ما زالت تبعات الحرب الاسرائيلية على
غزة تكشف مزيدا من جوانب الإخفاق والفشل في أداء جيش
الاحتلال وأجهزته الأمنية، لا سيما جهاز الأمن العام "
الشاباك"، المسؤول المباشر عن قطاع غزة، وتحديدا سوء العلاقات بين أفراده والجهات التي يتعاون معها في خوض الحرب ضد "
حماس"، بجانب سمات "الأنا"، والحسابات الشخصية والسياسية، ما أسفر في النهاية عن فوضى متشابكة.
البروفيسور إيال زيسر، خبير شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، ونائب رئيس جامعة "تل أبيب"، ذكر أن "مجريات الحرب على غزة كشفت عن بعض جوانب العمل داخل جيش الاحتلال، حيث يوكل تنسيق العمليات الحكومية في الأراضي الفلسطينية إلى القيادة الجنوبية وجهاز الاستخبارات العسكرية - أمان، وهيئة الأركان العامة، والشاباك، كلهم يعملون في وقت واحد، رغم أن مسؤولية الأخير عن إدارة الحرب مع ’حماس’ تبدو واضحة بشكل خاص، وتستحق إثارة التساؤلات والنقاش المؤثر".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
إسرائيل اليوم" العبرية، وترجمته "عربي21" أن "أداء الشاباك في حرب غزة يدل على ما يمكن وصفه بالشذوذ التاريخي، ينبع من واقع ما بعد حرب 1967، لكن هذا الشذوذ مستمر حتى يومنا هذا دون أن يلتفت إليه أحد، لكنه ساهم بلا شك في فشل السابع من أكتوبر، مع أن الشاباك الذي تأسس أوائل الخمسينيات كهيئة مسؤولة عن إحباط التجسس الخارجي والتخريب الداخلي والإرهاب، وعن أمن الأفراد والمؤسسات والمنشآت، وكلها مهام بهدف الردع والمنع، وليس شن حرب ضد جيش العدو، وهكذا تجسدت مهام الشاباك على مر السنين لمحاربة العمليات المسلحة الفردية والمنظمة، والخلايا التي تعمل بين الفلسطينيين".
وأشار إلى أنه "عندما تحولت المقاومة الفلسطينية إلى منظمة وجماعية، فقد بدأت الشكوك تصدر من بين أوساط الشاباك، خاصة مع اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر 1987، بسبب فشله في التنبؤ بها، وفي نهاية المطاف كان مشغولا مع ملاحقة هجمات تشبه الأشجار المعزولة، لكنه لم ير الغابة كلها، إلى أن حدث التغيير الكبير في الشارع الفلسطيني في العقدين الأخيرين، عندما انسحب الاحتلال من غزة في 2005، وأقيمت هناك ’دولة حماس’، بجيش شبه نظامي في كل شيء، لكن الشاباك لم يستوعب معنى هذا التغيير، واستمر في النظر إلى ’حماس’ باعتبارها منظمة مسلحة تكمن قوتها في تفعيل الخلايا التي تنفذ هجمات مستهدفة أو إطلاق الصواريخ".
وأوضح أنه "هنا يكمن الفهم الخاطئ، لأنه لم يتم إنشاء الشاباك وبنيته كهيئة مصممة للتعامل مع جيش العدو، أو على الأقل مع دولة معادية، فلا أحد يتوقع منه أن يتعامل مع إيران أو سوريا أو حتى حزب الله، سواء من الناحية الاستخباراتية أو العملياتية، لأن التعامل معها يتطلب قدرات مختلفة عن تلك المطلوبة للتعامل مع العمليات المسلحة، وفوق كل شيء يتطلب طريقة تفكير مختلفة، فضلا عن نظام يعرف كيفية جمع وتحليل المعلومات عن العدو وجيشه".
ولفت إلى أن "أداء الشاباك في حقبتي الستينيات والسبعينيات تمثلت في قدرته على العمل بين الفلسطينيين، وتشغيل شبكة من العملاء، ما سمح له بمراقبة النبض الفلسطيني، والتعامل مع المقاومة الفردية، لكنه سرعان ما خسر ذلك كله بعد خطوة الانسحاب والانفصال عن القطاع، وبسبب الأولوية المعطاة للتكنولوجيا التي بدت مغرية وبراقة، وبالتالي فإنها تمنع استخدام العملاء، وهكذا واصل الشاباك التعامل مع ’حماس’ كمنظمة مسلحة، في الوقت الذي قامت فيه ’دولة حماس’ فعلياً في غزة، بجيش خطط ونفذ هجوما عسكريا شاملا ألحق أضرارا أكبر من الهجوم الذي شنه جيشا مصر وسوريا في أكتوبر 1973".
تطرح هذه الانتقادات الموجهة الى الشاباك مزيدا من التساؤلات حول ما إذا كان من المناسب إعادة فحص مهمة الشاباك وتخصصاته، وما إذا كان صحيحاً أن يستمر في قيادة الحرب ضد "حماس"، لأن الإجابة الصحيحة عن هذه التساؤلات من شأنها أن تؤكد استمرار التحدي الأمني الذي يواجه الاحتلال في غزة، وباقي الأراضي المحتلة التي يتولى الشاباك المسؤولية الأمنية عنها، خاصة الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.