية المصرية... ".



"أين المعتقلين؟"
المثير في بيان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الذي نقل تفاصيل اللقاء، هو خلوه تماما من الحديث عن أوضاع آلاف المعتقلين السياسيين، الذين يعانون أشد معاناة ويشكون من انتهاكات ومخالفات قانونية ودستورية، ومعاملة غير آدمية، وحرمان من حقوق السجناء التي كفلها القانون والدستور المصري والمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية.

كما أن البيان، لم يحمل أية رسائل طمأنة للداخل المصري، بشأن بعض القضايا الحقوقية المثيرة للجدل طوال 11 عاما، وبينها حملات الاعتقال المتواصلة على المواطنين، وجرائم الإخفاء القسري بحقهم، والحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين بالمخالفة للقانون، وعمليات تدوير المعتقلين في قضايا جديدة دون الإفراج عنهم رغم انتهاء محكوميتهم، والمحاكمات المسيسة، وفق حقوقيين.

وكان لافتا لانتباه المراقبين، عرض وزير الخارجية التقرير التنفيذي الثاني للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، على السيسي، متسائلين عن مدى علاقة وزارة الخارجية بهذا الملف، مؤكدين أنه يخص وزارتي الداخلية والعدل، الغائبتين بشكل تام عن لقاء السيسي، في عرض نتائج عمل استراتيجيته.

وقبل 11 عاما، ومنذ انقلاب السيسي، حينما كان قائدا للجيش، على أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا في العصر الحديث، الراحل محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، وتقود أجهزته الأمنية حملة اعتقالات واسعة جاءت أولا بحق الآلاف من أنصار مرسي، ورافضي الانقلاب، ثم طالت لاحقا كل من عارض نظام حكمه.

لماذا أطلق السيسي تلك الاستراتيجية؟
وأطلق السيسي، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 11 أيلول/ سبتمبر 2020، حينها اعتقد بعض المراقبين للشأن الحقوقي المصري بأن مصر تسير نحو تغيير الصورة السلبية عن ملفها الحقوقي، وأنها إلى اتخاذ خطوات لإنهاء الملف الأكثر إيلاما لآلاف الأسر المصرية.

لكن، آخرون رأوا منذ اللحظة الأولى لإطلاق السيسي، الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أنها تأتي ردا على الإدانات الدولية المتتابعة للملف الحقوقي للنظام العسكري الحاكم في مصر.

وكان قد سبق إطلاق تلك الاستراتيجية في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، مطالبة البرلمان الأوروبي، الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبي بالتصدي لتدهور الوضع الحقوقي بمصر، وتنفيذ الضوابط الأوروبية الخاصة بصادرات السلع للقاهرة والمستخدمة بعمليات القمع والتعذيب والإعدام.

حينها، وفي جلسته العامة، دعا البرلمان الأوروبي "السلطات المصرية للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين والمحكوم عليهم لمجرد اضطلاعهم بعملهم السلمي والمشروع بمجال حقوق الإنسان".

وشدد على ضرورة "وقف صادرات تقنيات المراقبة وغيرها من المعدات الأمنية إلى مصر، والتي قد تيسر الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني ومنهم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وأي نوع آخر من القمع الداخلي".

وندد أعضاء البرلمان بممارسات التعذيب والمعاملة غير الإنسانية للنشطاء والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والتعذيب والقمع ضد المجتمع المدني، وما أسموه الاستخدام المتكرر والمقلق لعقوبة الإعدام والقتل خارج نطاق القانون، والمحاكمات الجماعية، والاختفاء القسري.

"انتهاكات في زمن الاستراتيجية"
وبرغم وتدشين السيسي تلك الاستراتيجية، تواصلت الانتهاكات الحقوقية بحق المصريين، سواء المعتقلين السياسيين وحتى أصحاب الرأي والمدونين والمهتمين بالملفات السياسية والاقتصادية والحقوقية، وهو ما تقوم المنظمات الحقوقية المصرية وحتى الأجنبية بكشفه، مؤكدة أن الأوضاع مزرية بحق آلاف المعتقلين في السجون، وأنها تزداد سوءا، مشيرة لاستمرار عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.

والأربعاء الماضي، اختطفت قوات الأمن المصرية مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية السياسي يحيى حسين عبدالهادي، من أحد شوارع شرق العاصمة المصرية القاهرة، ومنعته من حضور ندوة حزب "تيار الأمل"، فيما قررت نيابة أمن الدولة حبسه 15 يوما، بتهم الانضمام لجماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل، وبث ونشر شائعات وأخبار كاذبة.

وفي أحدث الانتهاكات، كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، -مقرها لندن- عن وفاة المعتقل السياسي من مدينة طهطا بمحافظة سوهاج، أسامة عامر، الأحد الماضي، بعد أيام من اعتقاله الذي تسبب بإصابته بأزمة صحية ووفاته بسجن قوات الأمن المركزي بسوهاج (صعيد مصر).

وذلك بعد إعلان الشبكة الحقوقية الأربعاء الماضي، وفاة المعتقل السياسي محمد زكي، بسجن الوادي الجديد، بسبب ما وصفته بـ"التعذيب والمعاملة غير الإنسانية"، ليرتفع عدد وفيات المعتقلين إلى 31 منذ بداية العام الجاري.

وأكدت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، أن ما يحدث للمعتقلين السياسيين، في السجون المصرية، "يعد انتهاكًا جسيما للنفس والبدن بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون المصري والدولي"، مبينة أنه "يتم بأوامر مباشرة من جهاز الأمن الوطني دون وجود رقابة وتفتيش من النيابة العامة على أماكن الاحتجاز".



والسبت الماضي، أعربت 10 منظمات حقوقية مصرية، عن مخاوفها من استمرار الانتهاكات بحق المعتقلين في سجن "بدر" (1 و3) قرب العاصمة الإدارية الجديدة، والتي دفعت بعضهم لمحاولة الانتحار.



ورصد "مركز النديم"، 490 انتهاكا لحقوق الإنسان في سجون مصر ومقار الاحتجاز في تموز/ يوليو الماضي، كما أنه رصد 1958 انتهاكا في النصف الأول من العام الجاري، فيما رصدت أيضا، "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" اعتقال وحبس 125 مصريا على ذمة قضايا سياسية خلال الشهر الماضي.

وفي 30 تموز/ يوليو الماضي، قدم تحالف (المادة 55)، المكون من 4 منظمات حقوقية تقريرا للجنة الاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة حول أوضاع مقار الاحتجاز والسجون في مصر، وأكد أن حكومة القاهرة: "لم تدخل أي تغييرات في ما يتعلق بتحسين معاملة السجناء ولم تطبّق الحد الأدنى من معايير المعاملة الإنسانية".

التحالف الحقوقي، أشار إلى أن أعداد الوفيات بين المعتقلين في السجون منذ مطلع 2020 وحتى منتصف 2024، وصل إلى 296 حالة وفاة جرى رصدها وتوثيقها على أرشيف مراقبة العدالة.



متحدثون لـ"عربي21"، انتقدوا عرض وزير الخارجية تقرير الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، موضحين أن الأمر يخص وزارتي الداخلية والعدل، مشيرين إلى أن ذلك يكشف عن الهدف الأساسي للاستراتيجية، وهو الرد على الانتقادات الخارجية لملف مصر الحقوقي، مؤكدين أن حصاد 4 سنوات لتلك الاستراتيجية لم يصب في تحسين حقوق الإنسان المصري.

"حديث عبث.. واستراتيجية أمنية"
الحقوقية المصرية هبة حسن، قالت إن "الحديث عن استراتيجية لحقوق الإنسان في مصر، حديث عبث"، معربة عن شديد أسفها من أنه "لا توجد حقوق إنسان في مصر"، مؤكدة أن "تلك الاستراتيجية هي استراتيجية أمنية بجدارة لقمع الإنسان بشكل كامل".

المديرة التنفيذية لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، رأت في حديثها مع "عربي21"، أن "4 سنوات من إطلاق تلك الاستراتيجية لم تزد وضع حقوق الإنسان في مصر إلا سوءا، والانتهاكات تتزايد في كل مكان، وعلى كل شرائح المجتمع".

وتعتقد أن "أي تصريحات، أو توصيات، هي من باب مغازلة النظام الدولي المخاطَب الوحيد للدولة المصرية منذ سنوات، مع الأسف".

وخلصت للقول: "ولذلك فليس مستغربا أبدا أن يكون مثل هذا الحوار مع وزير الخارجية، وليس وزيرا الداخلية أو العدل، فهذان الأخيران هما من يتعاملون مع المصريين، الذين هم ليسوا من أولويات ولا حتى اهتمامات النظام المصري".

"محاولة وهمية لمحو السجل الأسود"
من جانبه، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، ممدوح إسماعيل، في حديثه لـ"عربي21"، إن "سجل حقوق الإنسان في مصر سجل أسود، منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013".

عضو مجلس نقابة المحامين سابقا، ورئيس لجنة حقوق الإنسان بها، أشار إلى أن "كل المنظمات الحقوقية فى العالم بدون استثناء سجلت تلك الحالة السوداوية لحقوق الإنسان في مصر".

ولفت إلى "ممارسات وزارة الداخلية في القبض على المصريين وتوقيفهم، وممارسة جرائم التعذيب والقتل خارج القانون، بجانب الأوضاع السيئة في السجون، وسياسة الانتهاكات الدائمة بحق المعتقلين، والمحاكمات الصورية والقضاء المسيس، واختيار قضاة بذاتهم لإصدار أحكام لا توافق القانون، والمحاكمات العسكرية التي تصدر أحكامها بالأوامر".

وألمح إلى أن "استمرار تلك الجرائم دعا المجلس الدولي لحقوق الإنسان، لإدانة نظام الحكم، كما انتقد البرلمان الأوروبي مرارا انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ما جعل سمعة مصر الخارجية سوداء".

إسماعيل، يعتقد أن "هذا ما أرغم السيسي، الذي يرفض كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، أن يعتمد ما يسمى بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كمحاولة وهمية لتجميل شكل مصر الأسود، وتقوم وزارة الخارجية بعرض تقريرها المزور لمحاولة تبييض سواد وجه النظام المصري خارجيا".

واستدرك: "لكن المنظمات الحقوقية العالمية والساسة يعلمون بتزوير تلك التقارير، حيث يعتمد نظام الحكم في مصر من جهة أخرى على تقديم التنازلات في القضايا المهمة، مثل فلسطين للأمريكيين والإسرائيليين وحلفائهم، كي يساعدوه على تبييض وجهه الأسود في حقوق الإنسان عند المجتمع الغربي".

المحامي المصري المهتم بالملف الحقوقي، أكد أن "الواقع الديكتاتوري المستبد القمعي لا يخفى على الإعلام الغربي والعاملين بمنظمات حقوق الإنسان"، موضحا أنه لذلك "يزداد النظام في الولاء لأمريكا وإسرائيل والغرب كمنقذين له".

وخلص للقول: "لكن يبقى أن يقول التاريخ إنه لا بقاء لمستبد طاغية إلى الأبد، وها هي رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة (76 عاما) تهرب الاثنين، بعد قمع وظلم دام 15 عاما، وما ذلك ببعيد على مصر في ظل ازدياد الظلم والقمع".

"دوام الحال من المحال"
وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت السياسي والبرلماني المصري السابق، الدكتور عبدالموجود الدرديري، إلى أن ملف الحريات وقضية المعتقلين ليسوا من اهتمامات النظام.

القيادي بحزب "الحرية والعدالة"، قال إن "أبناء مصر الأوفياء داخل المعتقلات أو مطاردين أو في المنافي، يدفعون ضريبة محاربتهم للاستبداد والفساد ".

وأكد أن "طريق تحرير الشعوب شاق وطويل، لكنه هو الطريق الوحيد لتحقيق الكرامة الإنسانية التي فطرنا الله عليها"، مبينا أنه "يدمي قلبي وعقلي أن أرى الأحرار من العلماء والوزراء والنواب والمواطنين الأحرار خلف القضبان".

وختم بالقول: "علينا أن نقاوم اليأس بكل الطرق الممكنة لتحرير المعتقلين، فلا يمكن لمصر أن تتقدم إلى الأمام ويوجد بها هذا الظلم، وليعلم النظام أن دوام الحال من المحال، وسيأتي اليوم الذي تتحرر فيه مصر من منظومة الاستبداد والفساد".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع