أعاد المؤرخ القضائي، القاضي المصري الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، التذكير بحكم تاريخي صادر عن لجنة
تحكيمية بريطانية حول ملكية الحائط الغربي للمسجد الأقصى الذي يطلق عليه المسلمون
حائط البراق، فيما يطلق عليه اليهود "حائط المبكى".
يذكر أن هذا
الحائط اليوم تحت سيطرة اليهود، ويزوره الرؤساء الأمريكيون، ويمارسون عنده الطقوس
اليهودية، فيما لا يتحدث عن ملكيته الإسلامية أحد.
الخفاجي تناول
الحكم التاريخي تحت عنوان "نظرات في حكم اللجنة القضائية التحكيمية 1930/1931
بملكية كامل الحرم
القدسي الشريف بالحائط الغربي والقدس للمسلمين".
ويرى الخفاجي
أن هذا الحكم الذي لم يعد يعرفه أحد، صدر عن ثلاثة قضاة أوروبيين بعد (23) جلسة و(52)
شاهداً و(61) وثيقة، وخلصت إلى أن حائط البراق حق وملك للمسلمين، ولا يوجد حائط مبكى
لليهود، وزيارة اليهود له كانت منحة مؤقتة بأوامر الدولة العثمانية.
ودعا خفاجي العلماء
والمفكرين العرب والمسلمين في العالم لترجمة الحكم لعدة لغات إعلانًا للحقيقة.
بداية القصة مع "ثورة البراق"
يقول الدكتور محمد
خفاجي: "المرة الأولى التي تسيطر فيها قوة غير إسلامية على مدينة القدس المقدسة
ومقدساتها منذ نهاية الحروب الصليبية عشية الغزو البريطاني لفلسطين عام 1917م، أثيرت
قضية الأماكن المقدسة في القدس، خاصة
المسجد الأقصى، وكان ذلك أيضًا بجانب وعد بلفور،
الذي وعد بالمساعدة في إنشاء دولة يهودية في
فلسطين ذات الأغلبية المسلمة، وواجهت السلطات
البريطانية قوة ارتباط المسلمين بالمسجد الأقصى، وكان ذلك هو السبب الرئيسي وراء قبول
بريطانيا في البداية لتشكيل المجلس الإسلامي الأعلى في القدس عام 1921م".
ويضيف: "أدركت
بريطانيا العظمى أهمية المسجد الأقصى للمسلمين، وأن المساس به يؤدي إلى عواقب خطيرة
للغاية، فقامت أعمال الشغب وكثُرت الضحايا خلال ثورة البراق، ففي أبريل 1920م، اندلعت
أول انتفاضة فلسطينية ضد الانتداب البريطاني؛ كان ذلك نتيجة مضايقة اليهود للمسلمين، ثم كان في 1929م إحدى أكبر الانتفاضات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني، المعروفة
باسم "ثورة البراق"، وكانت تلك الثورة نتيجة مباشرة لمحاولة يهودية لتغيير
الوضع الراهن في حائط البراق، وهو الذي يشار إليه عادة بالحائط الغربي أو حائط المبكى في الكتابات الغربية".
يذكر الدكتور محمد
خفاجي أنه عقب ثورة البراق عام 1929 ضد المستعمر البريطاني؛ بسبب ما قدمه الأخير من
تسهيلات لليهود للوصول والصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى سقط مئات الضحايا،
وهى الثورة التي ظلت نارًا تلظى لم تهدأ إلا بعد رضوخ الإنجليز لأسباب الثورة، فقامت
بإحالة النزاع بين المسلمين واليهود إلى محكمة دولية للبت في مدى ملكية الحائط، وهل
هو حائط البراق الإسلامي كما يذكر المسلمون، أم هو حائط المبكي اليهودي كما يزعم اليهود؟!".
ويضيف: "وكان
من نتاج ثورة البراق عام 1929 أن قامت حكومة صاحب الجلالة في المملكة المتحدة لبريطانيا
العظمى وأيرلندا الشمالية، بموافقة مجلس عصبة الأمم بتشكيل لجنة خاصة عام 1930م، بدراسة مطالبات كل من المسلمين
واليهود بالجدار، وهى لجنة دولية قضائية تحكيمية محايدة من ثلاثة قضاة من أعلى مستوى
قضائي وفقهي وتحكيمي في العالم برئاسة إلييل لوفغرين، وزير الخارجية السويدي السابق،
وعضو المجلس الأعلى للبرلمان السويدي رئيساً، وعضوية كل من تشارلز باردي، نائب رئيس
محكمة العدل في جنيف، ورئيس محكمة التحكيم المختلطة النمساوية الرومانية المختلطة عضواً،
وجي فان كيمبين، الحاكم السابق للساحل الشرقي لسومطرة، وعضو البرلمان العام لهولندا
عضواً".
ويوضح: "اجتمع
أعضاء اللجنة لأول مرة في جنوة في 12 حزيران/ يونيو 1930م، وأبحروا بالسفينة إلى فلسطين في اليوم التالي، وبدأت اللجنة بالفعل عملها القضائي والتحكيمي بوصولها إلى القدس بفلسطين في 19 حزيران/ يونيو 1930، حيث أقامت شهراً كاملاً هناك، وسجلت عدسات التاريخ أن تلك
اللجنة المحايدة كانت تعمل بمبدأ حياد القاضي دون أي اعتبارات سياسية".
عقدت اللجنة القضائية
التحكيمية الدولية جلساتها، التي بلغ عددها 23 جلسة خلال شهر واحد، وعقدت جلسة واثنتين في كل أيام الأسبوع، باستثناء يومي الجمعة والسبت، واستمعت خلالها إلى شهادة (52) شاهداً
هم (21) شاهداً من الحاخامات اليهود، و(30) شاهداً من علماء المسلمين، وشاهد واحد بريطاني،
وقدم أطراف الخصومة (61) وثيقة، منها (26) وثيقة من المسلمين و(35) من اليهود".
يضيف الخفاجي:
"وبعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، عقدت جلستها الختامية في باريس، وأصدرت اللجنة القضائية التحكيمية حكمها عام 1931 بأن للمسلمين الملكية الوحيدة
وحق الملكية الوحيد للحائط الغربي (باللغة العربية البراق، وبالعبرية كوثيل معرافي)، وأنه لا وجود لحائط مبكى لليهود، وشيدت قضاءها بحيثيات تهم كل المسلمين على وجه الأرض
بأن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يعد
جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وليس هذا فقط، بل للمسلمين
أيضاً ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة
للحائط؛ لكونه موقوفاً بحسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير، وقد تم تخصيصه لأغراض
خيرية".
وتوجت الحكومة
البريطانية الحكم بكتاب أبيض، اعترفت فيه بملكية المسلمين للحائط الغربي كجزء من مساحة
الحرم القدسي الشريف التي هي من أملاك الوقف الإسلامي، وأصدر الملك جورج الخامس ملك
بريطانيا العظمى وأيرلندا، تأسيساً على ما تقدم مرسوماً ملكياً باسم مرسوم الحائط الغربي
لسنة 1931 نُشر في الجريدة الرسمية لحكومة فلسطين بالجريدة الاستثنائية القدس 8 حزيران/
يونيو 1931".