سياسة تركية

ما مصير "الوجود المضطرب" للاجئين السوريين في تركيا؟

تحدث أردوغان عن إمكانية لقائه ببشار الأسد ورفع العلاقات إلى المستوى العائلي كما كانت في الماضي- جيتي
لا تزال تركيا ومناطق الشمال السوري تعيش على وقع التوترات التي عمت الجانبين خلال الأيام الأخيرة بسبب الاعتداءات التي طالت منازل وممتلكات لاجئين سوريين في ولاية قيصري التركية، رغم تراجع التوترات بعد ليال صعبة عاشها السوريون المقيمون في تركيا.

ويرى مراقبون تحدثوا لـ"عربي21"، أن الأحداث الأخيرة جاءت نتيجة لاحتقان متصاعد في الشارع التركي تجاه اللاجئين السوريين، الأمر الذي يجعل تكرر مثل هذه الاعتداءات واردا في حال لم يتم التعامل مع الأمر والحد من الاستياء لدى الجانبين.

ومساء الأحد، فجر اعتداء مجموعة من المواطنين الأتراك على منازل وممتلكات لاجئين سوريين في ولاية قيصري وسط البلاد موجة من الغضب تجلت في تظاهرات احتجاجية في مناطق الشمال السوري ضد الانتهاكات بحق السوريين في تركيا وحملات الترحيل، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.



كما أعقب ذلك تعرض سوريين في العديد من الولايات التركية مثل غازي عنتاب وقونيا وإسطنبول لاعتداءات جديدة لليوم الثاني على التوالي، في حين أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا عن اعتقال 474 شخصا تورطوا في أعمال تحريض ضد اللاجئين، بينهم 285 من أصحاب السوابق الجنائية.

"وجود مضطرب"
يرى رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، أنه من الممكن أن يكون لما حدث انعكاسات أشد وطأة على خلفية تواصل حملة الترحيل الواسعة جنوب البلاد، والتي من المتوقع  أن تمتد موجاتها إلى ولايات ومدن أخرى بسبب عزم الحكومة التركية على ترحيل ما لا يقل عن مليون سوري إلى بلادهم.

ويضيف في حديثه لـ"عربي21" أن الوجود السوري في تركيا قبل أحداث قيصري هو "وجود مضطرب"، بمعنى أن السوريين ليس لديهم الطمأنينة واليقين بشأن مستقبلهم في تركيا بسبب وجود قوافل من المرحلين بشكل يومي.

"فهناك مساع لدى الحكومة التركية لطي وجود اللاجئين السوريين في تركيا خلال سنوات قليلة، وهذا ما يجري تطبيقه الآن. ما يجعل كل من يرتكب مخالفة بسيطة أو يتم رفع شكوى ضده، معرضا للترحيل"، بحسب قرنفل.

وكانت ولاية غازي عنتاب، شهدت خلال الأيام القليلة التي سبقت أحداث قيصري حملة أمنية كبيرة ضد اللاجئين السوريين، إذ كثفت إدارة الهجرة التركية من دورياتها لملاحقة من تقول إنهم مخالفون لشروط الإقامة في تركيا، وذلك في أعقاب إصدار 41 منظمة تركية بيانا تحذر فيه من خطر وجود السوريين على التركيبة الديمغرافية للمدينة الواقعة جنوب البلاد.

وعلمت "عربي21" من مصادرها أن السلطات التركية رحلت أكثر من 300 لاجئ سوري إلى الشمال السوري، في ظل تكثيف دوريات التفتيش.

يأتي ذلك ضمن الجهود المكثفة التي يبذلها وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا للتعامل مع ملف اللاجئين في تركيا منذ توليه مهام منصبه منتصف العام الماضي، حيث يشارك الوزير التركي بوتيرة شبه يومية بيانات حول ترحيل لاجئين "مخالفين لشروط الإقامة" في تركيا، عبر حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقا).

ويعيش في تركيا، حسب البيانات الرسمية، ثلاث ملايين و114 ألفا و99 سوريا، تحت بند الحماية المؤقتة (الكمليك)، ويصل إجمالي عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى بلادهم في الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2024، إلى 658 ألفا و463 سوريا. إلا أن أحزاب المعارضة تذهب في ادعاءاته إلى "وجود ما يزيد على الـ 10 ملايين لاجئ في تركيا سيزداد عددهم إلى 25 مليونا".

ولطالما استعملت المعارضة التركية ورقة اللاجئين السوريين لتحقيق مكتسبات سياسية في كل استحقاق انتخابي، وقد تعزز ذلك على وقع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا وتنعكس تداعياتها على المواطن بشكل مباشر.




"تحريض وأزمة اقتصادية ضاغطة"
يشار إلى أن أحداث قيصري جاءت على خلفية عودة ملف اللاجئين السوريين إلى الواجهة على الرغم من عدم وجود فترة انتخابية، حيث عمل رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغو أوزيل، في العديد من اللقاءات المتلفزة، على التشديد على عزمه إنهاء أزمة اللجوء عبر لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك في معرض تلويحه بانتخابات رئاسية مبكرة.

ويرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، أن "هناك مجموعة من الأسباب تقف خلف أحداث  ولاية قيصري، وعلى رأسها حملات التحريض، وخطاب الكراهية حيث إنه أسبوعيا يتصدر هاشتاغ يرتبط بالسوريين والعرب وسائل التواصل الاجتماعي التركية، وهناك عدم جدية لدى الحكومة في ملاحقة مروجي العنصرية وخطاب الكراهية، ولم تتم ملاحقة أكثر المروجين لذلك".

ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا التحريض يأتي في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم التي تعيشها تركيا والتي أصبحت عامل ضاغط على المواطن التركي، كذلك فإن هناك دورا للتيار القومي كذلك في تأجيج العنصرية تجاه الأجانب لأنها تعزز الأفكار القومية لدى الشباب التركي، وغياب استراتيجية واضحة أو خطة طويلة الأمد لتنظيم السوريين في تركيا، كما أن هناك نشاطا لبعض اللوبيات التي تقوم بالتحريض على السوريين وخاصة اللوبي الإيراني والموالين للنظام السوري".

ويلفت إلى أن حالة التصعيد الأخيرة "ستنتهي بعد عدة أيام، وتتمكن أجهزة الأمن من ضبط الأمور، لكن هذا لا يعني نهاية مثل هذه الحوادث في ظل استمرار وجود مسبباتها، فربما تظهر مشاكل أخرى في مدن أخرى".

و"تحتاج الحكومة التركية إلى مقاربة جديدة حول قضية اللاجئين، فترحيل السوريين ليس حلا، وكذلك بقاؤهم، وعليها المسارعة بوضع استراتيجية شفافة وواضحة لمعالجة هذا الأمر، وإلا ستكرر مثل هذه الحوادث باستمرار"، بحسب حديث مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.

أما قرنفل، فيشير إلى أن "المشكلة تتمثل في أن اللاجئ السوري أصبح المصرف الوحيد لحالة الاحتقان والغضب في الشارع التركي، بسبب سوء الإدارة وسوء الأوضاع الاقتصادية والتضخم وعشرات الحالات الضاغطة على المجتمع".

"تصريحات صادمة" ومخاوف في شمال سوريا
يأتي ذلك مع تقدم أنقرة في مسار التطبيع مع نظام بشار الأسد، الأمر الذي يثير قلق فئات من المعارضة السورية المتحالفة مع الجانب التركي، فضلا عن المخاوف في صفوف ملايين اللاجئين السوريين على الأراضي التركية من تبعات المسار على وجودهم في تركيا، سيما في ظل تصاعد خطاب المعارضة والسياسات الحكومية المشددة ضد من يُوصف "بمخالفي شروط الإقامة" منهم.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعرب في تصريحات صحفية الشهر المنصرم، عن إمكانية لقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد ورفع العلاقات إلى المستوى العائلي كما كانت قبل القطيعة.




ولفت أردوغان في تصريحاته، التي أشارت إلى تحول جوهري في موقف أنقرة من دمشق، إلى أنه لا يوجد أي سبب يمنع تركيا من إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام السوري.

ويرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أن "تصريحات أردوغان كانت صادمة لكثير من السوريين".

ولاحقا، عاد الرئيس التركي للتأكيد على أن بلاده "مهتمة بتنمية القاسم المشترك بدلا من تعميق الخلافات"، وأن أنقرة "تعتقد أنه من المفيد في السياسة الخارجية بسط اليد، لذلك فإننا لا نمتنع عن اللقاء مع أي كان".

ويأتي حديث أردوغان في أعقاب تقارير عن لقاء مشترك جرى بين وفدين تركي وآخر تابع للنظام على الأراضي السورية برعاية من روسيا، كما تبع ذلك تأكيد من الأسد على أن نظامه "منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بتطوير العلاقات مع تركيا" شرط أن تكون "مستندة إلى سيادة الدولة السورية".

ويتوقع سمير العبد الله في حديثه لـ"عربي21"، إجراء "عدة اجتماعات بين النظام السوري وتركيا، في الفترة القادمة، وحتى إنه ربما يلتقي الأسد مع الرئيس أردوغان".

ويستدرك بالإشارة، إلى أن "المفاوضات ستكون صعبة ومعقدة، نتيجة تشابك الملفات، ووجود عدة قوى ومصالح مختلفة في سوريا، ولن يتمكنوا من تحقيق تقدم كبير على الأرض، لأن الاختلافات كبيرة بين الطرفين، وليس لدى النظام السوري الكثير لتقديمه، وتركيا لن تتخلى عن كثير من القضايا دون ثمن، أو اتفاق يحمي مصالح أمنها القومي".

وتثير مساعي أنقرة للتطبيع مع نظام الأسد، مخاوف لدى معارضين في مناطق شمال غرب سوريا التي تقع تحت السيطرة التركية، وكان العديد من المحتجين خلال المظاهرات التي انطلقت في الشمال تنديدا بأحداث قيصري، أعربوا عن استيائهم من التوجه التركي الجديد تجاه دمشق.

الباحث في الشأن التركي محمود علوش، يرى أن "علاقة تركيا بالبيئة السورية الحاضنة لها في شمال سوريا لا تزال تشكل ركيزة في سياستها السورية، وهي ليست بوارد التخلي عن هذه العلاقة والتزامها تجاه المعارضة السورية، وحتى في ظل الانعطاف التركي نحو التطبيع مع دمشق لا تزال تركيا تنظر إلى التسوية السياسية للصراع على أنها حاجة وليست خيال".

ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "التعامل اليوم مع الانطباعات المتصورة المسبقة لنتائج التطبيع التركي السوري على أنها حقيقة لن يساعد سوى في جعلها حقيقة في تسريع جعلها حقيقة، وبالتالي فإن هذا الأمر بطبيعة الحال لا يساعد في إدارة تحد من المخاطر على العلاقة بين تركيا والبيئة السورية المعارضة".

وبحسب تقديرات علوش، فإن "هناك حاجة لدى تركيا والمعارضة السورية لإعادة تصميم العلاقة من منطق جديد يركز بشكل أساسي على كيفية إدارة ارتدادات التحول المفصلي في السياسة التركية في سوريا بشكل يحد من الخسائر على تركيا وعلى الحالة السورية المعارضة".

وعلى الطرفين أن يخلق فرص "لتجنب ما يمكن أن يكون أسوأ" في هذه العلاقة في المستقبل، وفق علوش.

والثلاثاء، قال أردوغان في كلمة له بعد اجتماع للحكومة في العاصمة التركية أنقرة، إن بلاده "بحاجة إلى أن تجتمع (مع الأسد) كما كان الحال في الماضي، بالطبع، عند القيام بذلك، سنأخذ في الاعتبار مصالح تركيا في المقام الأول".

وأضاف أن تركيا "لن تضحي بأي شخص وثق بها أو لجأ إليها أو عمل معها، ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها وسط الطريق"، في إشارة على ما يبدو إلى الاستياء الذي تجلى خلال التظاهرات الأخيرة في مناطق شمال غرب سوريا.

العبد الله، يشير في حديثه حول علاقة أنقرة بالمعارضة السورية على وقع التقارب مع النظام، إلى أن "تركيا بالنهاية دولة وبها مؤسسات، وسياسة خارجية فاعلة، وفي السياسة لن تتخلى عن أوراق تفاوضية تملكها سواء مع الصديق أو العدو، لذلك أعتقد أن تركيا ستحاول مراعاة مصالح أصدقائها في الفترة القادمة وخاصة المعارضة السورية، ولن يكون هناك ما يتخوف منه السوريون بانقلاب الموقف التركي ضدهم".

"فالأمر ليس مرتبطا بقضية واحدة، فهو مرتبط بسمعة تركيا وسياستها الخارجية، لذلك أعتقد أنها ستكون حريصة على هذا الأمر"، بحسب تعبيره.

"تركيا حسمت أمرها"
ومن المتوقع، بحسب تقارير صحفية مقربة من النظام السوري، أن تشهد العاصمة العراقية اجتماعا بين تركيا والنظام بهدف تذليل العقبات، على خلفية المبادرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من أجل التقريب بين الجانبين، الشهر الماضي.

وبناء على تصريحات الرئيس التركي، يرى علوش أن تركيا حسمت خيارها في مواصلة مسار التطبيع مع الأسد، مشيرا إلى أن "التحول في السياسة التركية في سوريا هو نتيجة للتحول في أولويات السياسة التركية والتكيف مع التطورات التي طرأت على الصراع السوري منذ حقبة ما بعد التدخل العسكري الروسي منتصف العقد الماضي".

ويلفت إلى أن "تركيا لم تعد معنية بهدف الإطاحة بنظام الأسد، فقد أصبح هاجسها الأساسي يتركز على مكافحة مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وهذا الهاجس فرض عليها الانعطاف نحو دمشق".


وبحسب علوش، فإن تطبيع أنقرة من الأسد سيعيد تشكيل الصراع في سوريا بالتأكيد لكنه لن يؤدي بتقديري إلى المرحلة التي قد تركيا إلى التخلي عن علاقتها بالمعارضة السورية قبل تحقيق أهدافها العريضة لسياستها السورية.

ويوضح أن "هذه الأهداف لا تقتصر فقط على معالجة الهواجس الأمنية، بل تشمل أيضا إعادة اللاجئين السوريين والتسوية السياسية للصراع في سوريا".

وحول هواجس المعارضة السورية في الشمال، ينوه علوش إلى أن "هذه البيئة ببساطة تخشى أن تكون ضحية لهذا التحول. وأن تنخرط تركيا في مشروع تصفية القضية السورية".

ويشير في ختام حديثه لـ"عربي21"، إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها مناطق شمال سوريا "هي اختبار لما يمكن أن يكون عليه الوضع عندما تحين لحظة الحقيقة في التطبيع التركي السوري ويصافح أردوغان الأسد".