تقترب حكومة رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح السيسي، من طرح حصص من أصول "العاصمة الإدارية الجديدة" في بورصات خليجية وأخرى عالمية، وذلك في محاولة لحل أزمات البلاد المتفاقمة مع الديون الخارجية، في ملف يعتبر خطير التأثير خاصة مع حلول آجال الكثير من فوائد وأقساط تلك الديون.
والخميس الماضي، كشف رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة "العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية"، خالد عباس، عن طرح أسهم من العاصمة الإدارية الجديدة، المقدرة أصولها بنهاية العام الجاري بـ320 مليار جنيه، في أكثر من سوق مال، عبر بورصات خليجية وأخرى دولية، إلى جانب بورصة القاهرة.
عباس، كان قد أعلن في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي، عن طرح حصة تتراوح بين 5 و10 بالمئة من أسهم العاصمة الإدارية الجديدة للاكتتاب، خلال الربع الثاني من العام المقبل، معربا عن تطلع شركة العاصمة لجمع 150 مليار جنيه على الأقل من هذا الطرح.
لكنه في أحدث تصريحاته لموقع "الشرق مع بلومبيرغ" على هامش "المؤتمر السعودي المصري للتطوير العقاري" بالعاصمة السعودية الرياض، تحدث عن إمكانية إجراء إدراج مزدوج في بورصة خارجية لشركة العاصمة الإدارية بالإضافة إلى بورصة القاهرة.
وأكد أن "هذا الخيار مرجح في حال طرح جزء من الشركة الأم للاكتتاب العام، حيث ستكون قيمة الطرح كبيرة جدا بما يتطلب اللجوء لإحدى البورصات الخليجية كخيار أول"، دون أن يستبعد الإدراج في بورصة دولية أيضا كمرحلة لاحقة.
عملية الطرح في البورصة لجزء من أصول شركة العاصمة الجديدة التي تعد من أكبر الشركات العقارية التي تمتلك أراضي في العالم، أوضح عباس، أنها "تأتي تنفيذا لتوجيهات السيسي"، الذي كشف في آب/ أغسطس 2021، لأول مرة عن توجه لطرح أسهمها من العاصمة بالبورصة المصرية.
وعن تقديره لقيمة الشركة، قال عباس، لموقع العربية "Business"، إنها من أكبر الشركات العقارية التي تمتلك أراضي بالعالم، ورأس مالها المرخص 204 مليارات جنيه، وتعد أكبر شركة بمصر برأس المال هذا، والمسدد منه 57 مليار جنيه، وفي نهاية العام سيصل 77.5 مليار جنيه.
"خيبة أمل"
في آذار/ مارس 2015، حينما أعلن السيسي عن قراره بناء "العاصمة الإدارية الجديدة"، بقلب الصحراء الشرقية، وعلى بعد 45 كلم شرق العاصمة المصرية القاهرة و55 كلم من قناة السويس، والتي يمتلك الجيش المصري نسبة 51 بالمئة منها، كانت الآمال عريضة والحديث عن المكاسب أعرض.
ووفق تصريحات رسمية، كان الهدف المعلن تقليل عدد سكان العاصمة القاهرة، وهي السابعة على العالم بنحو 22.1 مليون نسمة، واستيعاب نحو 5 ملايين نسمة بالمدينة الجديدة المبنية على مساحة 700 كلم2، أو 170 ألف فدان بحجم سنغافورة، ببنايات ذكية وعلى أحدث الطرز.
وضع السيسي حجر الأساس للمرحلة الأولى للعاصمة الجديدة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، بحضور إماراتي كبير، وذلك قبل تأسيس شركة مساهمة مصرية في نيسان/ أبريل 2016، بالشراكة بين القوات المسلحة (51 بالمئة)، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان (49 بالمئة).
ولكن بعد مرور نحو 8 سنوات فإن المشروع العملاق الذي تكلفت مرحلته الأولى نحو 45 مليار دولار، وفقا لتصريحات رسمية، وحوالي 58 مليار دولار بحسب تقرير لوكالة "رويترز" في أيار/ مايو 2019، لم يحقق الجدوى الاقتصادية المرجوة، منه، بحسب مراقبين وتقارير اقتصادية دولية.
وفي أحدث التقارير حول العاصمة الجديدة في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قال موقع "بيزنس إنسايدر"، الاقتصادي العالمي، إن السيسي حاول أن يجعل مصر تبدو كمدينة دبي الإماراتية، موضحا أن الأمر استغرق 10 سنوات وبلغت تكلفته 58 مليار دولار، تم دفع معظمها عن طريق الاقتراض.
وحتى نهاية حزيران/ يونيو الماضي، تبلغ نسبة الدين المصري نحو 97 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد التي يشهد اقتصادها غير النفطي انكماشا لنحو ثلاثة أعوام، بل إنه ووفقا لوكالة "بلومبيرغ"، فإن مصر بالمركز الثاني عالميا من حيث مدى تعرضها للخطورة بسبب الديون السيادية، خلف أوكرانيا التي تخوض حربا مع روسيا منذ العام الماضي.
بل إن المشروع العملاق، يبدو ووفق خبراء ومتخصصين، أنه ضاعف من ضائقة مصر الاقتصادية، وزاد من أزماتها الهيكلية، وفاقم من أزمة ديون خارجية بلغت أكثر من 165 مليار دولار، ما دفع حكومة السيسي. للبحث عن حلول، كان إحداها بيع أصول العاصمة الجديدة لمستثمرين أجانب، في ملف تعثر بشدة لأسباب عدة، ليتم الحديث عن طرح نسبة من الأصول في بورصات خليجية وعالمية.
كما أن المشروع العملاق، وبحسب تصريحات السيسي، أصبح يمثل عبئا دائما وسنويا على موازنة الحكومة، حيث قال السيسي، في تموز/ يوليو 2022، إن شركة العاصمة الإدارية تطلب حاليا من الحكومة 4 مليارات جنيه سنويا كحق انتفاع لاستخدام الحي الحكومي في العاصمة الجديدة.
"أسباب الطرح"
وحول رؤيته الاقتصادية لدلالات وأسباب طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة في بورصات خليجية وأخرى دولية، بعد بورصة القاهرة، تحدث الخبير
الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، لـ"عربي21".
وكيل وزارة التجارة والصناعة السابق للبحوث الاقتصادية، قال إن "طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية في البورصة كان خيار مطروح منذ فترة طويلة، وصحيح أيضا أنه كان هناك توجه نحو بيع أسهم بالشركة من خلال مستثمر رئيسي".
ولفت إلى أنه "كانت هناك توقعات بوجود إقبال خليجي كبير على شراء جزء كبير من أسهم هذه الشركة"، مبينا أنه "كنا نتحدث حينها عن حد أدنى 10 بالمئة وعن طرح من 15 إلى 18 بالمئة كحد أقصى".
وأوضح أن "المشكلة التي واجهت هذه الرؤية هي سعر الصرف"، مبينا أنه "كان سيتم تقييم سعر السهم بالجنيه المصري، لكن المستثمر الأجنبي سواء بالخليج أو حتى المصريين الموجودين كشركات ورجال أعمال أفراد بدول أوروبية، كانوا سيحصلون على تلك الأسهم بالجنيه المصري".
واستدرك: "لكن بعد أن يتم تحويل ما يمتلكونه من دولارات إلى جنيهات مصرية"، مشيرا إلى أنه "في ظل هذه الحالة كان من الصعب أن تدخل كمستثمر في مثل هذه الصفقات دون أن تحدد مصدر الأموال التي أتيت بها".
ويرى أنه "من هنا كان هناك إجبار لمن يريد كمستثمر أن يشتري أسهما بالأمر المباشر أو كمستثمر رئيسي بشركة العاصمة، أن يوضح مصدر أمواله ومن هنا توقفت المفاوضات، والتي كان عدم وضوح الرؤية بشأن سعر الصرف أحد أسبابها".
ولفت الخبير الاقتصادي المصري، إلى أن "هناك أكثر من سعر صرف في مصر، ونتحدث عن فجوة حول سعر الصرف بين السوق الرسمي بالبنك المركزي والأسواق الموازية تصل تقريبا لنحو 80 بالمئة".
وأكد أنه "من هنا بدأ التفكير بطرح أسهم شركة العاصمة الإدارية في البورصات الخليجية والدولية"، مضيفا أن "التقويم هنا سيكون بالدولار، لكن يمكن للمستثمر الخليجي أن يحصل على الأسهم التي يريدها من البورصة بعملته المحلية، الريال- الدرهم- الدينار".
"وأيضا يستطيع المستثمر في البورصات العالمية في أوروبا وأمريكا أو غيرها الحصول على الأسهم بالدولار بغض النظر عن التسعير بقيمة الجنيه".
ويعتقد عبد المطلب، أن "هذا التفكير كان محاولة من أجل ما نسميه (حلحلة السوق)، بأن يكون هناك تنشيط للأصول الراكدة في شركة العاصمة الإدارية، ويعني أن تنتظر أن يتم تعويم الجنيه أو إيجاد سعر صرف مرن كما يقال، فإن هذا يحتاج إلى بعض الوقت".
ويرى أن "هذا يؤدي على الأقل إلى عدم وجود حركة في مسألة عرض أسهم العاصمة الإدارية في البورصات العالمية أو البيع لمستثمر رئيسي".
"المخاطر والفوائد"
وحول احتمالات وجود أية مخاطر من هذا الطرح، وكذلك الفوائد الاقتصادية التي تعود على مصر من طرح العامة الإدارية بالبورصات الخليجية والدولية، أكد عبد المطلب، أن "المخاطر قائمة، ولا يوجد شيء بدون مخاطر".
وأضاف أنه "يتم الاستيلاء على أسهم هذه الشركة من بعض عناصر غير مرغوب فيهم، ويتم أيضا التلاعب بأسهم الشركة في البورصات العالمية، ما يؤدي إلى إحداث خسائر لها، ولكن هناك محاذير يمكن أن تصاحب أي نشاط مالي في البورصات المالية العالمية".
ويعتقد أن "الفوائد على الأقل سوف يؤدي الطرح بالبورصات الخليجية والعالمية إلى نوع من أنواع الاستثمار، وكذلك سرعة دوران رأس مال شركة العاصمة الإدارية، وأيضا توفير جزء غير قليل من احتياجاتها من النقد الأجنبي من خلال مواردها الذاتية في ظل وجود أزمة النقد الأجنبي بالبلاد".
"بئر يبتلع الأموال"
وفي رؤيته الاقتصادية حول طرح أسهم العاصمة الإدارية الجديدة ببورصات خليجية ودولية، أعرب الخبير الاقتصادي والاستراتيجي، علاء السيد، عن أسفه الشديد لأن "العاصمة الإدارية تحولت لأكبر بئر لابتلاع القروض الخارجية الضخمة، والتي لن تستطيع مصر سدادها بأي حال دون تفريط بالأصول".
رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى ما يمثله "نقل دواوين الحكومة المصرية وبنوك المعلومات واحتياطيات الذهب والعملة الأجنبية والاحتياطيات الاستراتيجية من الحبوب والأغذية إلى العاصمة الإدارية من خطر".
ويعتقد أن "قرب العاصمة الجديدة من الكيان المحتل جغرافيا هو الذي يجعله يطمع في ضم سيناء ومنطقة قناة السويس ومحافظات شرق النيل"، مؤكدا أنها "مخاطرة بالغة، وتعريض للأمن القومي المصري للخطر الداهم".
الخبير والأكاديمي المصري واصل عرض رؤيته قائلا: "ثم يأتي طرح جزء من أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصة المصرية وبورصات أجنبية للحصول على سيولة لإنهاء المشروعات المعلقة لتكتمل الطامة".
وأكد أنه "يُظهر المخطط الذي تعمل الحكومة المصرية على تنفيذه لخدمة أجندات لا علاقة لها بمصر ولا بشعبها ولا بأمنها ولا بأمن المنطقة ولا بمصالح أمتنا نهائيا للأسف الشديد".
ويرى أن هذا "يدعونا للتحذير من خطورة الطريق الذي تسلكه الدولة على استقرار ومصالح مصر وشعبها ومستقبلها وعلى أمن المنطقة ككل".
"سداد قسري للديون"
وفي إجابته عن سؤال "عربي21" "هل طرح العاصمة الإدارية ببورصات خليجية ودولية الطريقة الأفضل لجذب الاستثمارات الخليجية والدولية والمستثمرين للعاصمة الجديدة؟"، فقد أعرب السيد عن أسفه مجددا.
وقال: "يؤسفني القول إن حصيلة بيع أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة في البورصات العربية والعالمية لا يعتبر جذبا للاستثمارات بل، يعد سدادا قسريا لديون خارجية لا قدرة لمصر على سدادها ولا سداد خدمة هذه الديون".
بل ويعتقد أنه "تنازل مبطن عن أصول مصر وتعريض لأمنها القومي للخطر الجسيم استراتيجيا".
وعن البورصات الخليجية التي قد تلجأ لها القاهرة لطرح حصص العاصمة الإدارية، توقع الخبير المصري، أن "تكون بورصتا دبي وأبوظبي هما المستهدفتين عربيا لصالح صناديق استثمار وشركات متعددة الجنسيات تمتلك كيانات ذات جنسية إماراتية، سوف تضع يدها على ما يُعرض من أسهم بأبخس الأثمان".
وعن البورصات الدولية المرجح الطرح من خلالها، رجح السيد، "ووفقا لتصرفات وتعاملات سابقة للحكومة المصرية أن تكون بورصة لندن".
وأشار إلى وجود مخاطر من هذا الطرح، موضحا أن "الخطر لن يكون في الطرح الأولي عظيما؛ لكنني أتوقع طروحات مقبلة متتالية يزداد الخطر كلما زادت نسبة ما سيتم طرحه تباعا".
وتوقع أن "تكون هناك خطة خارجية مرسومة فعليا لذلك سوف تنفذها الحكومة المصرية في التوقيتات التي تُفرض عليها من الدائنين، ومن صندوق النقد الدولي، والشركاء الدوليين والإقليميين للصندوق والذين يحكمون قبضتهم على الملف الاقتصادي والمالي لمصر منذ سنوات".
وعن الفوائد الاقتصادية التي تعود على مصر من طرح العاصمة الإدارية بالبورصات الخليجية والدولية أكد السيد، أن "ضخ بعض الأموال بالدولار الأمريكي سيسهم في تدبير العملة الصعبة المطلوبة لسداد ديون أخرى وخدمتها، وكذا تأمين استيراد السلع الغذائية الاستراتيجية على الأرجح".
لكنه أكد في نهاية حديثه أنه "لا فوائد اقتصادية أخرى في تقديري، بل جلب لمخاطر أمن قومي، واستمرار لإحكام قبضة الكيانات الإماراتية التابعة بشكل أو بآخر للكيانات المالية العالمية التي يملكها يهود العالم وصهاينته للأسف الشديد".