على إثر الإعلان عن هدنة بين الاحتلال
وحركة المقاومة الإسلامية
حماس، حاورت "عربي21" اللواء الطيار
المتقاعد، والمحلل الاستراتيجي مأمون أبو نوار، الذي اعتبر أن إسرائيل لم تحقق حتى
الآن، أهدافها التي أعلنت عنها في بداية المعركة.
وأكد أبو نوار أن الاحتلال فشل إلى
الآن في تدمير الأنفاق وإنهاء حركة حماس، وتوقع كذلك أن تطول الحرب لشهور، على
الرغم من أنه يرى أنه من الصعب التنبؤ بمدة هذه الحرب.
ولفت إلى أن تدخل حزب الله في المعركة
بشكل أكبر، قد يُشعل المنطقة، إلى جانب تدخل الفصائل المسلحة العراقية والحوثيين
في اليمن.
وأكد أن إسرائيل اتبعت استراتيجية
القتل المقصود وتدمير البنية التحتية، ومع ذلك لم تُحقق أهدافها؛ لذلك انتقلت
للعمل البري، والهدف الأهم هو تهجير سكان القطاع نحو الجنوب، الذي لم يتحقق أيضا.
وتاليا نص الحوار:
ما تقييمك العسكري لحرب طوفان الأقصى
حتى هذه اللحظة؟
أولا، إسرائيل حتى هذه اللحظة لم تحقق
الأهداف التي وضعتها، وهي إنهاء حماس وتدمير الأنفاق، أيضا الاستراتيجية التي
اتبعتها لا تلائم طبيعة قطاع
غزة بشكل عام والمقاومة التي سوف تواجهها.
هي كانت في حالة غضب بعد 7 تشرين
أول/أكتوبر، وقامت بعمليات عسكرية معتقدة أنها سوف تربح الحرب من الجو، واستخدمت
ما يسمى بـ "حلقة الموت" أي القتل المقصود، وتدمير البينة التحتية من
أجل خلق الرعب والهلع والخوف لإخواننا في غزة وتهجيرهم نحو الجنوب، ولكنها لم
تنجح في ذلك، ولهذا بدأت بالعمل العسكري البري.
الآن، الهدف الإسرائيلي هو تطويق مركز
مدينة غزة، عبر سيطرتها على عدة مناطق، منها مخيم الشاطئ وشارع الرشيد وبيت لاهيا
وغيرها، وهي تحاول وضع طوق حول غزة وإيجاد موطئ قدم لها لعمل عمليات نحو داخل
المدينة، ومن ثم هي لم تحقق أيا من أهدافها وبرأيي هذه الحرب ستكون طويلة.
بالمقابل كيف تقيم وضع المقاومة؟
أعتقد أن المقاومة وصلت لمستوى عالَ،
وتصدت بشكل أسطوري وبكل بسالة، مستخدمة الأنفاق والقنص والكمائن والألغام، وهذه
كلها وسائل تستخدم في حرب المدن التي تكون صعبة، وتأخذ وقتا من الزمن. بالمقابل، إسرائيل تحاول الدخول للمباني ومعالجة الإنفاق، وقد سخرت كل التكنولوجيا لهذا
الأمر، ولغاية اللحظة لم تسيطر على الوضع كما هو الحال المعتاد في حرب المدن.
هذه الحرب دموية واستنزافية، وإسرائيل
هدفها بعد السيطرة في الشمال تهجير جميع السكان نحو الجنوب، وهي حققت نوعا من
السيطرة البسيطة وقسمت القطاع لقسمين، ولكن ذهاب أهلنا في غزة نحو الجنوب أي إلى
مصر أو الأراضي المحتلة كما ترغب إسرائيل، لم يتحقق.
لكن، باعتقادي إسرائيل سوف تخسر الحرب،
أو ستعد هزيمة لها، هي فقط تمكنت من السيطرة على غزة المدينة، ولا يوجد لها
استراتيجية حول كيف ستخرج من هذه الأزمة، وكيف ستنهي هذه الحرب.
قلتَ؛ إن إسرائيل حققت سيطرة بسيطة في
الشمال، لكن بالمقابل لا زالت المقاومة تطلق قذائفها تجاه الدبابات الإسرائيلية
هناك، هل يمكن اعتبار ذلك أن إسرائيل وصلت إلى الشمال لكن دون سيطرة؟
نعم، هي وصلت ولكن دون سيطرة، وأعتقد
فيما يخص عملية ضرب الصواريخ، حماس لا زالت قادرة على ضرب نظام الدولة في إسرائيل
بشكل عام وقد تستطيع شلها، كذلك تستطيع ضرب قيادات ومناطق حساسة جدّا بواسطة هذه
الصواريخ، وهي ترسل رسالة مفادها؛ أنه -بالرغم من حصاركم نحن لسنا واهنين، ونستطيع
اختيار الزمان والوقت المناسب لضربكم-، وبشكل عام هذه الصواريخ تؤدي دورا كبيرا في
الحرب.
برأيك هل تصمد الهدنة التي تم الإعلان
عنها، وهل سيتم تمديدها؟
التاريخ يشير بكل وضوح إلى أن هُدنا كهذه، تكون هشة وهي عبارة عن إجراءات مؤقتة بين الطرفين ويمكن خرقها بسهولة، خاصة
في ظل عدم وجود قوات أممية أو مراقبين أممين على هذه الممرات والمساعدات داخل
القطاع، لكي تمنع العدو من التدخل في هذه الإجراءات.
ومن ثم، هذه الهُدن لن تنهي الوضع
الحالي في غزة، أو تقود إلى وقف إطلاق نار دائم يؤدي لمفاوضات وتفاهمات نحو
تسوية، وهي بالنهاية هدنة لتبادل الأسرى وتقديم المساعدات لأهلنا في غزة.
وعلى الرغم من أن هذه الهدنة إنسانية،
ولكن يجب أن يكون من ضمن هذه الهُدن إطار سياسي وقرارات أممية تؤدي لعملية سياسية
وتسوية، فنحن نرى مذابح تحدث يوميا، لكن يبدو أن العالم لا يريد إيقافها، ولذلك أتوقع
أن يستمر القتال بعد هذه الهدنة.
وأرى أن الهدنة فقط لشراء الوقت، ولصرف
الانتباه عن الحلول المجدية، وعلى الرغم من أن قطر بذلت جهودا نبيلة ومباركة تُشكر عليها للوصول لهذه الهدنة الإنسانية،
لكن لا بد أن يكون هناك عملية سياسية بين الطرفين، فالهدنة القصيرة لا فائدة
كبيرة فيها، ولكنها بالمعنى العسكري تفيد أحيانا، فهي عبارة عن وقفة تعبوية
لإعادة تقييم الخطط وترتيب الوضع من جهة حركة حماس.
لكن البعض يعد قبول المقاومة بهذه
الهُدن مغامرة، خاصة في ظل استخدام إسرائيل للأقمار الصناعية حتى مع توقف
الطيران، ما رأيك بذلك؟
نعم، إسرائيل لديها عدة أقمار صناعية
وتستطيع أن ترى الوضع والصورة بوضوح يصل لأمتار، وتستطيع كشف الأرض وقد تشاهد ما
يحدث، ولكن لا يعني ذلك أن حماس أخطأت بقبول الهدنة، خاصة أنه تم منع تحليق
طائرات الاستطلاع خلال الهدنة.
وبشكل عام هذه القيادة والسيطرة عبر
الأقمار الصناعية هي موجودة منذ بداية الحرب، ومربوطة هي وطائرات الاستطلاع
بشاشات مراقبة على الأرض، ومن ثم لا أعتقد أن لها هذا التأثير الكبير حتى خلال
الهدنة، فحتى مع وجودها خلال الحرب، كانت المقاومة مستمرة بعملها.
في الشارع العربي، هناك من يقول بأن
المقاومة انتصرت، على الجهة المقابلة هناك من يقول بأنها خسرت، خاصة في ظل عدد
الشهداء الكبير ودمار آلاف المباني، ما رأيك؟ ومن الناحية العسكرية كيف يمكن
تقييم الانتصار؟
أعتقد صمود إخواننا في غزة، حماس
والجهاد الإسلامي هو بمنزلة نصر حتى هذه اللحظة؛ لأننا نحن نتحدث عن دولة نووية، تمتلك كل القدرات القتالية مع إمداد غربي بدون خجل، وهذه الحرب أعدّها ضد الإنسانية، وإسرائيل لا تأبه بكل المواثيق الدولية.
ولكن إذا إسرائيل أخذت فقط شمال القطاع، هذا يعد هزيمة لها، وحتى تقول إسرائيل إنها ربحت الحرب وتملي شروطها، يجب أن تحتل جميع القطاع وتسيطر عليه، وهذا صعب
ولا تستطيع ذلك؛ لأن مثل هذه المقاومة عادة تصمد، خاصة أنهم كانوا جاهزين لهذه
الحرب، ويعرفون العدو وغاياته، واستوعبوا عقيدته القتالية.
وأعتقد أن هذه الحرب سوف تستمر لأشهر،
بالطبع لا يمكن أن أتنبأ بالمدة، ولكن عادة حرب المدن تكون طويلة، خاصة في ظل وجود
الأنفاق، وبرأيي سوف تستمر الحرب حتى الوصول لتسوية، خاصة أن لغة الغرب بدأت تتغير
بالنسبة للوضع الإنساني وانكشاف وجه إسرائيل الحقيقي.
هل تعتقد أن خوف نتنياهو على مستقبله
السياسي قد يساهم في إطالة أمد الحرب؟
نعم، قد يكون هذا جزءا من الأسباب، ولكن
أنا لا أؤمن بذلك كثيرا، فالإسرائيليين هؤلاء امتداد لعصابات الهاغانا والأرغون، وهنالك أيديولوجية دموية بهذا الخصوص، وأعتقد هم كلهم على الصفحة نفسها، بغض النظر
عن الانقسام الداخلي الذي تفاقم أيضا نتيجة قضية الرهائن والأسرى الموجودين لدى
حماس.
هل ما قدمه حزب الله حتى
الآن كاف، وما المطلوب منه؟ وهل يستطيع تقديم أكثر من ذلك؟
نعم يستطيع، ولكن أنا أعدّ أن الحلف
الإيراني ووكلاءه في المنطقة، يجب أن يكون لديهم نظام معركة موحد، ويجب عليه
التدخل لأنه هنا سوف يوقف الحرب، لأن حزب الله وإيران وتأثيرها في المنطقة غيّر
التوازنات في المنطقة، ووصلت إلى معادلة الدمار الشامل المتبادل المؤكد بينها وبين
إسرائيل؛ نتيجة للقوة الصاروخية التي تمتلكها.
أيضا حزب الله وصل لهذه المعادلة،
ويمكن أن يقدم أكثر من هذا عبر توسيع الجبهة أكثر لتشتيت الجهد الإسرائيلي، وكلما
تم توسعة الجبهات، سيؤدي ذلك لتشتيت الجانب الإسرائيلي، لكن هل يمكن أن يغير ذلك
مسار الحرب كاملا؟ ممكن إذا تم التدخل بشكل أكبر من قبل حزب الله.
لكن من جهة أخرى، هناك من يقول بأن دخول
حزب الله للحرب سيدمر لبنان، ومن ثم سيكون دخوله فيه ضرر أكبر، ما رأيك بذلك؟
أنا أعتقد أنه إذا تدخل حزب الله، سوف
تلتهب المنطقة وهي على أية حال ساخنة، لكن سوف تتدمر المنطقة ككل، كذلك سوف تتدخل
إيران والفصائل العراقية وسوريا عبر توجيه الصواريخ نحو إسرائيل، والحرب سوف
تمتد، لكن هم الآن يسيرون على خيط رفيع، وما يجري في جنوب لبنان وشمال إسرائيل
الآن هو ضربة بضربة، ولكن توسيع الضربات بشكل مسيطر عليه، يمكن أن يؤدي لعملية ردع
بالنسبة للتوغل الإسرائيلي في قطاع غزة.
لو تم السماح بمظاهرات مليونية في دول
الطوق على الحدود مع إسرائيل، هل يمكن أن ينهي ذلك الحرب؟
إنهاء الحرب! لا أعتقد ذلك، فقد رأينا
مظاهرات مليونية أيضا في الغرب، في لندن وواشنطن وغيرها، ولا أعتقد أن هذه المظاهرات ستغير رأي إسرائيل، فهذه
المظاهرات عبارة عن رسائل تضامن، وهذا أمر مطلوب، ولكن لن يغير شيئا بالنسبة لإسرائيل،
فكما قلت: هؤلاء طبيعتهم دموية، وسوف يستمرون في الحرب على القطاع، وهزيمتهم
مربوطة باستمرار المقاومة سياسيا وبالسلاح، ووصلنا لهذه المرحلة حتى الآن،
وبالنهاية سيكون تسوية.
وممكن أن تؤدي الحروب في بعض الأحيان
إلى تسويات سياسية، على الرغم من أن البعض يرفض هذه الفكرة، إلا أنني أقول؛ إنه
عندما يصلون بشكل متكافئ في عوامل أخرى اقتصاديا وسياسيا وتكلفة بشرية عالية على
إسرائيل، يمكن الوصول لتسوية.
ولكن، هذا سوف يعيدنا إلى الحروب
السابقة بين القطاع وإسرائيل، بمعنى تهدئة مقابل تهدئة تؤدي إلى وقف إطلاق نار،
ومع ذلك أرى أن هذه الحرب ستكون مختلفة بنتائجها.
شهود عيون من غزة قالوا؛ إنهم شاهدوا
جنودا أمريكيين مع جيش الاحتلال، برأيك هل ستتدخل واشنطن عسكريا بجنود أكثر؟
لا أعتقد ذلك، هي تدخلت في الحرب
بطريقة غير مباشرة، عبر الأسلحة والعمليات الاستخبارية والتكنولوجيا.. إلخ،
وساعدت إسرائيل بهذا الخصوص، فالقنابل التي تم استخدامها ضد القطاع كثير منها
أمريكية، وإسرائيل تعتمد عليها كثيرا، ولكن لا أعتقد أنها ستشارك أكثر، وعموما
مقاومو حماس لا يخافون الموت، ويطلبون الشهادة، وعقيدتهم إيمانية بأنهم يدافعون عن
إسلامهم ودينهم، وهذه الحرب قلبت العالم رأسا على عقب.
كيف تتوقع نهاية الحرب؟
يمكنني القول بأنه لا يمكن لأحد التنبؤ
بنتائج هذه الحرب، خاصة أنه في الحروب غير المتكافئة من الصعب التنبؤ بنتائجها،
لكن طبيعة هذه الحرب ستكون طويلة ودموية واستنزافية لكلا الطرفين، وستأخذ وقتا لحين
تغير الظروف، وقد تستمر لأشهر.