نشر موقع "فكرتورو" التركي مقال رأي للكاتب صالح بتشاكجي سلط فيه الضوء على دور
الأنفاق في حرب
غزة.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الأنفاق في الأساس كانت عبارة عن طريق لعمليات تهريب قامت بها بعض العائلات في غزة لتلبية احتياجاتها. وتدريجيًّا ارتفع مستوى التهريب وبدأ استخدام الأنفاق لأغراض مختلفة؛ حيث يشير أحد المصادر إلى أن هذه الأنفاق تستخدم لدعم الدفاع منذ عام 1982. ويسجل المصدر نفسه أن عام 1983 هو التاريخ الذي واجهت فيه إسرائيل حقيقة النفق لأول مرة.
ومع هروب محمود المبحوح، أحد قياديي كتائب القسّام والمسؤول عن إمداد حماس بالسلاح، عام 1989 بفضل هذه الأنفاق في غزة، أصبحت الأنفاق أحد البنود المهمة في جدول أعمال الهيكل الأمني الإسرائيلي.
وذكر الكاتب أنه حتى منتصف التسعينيات، تم حفر العديد من الأنفاق من رفح إلى الأراضي المصرية. وبدأ استخدامها لتهريب كل ما يمكن أن يمر عبر هذه الممرات الضيقة، من الطعام إلى الأدوية، ومن الوقود إلى المواشي وحتى السيارات.
ومع الصعود السياسي لحركة حماس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإنهم رأوا في هذه الأنفاق بديلًا اقتصاديًا ومصدرًا للوجود في مواجهة الحصار الإسرائيلي. وفي الواقع، أصبح العمل في الأنفاق خيارًا اقتصاديًّا. وقد بدأت الدراسات الأكاديمية حول اقتصاديات الأنفاق، كذلك لم تعد الأنفاق مبنية بطريقة خرقاء كما كانت من قبل، فقد بُدئ بتجهيزها بأنظمة كهربائية كبيرة وأنظمة نقل وأنظمة تهوية.
وأورد الكاتب أنه في عام 2001، تسبب انفجار في نفق تحت إحدى قواعد الجيش الإسرائيلي في غزة في انهيار جزء يبلغ طوله حوالي 5 أمتار من جدار الطابق الأول، وأشارت التقارير حينها إلى أن ثلاثة جنود أصيبوا بجروح.
وقد تكرر المشهد في عام 2004، عندما انفجرت بضع مئات من الكيلوغرامات من المتفجرات في نفق طوله 350 مترا تحت موقع للجيش الإسرائيلي في غزة، ما أسفر عن مقتل جندي وإصابة خمسة.
المرحلة الثانية من "الغميضة"
وأفاد الكاتب بأنه في عام 2005، مع طرد المستوطنين الذين يعيشون في غزة، فقد بدأت المرحلة الثانية من الغميضة بين الأنفاق وإسرائيل.
ومع إجراء الانتخابات
الفلسطينية في عام 2006، فقد أدت التسوية التي توصلت إليها إسرائيل مع محمود عباس إلى إخراج حماس من المعادلة، على الرغم من الدعم الشعبي.
وأشار الكاتب إلى أنه في 25 حزيران/ يونيو عام 2006، مع اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عبر الأنفاق التي فتحتها حماس، فقد عادت الأنفاق إلى الواجهة مرة أخرى. وقيل إن جلعاد اختطف من نفق إلى نفق خلال عمليات التفتيش في ذلك، كما أن العمليات الإسرائيلية فشلت في تحرير جلعاد، وزُعم أيضًا أن إسرائيل استخدمت متفجرات معدنية خاملة ثقيلة خلال هذه العمليات.
وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر من نفس العام، عثر الاحتلال على 33 نفقا فقط بعد عمليات تفتيش مكثفة.
وبعد خمس سنوات، تم إطلاق سراح جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيرًا فلسطينيًا. وقال أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين: "بالنسبة لهم، كان (اختطاف جلعاد شاليط) دليلاً على جدوى الفكرة: الأنفاق تؤدي وظيفتها حقاً".
وفسر خالد مشعل، أبرز قادة حماس في ذلك الوقت، الأنفاق من منظور مختلف: "في ضوء ميزان القوى، الذي تحول نحو إسرائيل، كان علينا أن نكون مبدعين في إيجاد طرق مبتكرة. لقد كانت الأنفاق أحد ابتكاراتنا. وكما يقولون، فإن الحاجة هي أم الاختراع ".
وأضاف الكاتب أنه في عام 2014، لم يتمكن القادة الإسرائيليون الذين أشرفوا على العمليات ضد غزة من فهم كيف لم تتمكن قواتهم من اكتشاف حماس وأسلحتها، على الرغم من المراقبة المستمرة للطائرات بدون طيار فوق غزة.
التأثير المصري على الأنفاق
وأثرت التغييرات السياسية في مصر تأثيرا عميقا على مصير أنفاق حماس.
وأوضح الكاتب أن حماس، التي واصلت عملياتها بسهولة كبيرة في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ضاقت جميع مناوراتها مع وصول السيسي إلى السلطة في عام 2013، وكجزء من تحسين علاقات السيسي مع إسرائيل، فقد هدمت مصر 3 آلاف مبنى على حدود رفح.
ولم يكتف بكل هذا، فقام أولًا بضخ مياه الصرف الصحي في بعض الأنفاق، ونتيجة لضغوط المجتمع الدولي، فإنه قام بتدمير الباقي بإغراقها بمياه البحر، وتزعم بعض المصادر أن الأنفاق لا تزال مستمرة في نشاطها رغم كل العقوبات.
صعوبة حرب الأنفاق
وأورد الكاتب أن حماس كانت تنتظر دخول جنود الجيش الإسرائيلي إلى الأنفاق في الأيام التي أعقبت هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر والهجوم الإسرائيلي على غزة. عند الاستماع إلى وسائل الإعلام وتصريحات المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي.. كانت الفكرة هي أن الحرب الأشرس ستحدث في الأنفاق.
وكما هو معروف في استراتيجيات الحرب فإن حرب الأنفاق تختلف تمامًا عن الحرب فوق الأرض. في حين أنه من الواضح أنه من الصعب حقًا التحرك عبر الأنفاق بدون ضوء، بدون أكسجين، دون معرفة الاتجاه، وباتصالات محدودة، يصبح الاستمرار في عملية معينة أكثر صعوبة. نحن نتحدث عن عملية يتحرك فيها الجنود واحدا تلو الآخر بسبب ضيق المساحة والأسباب الأمنية، ويحملون الكثير من المعدات (البوصلة، والأقنعة الواقية من الغازات، والدروع التكتيكية، وأنظمة الراديو الخاصة، والأسلحة النارية المدمجة للمناورة في المناطق الضيقة، والأسلحة غير الفتاكة) بسبب الظروف المادية التي ذكرتها أعلاه.
وتابع الكاتب بأنه حتى معدات الرؤية الليلية لا تعمل لأنه لا يوجد مصدر ضوء في الأنفاق المظلمة. بدلا من ذلك، فإنهم يحتاجون إلى استخدام أنظمة مزودة بكاميرات حرارية.
في المقابل، كانت هناك دعوات ومسابقات نظمها مشروع "داربا" الأمريكي ومؤسسات مختلفة لكثير من الابتكارات التقنية في السنوات الأخيرة لمسح الأنفاق.
وقامت إسرائيل بتدريب أجهزة رادار أرضية وميكروفونات وطائرات بدون طيار صغيرة وروبوتات صغيرة وكلاب لمسح الأنفاق بحثًا عن الأفخاخ المتفجرة والقنابل.
ومع ذلك، فإن أهم حقيقة تعرفها هي أن التقنيات العسكرية فوق الأرض غالبا لا تعمل على النحو المنشود تحت الأرض. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعلومات المتغيرة للغاية التي يتلقونها حول مكان وجود الرهائن في الأنفاق تجعل الوضع أكثر صعوبة.
واختتم الكاتب مقاله بالقول إن كل من يعمل في هذا المجال يخمن أن المخابرات الإسرائيلية تستجوب جميع الرهائن المتبادلين بالتفصيل وتحاول الحصول على كل المعلومات التي يمكنهم الحصول عليها حول مكان احتجازهم. لكن حتى كل هذا لن يكون كافيا. حتى في الأيام الأولى؛ نعلم أن بعض جنود الجيش الإسرائيلي ماتوا في الأنفاق.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)