اقتصاد عربي

أزمة نقص الدولار تضرب الفلاح المصري.. قفزة بأسعار الأسمدة وسوق سوداء لمستلزمات الزراعة

الأسمدة هي الركيزة الأساسية الثانية بعد البذور في دولاب الإنتاج الزراعي- عربي21
ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية في مصر بنسب كبيرة خلال الفترة الماضية رغم تحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضروات والفواكه بنسبة مرتفعة، على خلفية أزمة نقص الدولار، وتزايد الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي لصرف الدولار والسوق السوداء.

وسجل سعر صرف الدولار في تعاملات السوق السوداء، السبت، 67 جنيها للدولار الواحد، مقابل سعر الصرف الرسمي الثابت عند 30.90 جنيها للدولار.

وعلى وقع أزمة الدولار، شهدت أسعار الأسمدة ارتفعت في الأيام القليلة الماضية بنحو 40 بالمئة بعد خفض شركات الأسمدة الحصة المطروحة في السوق المحلية، استعدادًا لطلبات التصدير خلال العام الجاري، بحسب موقع البورصة، ما أذكى المخاوف من استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.

وسط ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية واللحوم كانت الخضروات بأنواعها الملاذ الأكثر رخصا لملايين المصريين، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان نحو 106 ملايين نسمة، ولكن استمرار ارتفاعها ينذر بتقييد قدراتهم على شرائها.

وبحسب صحيفة "البورصة" فقد خفضت شركات الأسمدة الحصة المطروحة في السوق المحلية بهدف الوفاء بطلبات التصدير خلال العام الجاري، ما أدى إلى تراجع المعروض وارتفاع الأسعار في الأسواق، فيما قامت أغلب مصانع الأسمدة بإخطار وكلائها بإيقاف البيع لنهاية الشهر الجاري لحين استقرار أسعار الصرف في السوق المحلية.

وتفضل شركات الأسمدة التوسع في زيادة الحصة التصديرية من الأسمدة (اليوريا والنترات) لتوفير سيولة دولارية لتغطية احتياجات السوق المحلية، على الرغم من التزامها بتوفير نسبة من الإنتاج تغطي السوق المحلية بسعر (مدعم) التكلفة، ورغم ذلك فإنها لا تكفي احتياجات الفلاحين ولا يستفيد جميعهم منها بسبب الاشتراطات الروتينية.

وتحتل مصر المركز السادس عالمياً في إنتاج سماد اليوريا بكمية تتراوح بين 6.5 و7 ملايين طن سنوياً، تمثل حوالي 4 بالمئة من إنتاج اليوريا عالميا، كما أنها تحتل المركز الثامن على مستوى العالم ضمن الدول المستهلكة للأسمدة الآزوتية بكمية تصل إلى 3.5 مليون، وفقا لوزارة البترول والثروة المعدنية.

في العموم، تصل الطاقات الإنتاجية السنوية للأسمدة في مصر نحو 20 مليون طن بواقع نحو 7.8 مليون طن تقريبا من الأسمدة النيتروجينية، و7 ملايين طن من صخر الفوسفات، و4 ملايين طن من الأسمدة الفوسفاتية، وقفز حجم صادرات مصر من الأسمدة في 2022 نحو 3.4 مليار دولار مقابل 2.3 مليار دولار خلال 2021.



كيف يؤثر نقص الأسمدة على الأسعار؟
وبشأن تأثير ارتفاع أسعار الأسمدة، وهي إحدى مدخلات الإنتاج في العملية الزراعية، قال نقيب الفلاحين حسين أبوصدام: "إن الأسمدة أهم مستلزمات الزراعة وأي ارتفاع في أسعارها يؤثر على ارتفاع التكلفة النهائية للمنتج وبالتالي يساهم في ارتفاع الأسعار، والتوجه نحو التصدير على حسب توفيرها في السوق المحلي من أجل جلب العملة الصعبة يؤثر على احتياجات السوق المحلية".

وأضاف لـ"عربي21" أن "ارتفاع الأسعار ليس في الأسمدة فقط، بل في جميع مستلزمات الإنتاج، ورغم توجه الدولة لدعم الأسمدة لأصحاب الحيازات، فإن المشكلة تكمن في أن بعض الفلاحين لا يستطيعون الحصول على أسمدة مدعمة مثل المستأجرين الذين لا يملكون حيازات، والكميات المدعمة لا تكفي في بعض الأحيان احتياجات السوق، بالتالي فهم يلجأون إلى السوق الحرة أو السوق السوداء بأسعار مبالغ فيها".

وأوضح  أبو صدام أن "هناك بروتوكولا بين وزارة الزراعة وشركات الأسمدة ينص على تسليم 55 بالمئة من الإنتاج للوزارة بسعر التكلفة وطرح 10 بالمئة في السوق الحرة وتصدير 35 بالمئة من إنتاجها، ولكن في ظل أزمة نقص الدولار تارة ونقص الغاز تارة أخرى لم تلتزم بعض الشركات، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة إلى نحو 13 ألف جنيه مقابل نحو 9 آلاف في السوق الحرة بنسبة ارتفاع أكثر من 40 بالمئة".

النقطة المهمة في الأمر، بحسب نقيب الفلاحين، أن الفلاح قد يكون هو المتضرر الأكبر أو الوحيد في سلسلة ارتفاع الأسعار في حال انخفضت أسعار بعض المنتجات الزراعية عن سعر التكلفة بسبب وفرتها؛ لأن ما يحكم السعر ليس تكلفة المنتج بقدر ما هو الطلب والعرض.

 

"تداعيات سلبية على الإنتاج الزراعي وتكلفته"
توقع أستاذ البحوث الزراعية عبد التواب بركات أن "يؤدي ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية إلى تداعيات سلبية على الإنتاج الزراعي الكلي وعلى إنتاجية الفدان من المحاصيل الزراعية؛ فكلما زاد سعر الأسمدة تراجعت قدرة الفلاح على توفير المقررات السمادية المستحقة للمحصول، وبالتالي تقل إنتاجية الفدان وتزيد تكلفة الإنتاج وتزيد أسعار الغذاء، من القمح والأرز والبصل والفول واللحوم والأسماك والدواجن والبيض وغيرها في السوق وتزيد معاناة المواطن بسبب الغلاء".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "الأسمدة هي الركيزة الأساسية الثانية بعد البذور في دولاب الإنتاج الزراعي. وقد قامت الثورة الخضراء في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن الماضي على توفير الحكومة البذور عالية الإنتاج والأسمدة المدعمة والأسعار المحفزة، وانتقلت الثورة إلى الهند وغيرها من دول العالم بنفس المنهجية، ونجحت هذه الدول في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية والتصدير، بعد أن كانت تضربها المجاعات، والسبب في ذلك يرجع لتأثير الأسمدة على زيادة إنتاجية الفدان بنسبة 35 بالمئة إلى 50 بالمئة.

واعتبر الأكاديمي الزراعي المصري أن "توسع الحكومة في تصدير الأسمدة للخارج عكس ما تطبقه دول الاكتفاء الذاتي من الأغذية، أدى لشح الأسمدة في السوق المحلي وأضر بالفلاح".

ورصد مؤشر أسعار الأسمدة، الذي يرصده مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وصول سعر سماد اليوريا إلى 46.5 بالمئة في السوق الحرة إلى 12500 جنيها للطن بدلا من السعر الرسمي وهو 5000 جنيه، وكانت النتيجة المباشرة هي تراجع إنتاجية الفدان من محاصيل القمح والأرز وقصب وبنجر السكر والبصل والفول وغيرها، وارتفعت الأسعار إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة في مصر، ورصد البنك الدولي ارتفاع أسعار الغذاء في مصر لأعلى معدل في العالم لمدة أربعة أشهر في منتصف العام الماضي".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع