سياسة عربية

لماذا لم يتم إعلان المجاعة رسميا في شمال غزة وما هي معاييرها؟

أكدت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة أنه من الممكن أن المجاعة في شمال غزة بدأت في نيسان/ أبريل الماضي- جيتي
أتمت حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية شهرها الثامن مع تواصل جرائم القتل وتدهور الأحوال المعيشية للسكان الذين نزح معظمهم عن بيوتهم بحثا عن الأمان وتوفر الطعام والشراب وسبل الحياة الأساسية التي انعدمت منذ الأيام الأولى للعمليات العسكرية الإسرائيلية.

ويعاني سكان قطاع غزة من نقص شديد في المواد التموينية، خاصة الخضار والفاكهة وحليب الأطفال وغيرها من المواد الغذائية الأساسية التي يؤدي انعدامها إلى خطر مباشر على الحياة وإمكانية النجاة.

وأكدت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة "FEWS NET"، ومقرها الولايات المتحدة، أنه "من الممكن، إن لم يكن من المحتمل أن المجاعة في شمال غزة بدأت في نيسان/ أبريل الماضي، ومن المتوقع أن يواجه السكان الموت والجوع بحلول منتصف تموز/ يوليو المقبل".


وذكرت الشبكة أن ظروف الحرب تؤدي إلى تعقيد عملية جمع البيانات التي من شأنها أن تؤكد انتشار المجاعة، مؤكدة أن التركيز فقط على ما إذا كانت غزة قد تجاوزت اللحظة التي يتحول فيها الجوع الشديد إلى إعلان رسمي للمجاعة، قد يؤدي إلى حجب الخسائر المرتفعة للغاية التي سببها بالفعل نقص الغذاء للفلسطينيين.



وأكدت الشبكة أنه "بغض النظر عما إذا تم الوصول إلى عتبات المجاعة ضمن المرحلة 5، أو تجاوزها بشكل فعلي، فإن الناس يموتون لأسباب مرتبطة بالجوع في جميع أنحاء غزة، وسوء التغذية الحاد بين الأطفال مرتفع للغاية وسيؤدي ذلك إلى آثار فسيولوجية لا رجعة فيها".

وتستند الأمم المتحدة إلى وكالتيها: برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة، اللتين تعتمدان على هيئة تقنية تعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بحسب وكالة "فرانس برس".

ويحلل هذا النظام شدة انعدام الأمن الغذائي على نطاق يرتكز على معايير علمية دولية، في وقت أظهر أحدث تقرير أصدره أن نصف سكان غزة، أي 1.1 مليون شخص، يعيشون "وضعا غذائيا كارثيا".

ويعرّف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المجاعة بأنها "مواجهة السكان سوء تغذية على نطاق واسع وحدوث وفيات مرتبطة بالجوع بسبب عدم الوصول إلى الغذاء".

ما هي معايير إعلان المجاعة؟
يؤكد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن المجاعة هي المرحلة الأخطر في مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يتكون من 5 مراحل.

وتمثل المرحلة الأولى الحد الأدنى من الضغوط المرتبطة بالأمن الغذائي أو عدم الإبلاغ عن أي ضغوط، والمرحلة الثانية هي أن بعض الأشخاص يواجهون ضغوطا في العثور على الطعام، والمرحلة الثالثة تتمثل بأزمة الغذاء.

وتأتي المرحلة الرابعة لتعكس حالة الطوارئ، والمرحلة الخامسة لتكون انعكاسا لــ "الوضع الكارثي أو المجاعة"، وتم بلوغها بعد استيفاء ثلاثة معايير:

وأول هذه المعايير يكون بأن 20 بالمئة على الأقل من السكان في منطقة معينة يواجهون مستويات شديدة من الجوع، وأن 30 بالمئة من الأطفال في المكان نفسه يعانون من الهزال أو النحافة الشديدة بالنسبة لأطوالهم.

كما يجب أن يتضاعف معدل الوفيات مقارنة بالمتوسط، وهذا المعدل بالنسبة للبالغين هو حالة وفاة واحدة لكل 10 آلاف يوميا، وبالنسبة للأطفال، حالتا وفاة لكل 10 آلاف يوميا.

ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن المعيار الثالث يكون "تسارع الوفيات"، وحينها تكون الأرقام المتاحة محدودة، كما الحال عادة في مناطق النزاع.


ولا تزال الخسائر في الأرواح على نطاق واسع مرتبطة بالنتائج القريبة من عتبات المجاعة، وإذا طال أمدها على مدى فترة طويلة من الزمن، فإن الخسائر المتراكمة في الأرواح قد تصل إلى مستويات من المحتمل أن تكون عالية أو أعلى، اعتمادا على المدة، مقارنة بالخسائر في الأرواح المرتبطة بالمجاعة بحسب ما ذكرت شبكة "FEWS NET".



ويذكر أن آخر المجاعات التي أعلنتها الأمم المتحدة تعود إلى عامَي 2017 في جنوب السودان، و2011 في الصومال.

وفي 18 آذار/ مارس الماضي أصدرت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي "أي بي سي - IPC"، وهي نظام متخصص في تحليل وضع الأمن الغذائي في بلد أو منطقة معينة باعتماد خبراء من 19 من المنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" وبرنامج الغذاء العالمي وغيرها وبالشراكة مع منظمات إغاثة حكومية وغير حكومية.

تفاصيل المراحل الخمس
واعتمد نظام "أي بي سي" على سلم من خمس مراحل في قياس خطورة وضع الأمن الغذائي في بلد أو منطقة معينة.

والمرحلة الأولى هي التي يكون فيها انعدام الأمن الغذائي في أدنى مستوياته، أي أن العائلات في تلك المنطقة تستطيع الحصول على الطعام الضروري واحتياجاتها الأخرى دون اللجوء إلى طرق غير معتادة للحصول على الطعام مثل بيع ممتلكاتها مثلا.

والمرحلة الثانية هي مرحلة "الضغط": تحصل عند وقوع صدمة معينة تجعل الناس قلقين بشأن توفير الغذاء اللازم، كأن يحدث ارتفاع في الأسعار أو هبوط في الإنتاج الزراعي مثلا.

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الأزمة، وتكون عادة نتيجة صدمة كبيرة تحدث تأثيرا على حياة الناس مثل الحرب أو الجفاف أو الكوارث الطبيعة أو أزمة اقتصادية حادة.

والمرحلة الرابعة هي مرحلة الطوارئ، وعندها يبدأ الناس في استنزاف كل الطرق البديلة للحصول على الطعام وتبدأ نسب سوء التغذية في تجاوز عتبة 15 بالمئة وتبدأ نسب الموت جوعا في الارتفاع.


والمرحلة الخامسة والأخيرة هي مرحلة الكارثة والمجاعة، وعندها تنهار المنظومة الغذائية تماما ويصبح الناس غير قادرين على الحصول على الحد الأدنى من الغذاء ليتجنبوا الموت.

ويذكر أنه في مطلع آذار/ مارس الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن الوضع الغذائي يشهد "تحسنا طفيفا" في قطاع غزة، مع توافر المزيد من المواد، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن "خطر المجاعة لا يزال قائما".

وجاء ذلك باعتبار أن هناك زيادة طفيفة في كمية الغذاء، وطعاما أكثر تنوعا، وأنه ثمة المزيد من المواد الغذائية الأساسية والمزيد من القمح.

وتتجدد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مع كل تطور يحدث على الصعيد الميداني، سواء مع العمليات العسكرية البرية وتكرر اجتياح بعض الأماكن والمدن، أو بسبب إغلاق المعابر وندرة دخول المساعدات وتعثر عمل الميناء العائم الأمريكي.



وأفادت الأمم المتحدة بأن حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة انخفض بمقدار الثلثين منذ أن بدأت "إسرائيل" عمليتها العسكرية في منطقة رفح جنوب القطاع في أيار/ مايو الماضي.

وقام الجيش الأمريكي ببناء رصيف مؤقت لجلب المساعدات عن طريق البحر، إلا أنه تضرر بفعل الأمواج، بينما أغلقت "إسرائيل" معبر إيريز في شمال غزة، وكذلك تم إيقاف عمل معبري رفح وكرم أبو سالم اللذين كانت شاحنات المساعدات تمر عبرهما في جنوب قطاع غزة.


وعملت "إسرائيل" على تقسيم قطاع غزة إلى جزءين، شمالي وجنوبي، وتفصل بينهما بمنطقة عسكرية تسمى "نيتساريم"، تمتد من حدود الأراضي المحتلة عام 1967 حتى البحر الأبيض المتوسط.

وبناء على ذلك، قال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث: إنه "لم يتم فعل الكثير لتجنب تفاقم الكارثة، وفي غزة، أصبح توصيل المساعدات شبه مستحيل".



وأضاف غريفيث: "لسنا قريبين من المكان الذي يجب أن نكون فيه، نحن بحاجة إلى فتح جميع المعابر الحدودية، وبحاجة إلى الوصول الآمن ودون عوائق وبحاجة إلى إعطاء الأولوية للمساعدات الإنسانية".