سياسة عربية

بروفة على "ثورة الغلابة".. هتافات غاضبة تطالب برحيل وزير تموين السيسي

انهيار تاريخي للجنيه المصري خلال الفترة الماضية- عربي21
هتف مواطنون مصريون غاضبون مطالبين برحيل وزير التموين في حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وذلك خلال افتتاح معرض سلع استهلاكية بمناسبة قدوم شهر رمضان، بمنطقة شبرا الخيمة الشعبية بمحافظة القليوبية شمال شرق العاصمة القاهرة.
 
ووسط تواجد من قوات الشرطة، والحرس الشخصي لوزير التموين علي المصيلحي، تكدس آلاف المواطنين قبيل افتتاح معرض "أهلا رمضان"، في محاولة منهم للدخول والحصول على السلع قبل نفادها، ما أحدث صراعا وصراخا وزحاما عانى منه الوزير ومرافقوه وجعل من افتتاحه للمعرض أمرا صعبا، ما يكشف عن سوء تنظيم وعن حالة المواطنين الصعبة.
 

 
في الأثناء، هتف المواطنون المتجمعون أمام أبواب المعرض: "ارحل يا مصيلحي"، مرددين: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، ومنتقدين ما أسموه بـ"الفساد" و"الغلاء"، ما أدى لخروج وزير التموين من باب خلفي هربا من الزحام والغضب، بحسب بعض الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
 

 
إلا أن الجماهير الغاضبة لم تجرؤ على التلفظ بلفظ "ارحل ياسيسي"، واكتفت بتفريغ شحنة غضبها بالهتاف ضد الوزير، وهي الحالة التي يحاول تكريسها الإعلام الحكومي مؤخرا بتوجيه الاتهامات لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزراء حكومته على الهواء دون، السيسي.
 
"دفع وضرب للنساء"
ومن المثير ما حدث بعد افتتاح المعرض من زحام وتدافع بين الرجال والنساء وشجار على أولوية المرور داخل المعرض للحصول على السلع، مع تمزيق بعض لافتات المعرض والشجار مع بعض العاملين.
 

 
بل وصل الأمر إلى حد اعتداء أحد العاملين في المعرض على سيدة مصرية مسنة، ودفعها في صدرها بقطعة خشبية أثناء محاولتها الحصول على كيلو زيت وكيلو سكر.
 

 
"جابو آخرهم"
وفي تعليقهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكد متابعون أن تلك المقاطع تكشف عن حجم الجوع والفقر وصعوبة الأحوال وتؤكد تفاقم حالة الغضب الشعبي، وعدم قدرة المصريين على التحمل والتكيف والصبر على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة التي يعيشونها.
 
وأكد البعض أنه بهذه الصورة وتجرؤ الغاضبين على كثرة عددهم على الوزير في وجود قوات الأمن مؤشر على إمكانية انفجار ثورة غضب أو ثورة جياع "تقتلع كل ما يقابلها"، مشيرين إلى أن الوزير ورئيس الوزراء لا دور لهما في سياسات الدولة وعندما طالب الغاضبون برحيله فإنهم يقصدون السيسي.
 
"أم سمر"، إحدى السيدات المقيمات بمنطقة شبرا الخيمة، مكان الأحداث، قالت لـ"عربي21"، إن ما يعيشه المصريون هو "مهانة وذل وخداع"، مؤكدة أن "الزحام الرهيب على المعرض يأتي بسبب غلاء الأسعار ونقص السلع في نفس الوقت"، موضحة أن "أسعار أهلا رمضان لا تختلف كثيرا عن أسعار السوق".
 
ويرى مراقبون أن تلك المعارض ومثيلاتها من المبادرات الحكومية، "مجرد خدعة للمصريين وأنها لا تكفي إلا عددا قليلا منهم، وتتركز في مناطق معينة، وبعيدة عن الريف، وأسعارها خادعة وتقارب السوق، والأوزان قليلة، وخاماتها رديئة وغالبا تكون مخزنة لفترات طويلة ويتم التخلص منها".
 
"غلاء ونضوب"
ويشكو مصريون من تفاقم أزماتهم بشكل لم يعد لهم قدرة على تحملها، خاصة مع استمرار تفاقم أسعار جميع السلع دون توقف وذلك بفعل أزمة تراجع قيمة العملة المحلية، الأمر الذي تبعه شح بسلع هامة مثل السكر، والزيت، والسمن الصناعي، والبيض، والمكرونة، وأنابيب الغاز، وحتى بعض أصناف الدواء.
 
وفي حديث سابق لـ"عربي21"، أكدت 4 نساء، أن "السكر غير موجود، والتجار يقولون لأنه غير مسعر، ويتم بيع عبوة 700 غرام منه بـ40 جنيها، والكيلو منه قفز من 50 إلى 60 جنيها خلال أيام، وكذلك الزيت شحيح وقفز سعر عبوة 100 غرام منه بأسبوعين من 65 إلى 70 و75، ليصل إلى 110 جنيهات".
 
وبيًنّ، أن "هذا الوضع ينطبق على الدقيق الذي ارتفع سعر الكيلو منه من 20 إلى 24 ثم إلى 30 جنيها، وبلغت الشيكارة زنة 50 جنيها 1250 جنيها بسعر الجملة"، مشيرات إلى أن "سعر الشاي عبوة 250 غراما ارتفع من 40 إلى 60 جنيها".
 
وألمحن إلى أن "سعر رغيف الفينو زاد من نصف جنيه إلى واحد جنيه، ثم إلى جنيهين، مع نقص حجمه أيضا، وهو ما طال رغيف الخبز السياحي مرتفعا من جنيه إلى جنيهين، والرغيف بسعر جنيهين إلى 4 جنيهات".
 
وأوضحن أن "قرص الطعمية زاد من جنيه إلى جنيهين، وكيس عجينة الطعمية من 5 إلى 10 جنيهات، وكيس الفول المباع بـ5 جنيهات، إلى 10 جنيهات، وكيس البليلة من جنيه واحد إلى 3 جنيهات".
 
و"اللبن من 24 إلى 30 جنيها، والجبن الفلاحي من 55 إلى 70 جنيها، والسمن الصناعي من 90 إلى 110 و120 جنيها، والزبدة الفلاحي من 250 إلى 280 جنيها، والبيضة من 5 إلى 6 جنيهات، والزبادي من 3 إلى 5 جنيهات".
 
وعن سعر كيلو المكرونة، قلن إنه "خلال أسبوعين انتقل من 20 إلى 25 وحتى 30 جنيها، والشيكارة الفرط 10 كيلو بـ310 جنيهات، والصابون من أردأ الأنواع تحرك من 10 إلى 15 جنيها دفعة واحدة، وهو ما ينطبق على البهارات، ومرق الدجاج، والملح، وعلب الكبريت".
 
وبيًن أن "هناك شحا في أنابيب الغاز، وأنه يجري الحجز لدى الموزعين الصغار ما رفع السعر  من 85 إلى 100 جنيه".
 
ولفتن إلى أن "أزمة اللحوم تتصاعد بشكل محزن"، مؤكدات أن "سعر كيلو اللحم الجملي في أسبوعين تحرك من 250 جنيها إلى 270 و300 جنيه والكاسر من 320 إلى 360 جنيها"، وهي الأسعار التي تتخطى تلك الأرقام بكثير في عواصم المحافظات والقاهرة، والمناطق الراقية، وفق رصد "عربي21".


"إفقار 10 سنوات"
وفي قراءته لما يكشفه تكالب المصريين على معرض "أهلا رمضان"، وعن حجم ما وصلوا إليه من جوع وفقر وعوز، قال المستشار الأسبق بوزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر، عبدالتواب بركات، قال إن "الزحام الشديد حول معرض رمضان سببه ارتفاع أسعار السلع الأساسية واختفاء بعضها من الأسواق، مثل الأرز والسكر وزيت الطعام".
 
الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة، أشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "ذلك بسبب تحويل الدعم من العيني السلعي، إلى النقدي، في مقابل 50 جنيها مقطوعة؛ وكانت النتيجة ارتفاع أسعار السلع من 1.5 جنيه لكيلو الأرز، و1.25 جنيه لكيلو السكر، و3 جنيهات لكيلو الزيت في سنة 2013"....
 
"إلى 55 جنيها لكيلو السكر، و35 جنيها لكيلو الأرز، و70 جنيها للزيت، ما يفوق قدرة الأسر المصرية على شراء هذه السلع في ظل ارتفاع جنوني للأسعار"، مضيفا أنه "زاد الطين بلة، حذف 10 ملايين من المستفيدين من البطاقات التموينية عشوائيا، رغم انتشار البطالة والفقر وارتفاع الأسعار".
 
وأكد أن "كل ذلك سبب معاناة للأسرة المصرية وجعلها تبحث عن معارض رمضان، ومنافذ الجيش التي توفر السلع بأسعار منخفضة نسبيا، رغم تدني جودتها وانخفاض وزن العبوات عن الوزن المسجل على العبوة". 
 
وفي تقديره، يرى بركات، أن "النظام سوف يضطر إلى زيادة قيمة الدعم عن 50 جنيها، لأنها أصبحت لا تكفي لشراء كيلو سكر فقط، وإلا ستتحرك الاحتجاجات بالشارع ضد النظام كله".
 
وختم بالقول: "ولن تجدي محاولات الجنرال السيسي، الترويج لأن رئيس الوزراء أو وزير التموين هما سبب الأزمة، لأن المواطن يعرف أن الوزراء سكرتارية عند الرئيس ويطبقون السياسات التي تملى عليهم".
 
"ناقوس خطر"
وفي رؤيته لدلالات هتاف المصريين ضد الوزير، دون السيسي، قال السياسي المصري المعارض عمرو عبدالهادي، إن "ما حدث لوزير التموين هو امتداد لما كان يحدث في عصر المستنصر بالله الفاطمي (1029- 1094) والذي وقعت في عهده الشدة المستنصرية التي مات فيها آلاف المصريين جوعا، وأكلوا القطط والكلاب".
 
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الشعب المصري لا يتغير بتغير العصور فكان يرى الحاكم (المستنصر) في الشارع ولا يهاجمه، وكان آخرهم همهمات، بل كان أحدهم ينصب كمينا لجاره ويقتله ويأكله، ولا يهاجم الحاكم".
 
وأضاف: "والآن وبرغم أن الجميع يعلم أن السيسي المسؤول الأول، وهو من أعلن ذلك مرارا؛ لكن الهتافات لم تتعدى الوزير، ورغم ذلك فإن هذا يدق ناقوس خطر للنظام، ويخيف السيسي، ليس من الشعب، ولكن من ضباط الجيش المتربصين بالحكم".
 
وفي نهاية حديثه قال إن "هذا ما يعطي غطاء لأي انقلاب مستقبلي، ويعجل به، ويمثل فرصة قد يقتنصها أي طامع في الحكم، كما طمع السيسي قبله".
 
"لعبة النظام"
وفي قراءته لدلالات ذلك الغضب الشعبي، وإمكانية اعتباره بروفة لثورة غضب المصريين المحتملة، قلل الناشط والكاتب والمحلل السياسي سيد صابر، من كل تلك الهتافات الغاضبة، مؤكدا أن "كل ما يحدث بلا قيمة".
 
وأوضح أنه "تتم الآن عملية تحميل أوزار وأخطاء قرارات السيسي الاقتصادية لوزراء بعينهم"، مشيرا إلى أن "وزير التموين الذي يتهمه المصريون بالفشل، يتحمل نتيجة صمته عن تطبيق سياسات تهبط عليه من فوق (رأس السلطة) ولا يناقشها".
 
وقال إن "وزير التموين، قُرئت فاتحته منذ شهريين، ووسائل الإعلام وأعضاء مجلس النواب يهاجمونه بشكل كبير؛ وكأنه صاحب قرار وليس أكثر من سكرتير ينفذ توصيات تأتيه".
 
ولفت إلى أنه "من المنتظر أن تطير بعض الرؤوس من فوق مواقع المسؤولية وتحميلهم المسؤولية، مثل رئيس الوزراء، الذي كان لا يكف عن هز رأسه لكل كلمة (من رأس النظام)".
 
ويرى صابر، أن "الشارع يغلي؛ ولكن ما علاقة وزير التموين، هل هو من وقع على اتفاقية مبادئ نهر النيل بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، وفرط في مياه النيل ومنع عن مصر الكثير من المزروعات".
 
وواصل تساؤلاته: "هل هو الذي اتفق مع صندوق النقد الدولي، على تعويم الجنيه؟، هل هو الذي باع أصول وشركات مصر العامة وسيبيع بقية الأصول الممتلكات؟"، مؤكدا أن "وزير التموين سكرتير مثل كل السكرتارية".
 

"أنين وغضب"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتواصل تعبير مصريات عن غضبهن من ضيق الأحوال، وبينها ما عرضت له سيدة حول عدم قدرتها على شراء زجاجة زيت كاملة بنحو 100 أو علبة سمن بـ125 جنيها، وشراء زيت سائب وسمن سائب في كيس بـ10 جنيهات لكل نوع، قائلة في نهاية المقطع المصور: "ربنا ينتقم منك ياسيسي".
 

 
فيما تساءلت سيدة مصرية، وهي تشكو من الغلاء وعدم قدرتها على الوفاء باحتياجات أسرتها: إلى متى يصمت المصريون؟
 

 
وهي الأحوال التي عبر عنها الكاتب المصري عمار علي حسن، متسائلا: "هل صرنا في فوضى بلا صراخ أو ضجيج؟"، مؤكدا أن "الناظر إلى حال الأسواق المصرية يرى هذا دون أن يبذل أي جهد".
 
وأضاف عبر موقع "إكس": "فآذان السلطة السياسية مفتوحة طول الوقت على كل من يهمس ضدها، لكنها غافلة دوما عما يجري في المجتمع من انهيار غير معلن، إذ صار أغلب الناس يجدون صعوبة بالغة في الاستمرار على قيد الحياة".
 
وتابع تساؤلاته: "أي إدارة للبلاد يمكنها الحديث عن إمساك بزمام الأمر، بينما تجد السلعة الواحدة لها عشرة أسعار في شارع واحد، بينها تفاوت كبير، وبين اليوم والذي يليه يتضاعف السعر لأسباب كثير منها واه؟".
 
وواصل: "أي إدارة هذه التي تركت الناس يتطاحنون في صمت، ولا يشغلها من الأمر سوى كتم الأنين، وتعتبر هذا إنجازها الكبير؟، وأي إدارة تلك التي تعتقد أن معادلة الاستقرار والاستمرار لا تزال صالحة؟".