لا تتوقف الانتقادات
الإسرائيلية الموجهة للموقف الأمريكي بزعم أن مقاربته لإبرام اتفاق مع
حماس يحمل عيوباً إشكالية، لكن ذلك لا يمنح الحق لحكومة الاحتلال بوصول الخلاف مع واشنطن إلى مستوى غير مسبوق من العداء المتبادل، لا سيما أن التحالف الدولي الذي نشأ عقب هجوم السابع من أكتوبر، ودعم الاحتلال في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني في
غزة، آخذ بانفراط عقده وتفككه، حتى بقيت واشنطن وحدها داعمة لتل أبيب، وبالتالي فإن الأخيرة لديها الكثير لتخسره في حال فقدت آخر الداعمين وأهم الحلفاء.
ياكي دايان٬ كبير موظفي وزارة الخارجية الأسبق، والقنصل الإسرائيلي في لوس أنجلوس، أكد أن "قرار الرئيس جو بايدن منع تقديم الأسلحة الهجومية لدولة الاحتلال٬ إن قررت اجتياح
رفح، يعني أننا أمام زلزال سياسي عسكري، ويعرّضنا للمفاضلة بين خيارين قاسيين، أولهما التنازل عن الوصول إلى رفح، وثانيهما الدخول في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي".
وأضاف في
مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "من يحلم من المسؤولين الإسرائيليين بتغيير الإدارة في واشنطن، عليه أن يتذكر أولا كلام الرئيس السابق دونالد ترامب الصريح عن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، وحقيقة أن الإدارة الحالية، حتى لو خسرت في الانتخابات المقبلة، فأمامها على الأقل ثمانية أشهر أخرى من العمل حتى بداية يناير من العام المقبل، وخلال هذه المدة الطويلة ستتحدد الكثير من الحقائق في قطاع غزة ولبنان".
وأشار إلى أن "العام 1982، وفي أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، قرر الرئيس الراحل رونالد ريغان وقف شحنات القنابل العنقودية المقدمة للاحتلال، وقد استمر هذا الحظر ست سنوات".
وأضاف: "في عام 2006 طلب الرئيس السابق جورج بوش دراسة استمرار الإمدادات الأمريكية خلال حرب لبنان الثانية، وبالتالي فإن الحظر الجديد للأسلحة الهجومية يحوز على خطورة إضافية تتعلق بمسألة التوقيت، لأن الاحتلال يمرّ في مرحلة حرجة في المفاوضات مع حماس بشأن المختطفين، ولا يملك سوى أدوات قليلة جداً للضغط عليها".
وقال الكاتب: "إننا على بعد أكثر من سبعة أشهر من اندلاع حرب غزة، ويجب أن نفهم الحساسيات الأمريكية على الساحة الداخلية أيضاً، فالانتخابات بعد ستة أشهر، وتبدو متقاربة جداً، وبايدن متخلف في معظم استطلاعات الرأي، وهو يحاول تنظيف كل الضوضاء الخلفية التي قد تتدخل، بما فيها المظاهرات في الجامعات، والمعارضة المتزايدة داخل الحزب الديمقراطي، كما أن التحالف الدولي الذي وقف بقوة بجانب الاحتلال منذ السابع من أكتوبر يتفكك ببطء، حتى ظهرت
الولايات المتحدة اللبنة الأخيرة فيه.
وأوضح أنه "في بداية الحرب كان الأمريكيون شركاء كاملين في هدفيها، من إعادة المختطفين٬ وإضعاف قدرات حماس، لكنهم الآن انتقلوا للهدف الأول فقط، وبشكل كامل وسريع، لأن الثاني بالنسبة لهم لم يتحقق، وأصبح إطلاق سراح المختطفين هو خطة الخروج من الحرب، تمهيدا لتحقيق رؤية بايدن الخاصة بالشرق الأوسط الذي يسعى إليه، وتقوم على: صفقة تبادل، وقف الحرب، دخول الدول العربية المعتدلة في غزة، تسوية إدارية بديلة لحماس عبر سلطة فلسطينية متجددة، والتطبيع مع السعودية، ودولة فلسطينية في نهاية العملية".
وأشار إلى أن "هناك تناقضا كبيرا بين رؤية بايدن والواقع الإسرائيلي، ورغم كل هذه الخلافات، فلا يجب أن تصبح الولايات المتحدة العدو الجديد للاحتلال، كما نسمع من الأطراف الإسرائيلية، خاصة من اليمين، لأن لدينا ما يكفي من الأعداء، ولولا الدعم الأمريكي الهائل في مجال السلاح والمظلة الدبلوماسية، لما وصلت إسرائيل إلى هذه النقطة، فالمساعدات الأمريكية استثنائية من حيث الكم والنوع، وفي حال توقفت فيمكن أن تكون لها عواقب إشكالية للغاية بالنسبة لنا".
وحذر من أن "مخالفة التوجهات الأمريكية الخاصة باجتياح رفح، تعني إفساح المجال أمام الجزائر والصين وروسيا كي تتخذ قرارًا فوريًا بإنهاء الحرب، صحيح أنه ليس وفق الفصل السابع ذي الأبعاد العسكرية، ولكن وفق الفصل السادس الذي يعني فرض عقوبات اقتصادية على الاحتلال، كما أن الدول التي تقف بالفعل على الحياد في ما يتعلق بتوريد أو شراء الأسلحة من إسرائيل سترفض التعامل معنا، وهذه الأزمة ستوضح للجميع، بما فيها السعودية، أن الطريق إلى واشنطن لا يمر عبر تل أبيب".
تكشف هذه المخاوف الإسرائيلية عن بداية فقدان الاحتلال للدعم الأمريكي العام، وتركزه في الحزب الجمهوري، بما خالف السياسة الإسرائيلية طيلة ثمانين عاما ماضية حين كانت الصهيونية موضوعا مُجمعاً عليه بين الحزبين، وطالما أن العالم بات يعود تدريجيا إلى تقسيمات الحرب الباردة من أوكرانيا إلى إيران، فإن دولة الاحتلال تحاول الانتماء لما تعتبره "الجانب الصحيح من التاريخ"، ما يستدعي العودة للحوار الاستراتيجي مع الأمريكيين، وتقديم خطة منظمة بجداول "اليوم التالي" في غزة.