أعاد دخول الجيش
الإسرائيلي إلى شرق
رفح واحتلال معبر رفح البري بين غزة ومصر، التذكير بالسلوك المتكرر في عدة حروب سابقة، تحت مبدأ "ضربة واحدة أخرى وكفى".
وقال الخبير الأمني الإسرائيلي، يوسي ميلمان، في مقال نشرته صحيفة هآرتس إن "الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي يقومون باتخاذ خطوات مختلف عليها، هدفها تكتيكي ولكن مغزاها استراتيجي ونتائجها تصعب إنهاء الحرب.
وأضاف ميلمان: "أنا سأسمي ذلك آلية التشويش البافلوفي، وأحيانا هذا الأمر تم من خلال النية على تشويش وإحباط نتيجة غير مرغوبة لحكومة أو جيش، وأحيانا من خلال رد بافلوفي غير مسيطر عليه تقريبا".
ونظرية بافلوف في التعلم أو نظرية الارتباط الشرطي هي نظرية تقوم أساسا على عملية الارتباط الشرطي التي مؤداها أنه يمكن لأي مثير بيئي محايد أن يكتسب القدرة على التأثير في وظائف الجسم الطبيعية والنفسية إذا ما صوحب بمثير آخر من شأنه أن يثير فعلا استجابة منعكسة طبيعية أو اشتراطية أخرى.
وذكر ميلمان أنه "في كل مرة توشك فيها حرب أو عملية عسكرية واسعة على الانتهاء فإنهم يعملون بصيغة ’ضربة واحدة أخرى وكفى’، وهكذا كان عندما خرق
الجيش الاسرائيلي اتفاق وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر 1973 ودخل إلى شرك في مدينة السويس، ومجلس الأمن قرر في 22 أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام وقف إطلاق النار، لكن الحادثة التي خرق فيها الجيش المصري القرار أمر وزير الجيش موشيه دايان - خلافا لقرار الحكومة التي تبنت قرار الأمم المتحدة - الفرقة 162 بمواصلة القتال من أجل احتلال السويس وتعزيز الحصار على الجيش الثالث وتحسين خط الجبهة. المعركة انتهت بفشل الجيش الإسرائيلي في معظم مناطق المدينة وبخسائر كبيرة، وقد اعتبر ذلك أحد أخطاء إسرائيل الكبرى في هذه الجبهة. وقد قتل 80 جنديا إسرائيليا وأصيب 120 جنديا في هذه المعركة.
وأشار الكاتب إلى عملية مشابهة كانت في نهاية حرب لبنان الثانية، ففي آب/ أغسطس 2006 أصدر مجلس الأمن القرار 1701 لإنهاء الحرب. ولكن رئيس الحكومة في حينه، إيهود أولمرت، ووزير الجيش، عمير بيرتس، وقادة الجيش (رئيس الأركان في حينه دان حلوتس)، أمروا الفرقة 162 بمواصلة القتال من أجل تحسين المواقع والاقتراب من نهر الليطاني، وقتل حينها سبعة جنود وأصيب العشرات.
وبين أن "الحرب في غزة ينفذ فيها المستوى العسكري، بقيادة رئيس الأركان هرتسي هليفي، وبناء على تعليمات من المستوى السياسي برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الجيش يوآف غالنت، عمليات تحركها الاعتبارات السياسية والغطرسة الشخصية والتصور المتوهم للكرامة الوطنية وتسبب أضرارا كبيرة".
وأضاف أنه "في نهاية تشرين الثاني/ أكتوبر 2023 تقرر وقف إطلاق النار وعقد صفقة لإطلاق سراح المخطوفين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. وإسرائيل اتهمت حماس بأنها خرقت شروط الصفقة عندما أطلقت سراح 8 مخطوفين بدلا من 10 مخطوفين، ولم تقدم أي معلومات كما وعدت عن عائلة بيبيس وأولادها كفير وآرئيل. بعد ذلك اعترف معظم كبار قادة جهاز الأمن والجيش الاسرائيلي بأن هذا كان خطأ أدى إلى استمرار موت المخطوفين في أسر حماس. الوزير غادي آيزنكوت هو الآخر عارض قرار الحكومة وقال إنه كان يجب الاستمرار في الصفقة".
وخلال هذا الأسبوع، ردت إسرائيل بشكل "بافلوفي"، وتفاجأت الحكومة الإسرائيلية من بيان حماس الذي حصل على دعم الإدارة الأمريكية ومصر، والذي بحسبه هي توافق على خطة إطلاق سراح المخطوفين على مراحل مقابل وقف إطلاق النار لبضعة أسابيع، خلالها ستتم بلورة صيغة لإنهاء الحرب أيضا، بحسب ما جاء في مقال الكاتب.
وأوضح ميلمان أن "إسرائيل رفضت هذا الاقتراح بذريعة أن حماس تقوم بمناورة خداع وتقدم عروضا عبثية هدفها تأخير دخول رفح. حتى لو كان هذا الأمر صحيحا فما الذي كانت ستخسره إسرائيل لو أنها انتظرت. المستوى السياسي والمستوى الأمني يهددون منذ ثلاثة أشهر بأنه سيتم دخول رفح لتقويض سلطة حماس. وانتظار بضعة أيام أو أسبوع لاستنفاد هذه الفرصة، حتى لو لم تكن كبيرة، ما كان سيزيد أو ينقص أي شيء".
وقال إنه "من هنا أصبح من الواضح أن قرار دخول رفح، مرة أخرى من قبل الفرقة 162، أدى إلى إفشال فرصة العملية السياسية. نتنياهو يتحدث منذ أشهر عن رفح وكأنها نقطة أرخميدس التي ستحسم الحرب، وتصريحاته تذكر بمبرراته في عام 1996 عند افتتاح النفق في حائط البراق الذي أدى إلى أعمال شغب لثلاثة أيام وقتل 17 جنديا و100 فلسطيني".
وذكر أن "نتنياهو قال في حينه إن زيارة النفق تجعل شعب إسرائيل يلامس صخرة وجوده، في حينه، كما هي الحال الآن فإنه من الواضح أن تصريحات نتنياهو هي ديماغوجيا استهدفت إرضاء قاعدته".
واعتبر أن "نتنياهو ويحيى السنوار غير معنيين، لاعتبارات شخصية، بالاتفاق الذي سيؤدي إلى إنهاء الحرب، الأمر الذي يمكن أن يؤدي أيضا إلى إنهاء حكمهما، كما أن اعتبارات غالانت وهليفي مختلفة عن اعتبارات نتنياهو. فهما على قناعة بأن احتلال رفح والمس بآلاف المخربين هو عملية تحطم التوازن، وستكسر قوة صمود حماس وتؤدي إلى إطلاق سراح المخطوفين أيضا، وهذا وهم، لأنه إضافة إلى ذلك، خلافا للخطاب الانفعالي، فإن دخول الجيش الإسرائيلي هو خطوة محدودة ورمزية على الأغلب لأغراض داخلية وعلاقات عامة".
وأكد أنه "في معبر رفح تم رفع علم إسرائيل وكأن هذه هي الحرب العالمية الثانية، ففي حينه رفع الجنود الأمريكيون العلم الأمريكي في جزيرة إيفوجيما بعد انتهاء الحرب".
وشرح أن "السيطرة في معبر رفح لا تعتبر صورة انتصار، بل عملية يائسة تدل على فقدان القدرة والرغبة في اتخاذ قرار استراتيجي لإنهاء الحرب: تحرير جميع المخطوفين الذين بقوا على قيد الحياة وإحضار كل الجثامين، هذا القرار أيضا سيثير ردود متسلسلة ستؤدي إلى وقف إطلاق النار على الحدود مع لبنان وإعادة المخلين إلى بيوتهم في مستوطنات الجنوب والشمال".