أثارت قرارات حكومية متزامنة برفع
أسعار
الخدمات الحكومية في مجالات النقل والمواصلات والإنترنت والمحمول وبعض المواد
الغذائية، مع اليوم الأول في العام الجديد، مخاوف
المصريين من عام لن يستطيعوا
تحمل أعبائه
الاقتصادية.
وفي الوقت الذي عاني فيه المصريون خلال 2023،
من تفاقم شديد لنسب التضخم الذي سجل أرقاما تاريخية بنحو 34.6 بالمئة في تشرين
الثاني/ نوفمبر الماضي، فإنهم يدخلون العام 2024، وسط أسوأ أزمة اقتصادية ضربت
البلاد منذ عقود.
وفي ظل مواصلة الحكومة المصرية سياساتها بالضغط
على أكثر من 105 ملايين مصري؛ وفي قطاع الاتصالات، قررت الشركة المصرية للاتصالات
(وي) مشغل الإنترنت الأرضي الحكومية في مصر، رفع أسعار باقات اشتراكاتها بداية من
5 كانون الثاني/ يناير الجاري.
لتبلغ باقات الإنترنت الأرضي سعة 140 جيجابايت
الأكثر شعبية 160 جنيها، بدلا من 120 جنيها، وتتحرك باقة 200 جيجابايت إلى 225
جنيها بدلا من 170 جنيها، وباقة 250 جيجابايت لـ280 جنيها بدلا من 210 جنيهات،
وباقة 400 جيجابايت لـ440 جنيها بدلا من 340 جنيها، وباقة 600 جيجا إلى 650 جنيها
بدلا من 500 جنيه، وباقة 1 تيرابايت لـ1050 جنيها بدلا من 800 جنيه، الدولار رسميا
(30.90).
وفي قرار ثان، قررت شركات الاتصالات الأربعة
العاملة في مصر وهي: "وي" الحكومية، و"اتصالات" الإماراتية،
و"فودافون" البريطانية، و"أورانج" الفرنسية، رفع أسعار
خدماتها لنحو 104 ملايين مصري، بنسبة 10 و17 بالمئة على المكالمات والبيانات، مطلع
شباط/ فبراير المقبل، وذلك بدعوى زيادة تكاليف التشغيل، ومعدلات التضخم المرتفعة،
وتراجع قيمة العملة المحلية.
وبقرار ثالث، وافق "الجهاز القومي لتنظيم
الاتصالات"، (حكومي) الخميس الماضي، على طلب سابق قبل عامين لشركات الاتصالات
الأربعة برفع نسبة الزيادة في كروت الشحن الفكة –يستخدمها فقراء المصريين-، وفق
رئيس شعبة المحمول بالغرف التجارية، محمد طلعت.
وتحرك كارت الشحن بـ 2.5، إلى 4 جنيهات للعميل،
ومن 5 إلى 7، ومن 7 إلى 9، ومن 9 إلى 12، ومن 10 إلى 13، ومن 13.5 إلى 17، من 17.5
إلى 19، ومن 25 إلى 31، ومن 30 إلى 37، ومن 50 إلى 60، ومن 100 إلى 105 جنيهات
للعميل.
و زادت أنظمة الفواتير الشهرية وباقات إنترنت
المحمول زيادة مثيرة هي الأخرى بنسبة تراوحت بين 10 و15 بالمئة، بعد زيادة أسعار
كروت الفكة بنسبة 10 بالمئة، بحسب موقع "المصري اليوم" المحلي.
وفي قطاع النقل، وفي أول أيام العام 2024، قررت
وزارة النقل المصرية، رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق بمحافظات القاهرة الكبرى
الثلاثة، والذي يستخدمه يوميا 3 ملايين مصري من ذوي الدخل المنخفض، بين 12
و33 بالمئة، وذلك للسيطرة على خسائر المترو وتقليلها، ورفع الإيرادات من 3 إلى 4
مليارات جنيه.
وارتفع سعر التذكرة لـ9 محطات لنحو 20 بالمئة
إلى 6 جنيهات، وتذكرة 16 محطة لـ12.5 بالمئة إلى 8 جنيهات، وتذكرة 23 محطة لـ33.3
بالمئة إلى 12 جنيها، فيما استُحدثت تذكرة جديدة بقيمة 15 جنيها تصلح لأكثر من 23
محطة.
وفي اليوم ذاته، وفي ذات القطاع، وبدعوى
السيطرة على الخسائر بالسكك الحديد، اعتمدت الهيئة القومية للسكك الحديدية
(حكومية) زيادة أسعار خطوط قطاراتها التي يستخدمها 1.5 مليون مصري، بنسب تتراوح من
10 إلى 25 بالمئة.
ورفعت الهيئة، أسعار تذاكر قطارات السكك
الحديدية على خطوط الضواحي "تحيا مصر" مطلع كانون الأول/ يناير 2024،
بنحو جنيهين للتذكرة.
وفي قطاع الطاقة، حددت وزارة الكهرباء والطاقة
المتجددة، أسعار شرائح استهلاك الكهرباء المنزلي والتجاري، الجديدة بدءا من كانون
الثاني/ يناير الحالي حتى 30 حزيران/ يونيو المقبل، بحسب موقع "مصراوى"
المحلي.
وجاءت الزيادة على الاستخدامات المنزلية برفع
الشريحة الأولى: من 48 إلى 58 قرشا، والثانية: من 58 إلى 68 قرشا، والثالثة: من 77
إلى 83 قرشا، والرابعة من 106 إلى 126 قرشا، والخامسة: من 128 إلى 140 قرشا،
والسادسة: من 128 إلى 150 قرشا، والسابعة: من 145 إلى 165 قرشا.
وتضمنت القرارات أيضا تحديد سعر البيع للمحلات
التجارية بحسب شرائح الاستهلاك كالتالي: الشريحة الأولى كما هي 65 قرشا، والثانية
من 120 إلى 136 قرشا، والثالثة من 140 إلى 150 قرشا، والرابعة من 155 إلى 165
قرشا، والخامسة من 160 إلى 180 قرشا.
وفي سياق رفع أسعار وتكلفة السلع والخدمات في
قطاعات الاتصلات والإنترنت والنقل والمواصلات والكهرباء، قررت شركة "عبور
لاند للصناعات الغذائية"، رفع أسعار بعض منتجاتها من الجبن والألبان 6 كانون
الثاني/ يناير الجاري.
بل إن رئيس جمعية منتجي الألبان، أشرف سرور،
أكد لموقع "مدى مصر"، أن الأسابيع المقبلة ستشهد زيادة في أسعار منتجات
اﻷلبان.
وكشف رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرف
التجارية بالأسكندرية، حازم المنوفي، أن بعض شركات زيوت الطعام رفعت أسعارها بداية
من كانون الثاني/ يناير 2024 بنسبة وصلت إلى 15 بالمئة.
وأوضح أن شركتي "صافولا" صاحبة
منتجات زيوت "عافية"، وشركة "القاهرة للزيوت" صاحبة زيت
"قطفة"، رفعا أسعارهما بين 5 إلى 7 جنيه للعبوة الواحدة.
وفي الأسواق، ومع اليوم الأول من العام الجديد،
ارتفعت أسعار الأرز المعبأ والسائب، والفول المعبأ، والزيت، والسكر، والمكرونة،
واللحوم، والجبن الرومي، والمسلى الصناعي، بحسب بيانات بوابة السلع المحلية
التابعة لمجلس الوزراء.
وفي المقابل، أعلن وزير العمل المصري حسن
شحاتة، الاثنين، تنفيذ رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص، ليصل إلى
3500 جنيه شهريا حوالي (113دولار أمريكي)، بدلا من 3000 جنيه، من راتب كانون
الثاني/ يناير الجاري، بقيمة 500 جنيه (16.13دولار).
تلك القرارات تأتي بعد أسبوعين من إعلان الهيئة
الوطنية للانتخابات، في 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فوز رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، بولاية ثالثة حتى 2030 بعد حصوله على 89.6 بالمئة من أصوات الناخبين، في
انتخابات شهدت حشد بسطاء المصريين ورقصهم أمام اللجان مقابل رشا انتخابية، وفق
حقوقيين.
وبعد فوزه خاطب السيسي، المصريين بقوله:
"أجدد معكم العهد بأن نبذل معا كل جهد لنستمر في بناء الجمهورية الجديدة..
وسأكون صوت المصريين جميعا، مدافعا عن حلمهم".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي سخر البعض من تلك
القرارات ومن مبادرات النظام التي طرحها تحت عنوان "حياة كريمة"
للمصريين، حيث كتب نائب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" سابقا، أسامة
الألفي، عبر فيسبوك: "هدايا حياة كريمة بمناسبة العام الجديد: زيادة أسعار
باقات الإنترنت".
وفي مقابل تلك السخرية، كلما تحدثت
"عربي21"، إلى أحد من المواطنين لسؤاله عن ارتفاعات الأسعار الجديدة،
انتابته حالة من الصدمة، فيما أعرب البعض عن مخاوفه من أن تكون تلك الزيادات مقدمة
فقط وتطال زيادات الأسعار جميع السلع والخدمات في موجة أكدوا أنهم لن يتحملونها.
خبير اقتصادي وسياسي مصري استدعتهم
"عربي21"، للتعليق على تلك القرارات، والإجابة على تساؤلاتها حول رؤيتهم
لمدى اعتبار تلك القرارات مؤشرا على ما سيشهده المصريون من أزمات وضغوط، في 2024.
والإجابة على التساؤلات: هل جاءت تلك القرارات
بفعل أزمة الحكومة مع الديون وضغوط أقساطها وفوائدها ونقص العملة الأجنبية؟، وهل
خدعت الحكومة المصرية الشعب بعد وعود "حملة السيسي الانتخابية" لهم
بالرخاء في الولاية الثالثة؟.
"لطمة للمصريين والاستثمار"
وهنا قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي
عبدالمطلب، لـ"عربي21": "في اعتقادي أنه لم يكن هناك أي نوع من
أنواع الوعود، وما تم الحديث عنه من إمكانية حدوث انفراجة وتراجع بالأسعار
وبمعدلات التضخم كانت أحاديث في وسائل الإعلام".
وأضاف: "ولا أعتقد أن أحدا كان على
استعداد لقبولها أو تصديقها، فمسألة الوعود الانتخابية اعتقد أنه لم يكن لها وجود
من الأساس لأن المؤشرات كانت تشير لتوقع غالبية المصريين حدوث انخفاض في قيمة
الجنيه أو (التعويم)، ولذلك كان من الصعب أن يقتنع أحد بأن عام 2024، سيشهد أي
تراجعا بالأسعار".
ويرى وكيل وزارة التجارة الخارجية المصرية
للبحوث الاقتصادية، سابقا، أن "قرارات رفع الأسعار وبينها قرارات الحكومة
برفع أسعار بعض السلع الخاضعة لها وفي مقدمتها الاتصالات، وشركة (وي) التي رفعت
خدمات الإنترنت، وأيضا القرار الحكومي برفع أسعار المترو بنسبة بين 20 إلى 25
بالمئة؛ تمثل لطمة كبيرة".
وأوضح أن تلك "اللطمة" وفق رؤيته
الاقتصادية، "هي ضد كافة محاولات الإصلاح الاقتصادي أو جذب الاستثمار".
وأضاف: "وإذا أردنا الحديث عن الأثر
الاجتماعي لتلك القرارات على المواطن المصري فمؤكد أنها تضيف أعباءا كثيرة جدا
خاصة على الأسر محدودة الدخل، والتي تستخدم المترو كأهم وسيلة مواصلات لها
ولأبنائها في المدارس أكثر من مرة خلال اليوم".
وأكد أن "هذه الأسر سوف تزيد معناتها،
وربما تكون النتائج أخطر مما يتصور أي شخص".
وعن علاقة هذه القرارات بعجز الموازنة المصرية
وأزمة تفاقم الديون واستحقاقاتها ففي اعتقاد عبدالمطلب، فإن "الأزمة
الاقتصادية أو ما تعاني منه الحكومة هو جزء من دفعها إلى هذه القرارات، ولو أنني
شخصيا لا أجد تبريرا حقيقيا لهذه القرارات".
واستدرك: "لكن بما أننا نتحدث عن الضغوط
الخاصة بعدم توفير النقد الأجنبي ومشاكل الديون الخارجية، فأعتقد أن هذه القرارات
ستضر بموقف مصر التفاوضي مع صندوق النقد الدولي، خاصة أن مصر تعهدت بمظلة حمائية
لمحدودي الدخل".
وأيضا: "عندما نرفع أسعار سلع غذائية
أساسية أو الاتصالات التي من المفترض أن تنخفض أسعارها وليس ترتفع فأعتقد أن
الحكومة المصرية أو المفاوض المصري مع صندوق النقد الدولي لن يستطيع أن يقنع إدارة
الصندوق بأن هذه الإجراءات لصالح محدودي الدخل أو الطبقات الفقيرة، ولذا أعتقد أن
المسألة ستكون بمنتهى الصعوبة".
ولفت أيضا إلى أنه "في ضمن التعهدات التي
تعهدت بها مصر أو الشروط المفروضة من صندوق النقد الدولي والتي سوف تكون من أهم
نقاط المراجعة مع الصندوق للإفراج عن الشريحة الثانية والثالثة من قرض الصندوق
لمصر، مسألة استهداف التضخم".
وقال: "شخصيا أعتقد أن هذه الزيادات ستؤدي
إلى ارتفاع التضخم، وليس إلى انخفاضه، فمن المستحيل أن ترتفع بعض أسعار السلع
الأساسية بنسبة 20 بالمئة وننتظر أن ينخفض أو يظهر تقرير التضخم العام أو التضخم
الأساسي منخفضا".
"مقدمة للأسوأ"
من جانبه، رأى السياسي المصري عمرو عبدالهادي،
أن "هذه القرارات نقطة في بحر الزيادات الجديدة المقررة التي أجلها السيسي،
بسبب تمثيلية انتخابات الرئاسة 2024".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن
"هذه هي الزيادة الأولى بعد فوز السيسي بالانتخابات، وستتبعها زيادات أخرى في
نفس السلع وعلى سلع جديدة"، مستدركا: "لكن ما سيقصم ظهر المصريين هو
تعويم العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية".
وقال إن "هذه الزيادات جميعها غير حقيقية
وغير نهائية ما دام الدولار غير موجود، وسعره بالسوق السوداء أغلى من ضعف ثمنه في
البنوك التي لا تملكه".
ويعتقد عبدالهادي، أنه "لذلك سيضطر السيسي
في النهاية إلى رفع جزئي للدولار الذي سيصل 50 جنيها، وتبدأ الدورة من جديد ليصل
في السوق السوداء إلى حاجز المائة جنيه".
ويرى أن "السيسي، لم يضحك على أنصاره، فهم
من علية القوم ولا يفرق معهم دولار ولا جنيه، لأنهم أصحاب الملايين، أما عامة
الشعب فتم سوقهم بالسوط والجبر للمشاركة، وهؤلاء يعلمون أن القادم أسوأ وأسود
عليهم، ولكن ما بيدهم حيلة".