تناول معهد "بحوث الأمن القومي"
الإسرائيلي، مسألة
التطبيع بين تل أبيب والرياض، تحت ظل
الحرب الإسرائيلية
المستمرة على قطاع
غزة للشهر السادس على التوالي.
وتطرق المعهد في نشرة خاصة أعدها الباحث إيلان
زلايت، إلى إمكانية تطبيع العلاقات
السعودية الإسرائيلية في ظل الحرب على غزة،
مشيرا إلى أن استقبال الشارع السعودي لهذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على نجاح الإصلاحات
والمشاريع الطموحة لولي العهد محمد بن سلمان.
وأوضح أنه "كلما حققت مبادرات ابن سلمان
نتائج إيجابية دون إثارة رد فعل عنيفة، أصبحت الرياض في وضع أفضل لتخفيف
المعارضة العامة والتحرك نحو إقامة علاقات مع إسرائيل".
ولفت إلى أنه عشية هجوم حماس في السابع من
أكتوبر الماضي، اقتربت إسرائيل والمملكة العربية السعودية أكثر من أي وقت مضى من
اتفاق تطبيع تاريخي، مبينا أنه قبل أسبوعين فقط من الحرب، أكد ابن سلمان أن احتمال
مثل هذا الاتفاق يبدو "جديا لأول مرة".
وذكر أنه رغم الحرب في قطاع غزة لم تتوقف عملية
التطبيع، وجرى استئناف المحادثات الأمريكية السعودية في كانون الثاني/ يناير
الماضي، حتى لو اشترطت الرياض علنا التطبيع من خلال وقف إطلاق النار في غزة وإقامة
الدولة الفلسطينية.
وبحسب المعهد الإسرائيلي، فإنّ النهج البطيء والثابت الذي يتبعه ابن سلمان تجاه التطبيع مع إسرائيل، يثير تساؤلات حول كيفية
استقبال الجمهور السعودي لمثل هذه الخطوة.
وأشار إلى أنه ليس هناك الكثير من التناقضات
التاريخية بين إسرائيل والسعودية التي تقف في طريق التطبيع، منوها إلى أنه رغم ذلك
فإن خطاب الحكومة السعودية اتسم بالعداء القاسي تجاه إسرائيل واليهود بشكل عام.
وبيّن أن الرياض أبدت موقفا صارما بشكل خاص تجاه
اليهود ومنعوهم من دخول المملكة، حتى لأغراض العمل، على أساس أنهم يدنسون قدسيتها،
مستدركا: "في الوقت نفسه كانت السعودية واحدة من أكثر الدول واقعية في العالم
العربي تجاه الاعتراف بإسرائيل".
وتابع: "على وجه الخصوص، في وقت مبكر من
عام 1981، أيد ولي العهد آنذاك الأمير فهد مبادرة جامعة الدول العربية التي اعترفت
بحق إسرائيل في العيش بسلام، بشرط انسحابها إلى حدود عام 1967 وحل الصراع مع
الفلسطينيين".
ونوه إلى أنه عام 2002 حرّض السعوديون على
مبادرة السلام العربية، وعرضوا التطبيع الكامل مع إسرائيل كجزء من اتفاق السلام
الإسرائيلي الفلسطيني.
وأوضح أن سلسلة من التطورات في القرن الحادي
والعشرين، تسببت في حدوث تحول في ديناميكيات السلطة بين العائلة المالكة السعودية
والمؤسسة الدينية، ما دفع العائلة المالكة إلى تقليص قوة الأخيرة والنأي بنفسها عن
الوهابية.
وأشار إلى أنه قبل عقد من الزمن، في عام 2014،
سمحت السعودية لليهود بالعمل والعيش في المملكة، ما أظهر تحولا في الموقف تجاه
اليهود وإسرائيل، وعندما أصبح ابن سلمان وليا للعهد عام 2017، صرّح أنه تخلى عن
الوهابية لصالح "العودة إلى الإسلام المعتدل".
وتطرق إلى إزالة معاداة السامية والدعوات لتدمير
إسرائيل من الكتب المدرسية السعودية، واختفائها من وسائل الإعلام، مضيفا أنه رغم
أن إسرائيل لا تزال غائبة عن الخرائط السعودية الرسمية، إلا أن الحكومة تصورها
بطريقة أكثر تسامحا بكثير، تركز على انتقاد سيطرتها على الفلسطينيين.
وقال المعهد إنه منذ عام 2018، يعمل الحاخام
جاكوب هرتسوغ، وهو أمريكي إسرائيلي، داخل المملكة بدعم من السلطات لتنظيم الجالية
اليهودية التي تنمو ببطء.
خلال زيارتها للمملكة العربية السعودية عام
2022، أدلت ديبورا ليبستات، المبعوثة الخاصة للإدارة الأمريكية لمكافحة معاداة
السامية، بشهادتها بأنها معجبة بالتقدم الذي أحرزته المملكة في القضاء على معاداة
السامية.
وبحسب القراءة الإسرائيلية، فإن هذه الاتجاهات
لا تهم تل أبيب بالضرورة، بل إنها تشكل جزءًا من مجموعة إصلاحات ابن سلمان
الاجتماعية والاقتصادية بعيدة المدى، "الرؤية السعودية 2030"، وسعيه إلى
إبراز صورة سعودية للتعددية والاعتدال ظاهريًا، لا سيما لتحسين وضع المملكة في
واشنطن، ومع ذلك، يبدو أن التسامح الجديد تجاه اليهود يهدف أيضا إلى إرساء الأساس
لدى الجمهور السعودي لعلاقة المملكة مع إسرائيل، التي تعلموا أن يكرهوها لعقود من
الزمن.
وذكر المعهد أنه رغم أن السعودية لم تنضم إلى
اتفاقيات إبراهيم عام 2020، إلا أنها دعمتها بشكل غير مباشر، لا سيما من خلال
السماح للرحلات الجوية بالمرور فوق أراضيها من إسرائيل إلى الخليج.
وأشار إلى أنه في العقد الذي سبق اتفاقات
إبراهيم، أقيمت علاقات سرية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتعززت،
جزئيًا، بسبب التهديد المشترك الذي تشكله إيران ووكلاؤها الإقليميون.
وفي مارس/آذار 2022، عبر ابن سلمان الحدود
الصعبة عندما أعلن في مقابلة أن إسرائيل "ليست عدواً، بل شريك محتمل"
للمملكة العربية السعودية، وكانت رسالة الرياض هي أنها مستعدة لإظهار المرونة فيما
يتعلق بمبادرة السلام العربية، التي نصت على حل شامل للقضية الفلسطينية.
وأوضح المعهد أن الموقف المتغير للحكومة
السعودية تجاه إسرائيل واليهود، إلى جانب التغييرات الدينية والاجتماعية الأخرى
التي تم إدخالها، لم تثر أي احتجاجات أو معارضة عامة داخل المملكة، ما يشير إلى أن
ابن سلمان قادر على تعزيز رؤيته للعلاقات مع إسرائيل.
وتطرق إلى استطلاعات سابقة أجراها معهد واشنطن
لسياسة الشرق الأدنى، وتظهر المواقف السعودية تجاه التطبيع مع تل أبيب قبل الحرب
الحالية في غزة، مبينا أنه كان حوالي 40% من السعوديين يؤيدون العلاقات الاقتصادية
مع إسرائيل إذا أثبتت فائدتها للاقتصاد المحلي.
وأكد أن هذا الرقم رغم كونه أقلية، لكنه يشير
إلى انفتاح استثنائي على إقامة علاقات براغماتية مع إسرائيل، مضيفا أن "نسبة
التأييد لعلاقات مماثلة في مصر والأردن، وكلاهما تربطهما معاهدات سلام مع إسرائيل،
تبلغ حوالي 10 بالمئة فقط".
واستدرك: "تغيرت المشاعر بشكل كبير خلال
حرب غزة، وانخفض دعم أي شكل من أشكال العلاقات مع إسرائيل إلى 20%، وفضلت الغالبية
العظمى من السعوديين (96%) الوقف الفوري للعلاقات بين الدول العربية وتل أبيب ردا
على تصرفاتها في غزة".
وشدد المعهد على أن هذه الاستطلاعات تسلط الضوء
أيضا على التناقض بين مصالح الحكومة السعودية في إقامة علاقات مع إسرائيل ومصالح
الشعب، فقد أعرب 20% فقط من السعوديين عن دعمهم لتعاون حكومتهم مع تل أبيب ضد
طهران.
ولفت إلى أن السعودية بلد يمر بعملية تغيير
عميقة، وعلى الرغم من التحول الواضح في الخطاب حول العلاقات مع إسرائيل داخل
المملكة، فإن العداء لإسرائيل والنفور من فكرة العلاقات معها متجذرة بقوة في أوساط
الجمهور العام، ما يترك فجوة واضحة بين مواقف الشعب والحكومة.
وأكد أنه من السابق لأوانه القول إن الحرب في
غزة ستغير قواعد اللعبة بالنسبة للتطبيع الإسرائيلي السعودي؛ ولا تزال هناك نفس
الحوافز والعقبات، وأهمها مطالب الرياض الأمنية من الولايات المتحدة والتنازلات
التي سيُطلب من إسرائيل منحها للفلسطينيين.
ورجح المعهد الإسرائيلي أن تؤدي الحرب إلى زيادة
"العنصر الفلسطيني" الذي تحتاج إسرائيل إلى تحقيقه كجزء من الصفقة من
أجل نقل تضامن الرياض مع الفلسطينيين، للتعويض عن موقفها السلبي نسبياً في الحرب،
وإظهار أن الاستفادة من التطبيع سيفيد الفلسطينيين أيضا.
وأضاف أنه "على أي حال فإن التطبيع سيكون
خطوة لا تحظى بشعبية بين السعوديين، وهذا لا يعني أنه من المستحيل تهيئة الظروف
لتعزيز العلاقات طويلة الأمد بين الجانبين".