مقابلات

العفو الدولية لـ"عربي21": إعمار غزة سيحتاج لـ10 سنوات على الأقل (شاهد)

عربي21
قال المتحدث باسم منظمة العفو الدولية رامي حيدر، إن "إعادة إعمار قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب ستأخذ 10 سنوات على الأقل، وذلك بحسب ما رأيناه من أبراج سكنية وأحياء بالكامل تمت تسويتها بالأرض، وهذا إن كانت الحالة طبيعية، وما لم تفرض إسرائيل الحصار وتضع قيودا على إدخال مواد البناء والوقود".

وأضاف، في مقابلة مصورة مع "عربي21": "حجم الدمار الذي ألحقته هذه الحرب بقطاع غزة حتى اليوم لا نعرف مداه؛ لأن القصف ما زال مستمرا ومُدمّرا، ولا يمكن إدخال الخبراء لفحص ذلك".



ونوّه المتحدث باسم منظمة العفو الدولية، إلى أن ما رصدوه في غزة "يفوق بكثير مصطلح الكارثة الإنسانية؛ فنحن نتحدث عن إبادة عائلات بالكامل، ولم تبقِ عائلة إلا وفقدت عزيزا عليها"، مؤكدا أن "أزمة الدواء والغذاء في غزة قد تحتاج لأكثر من سنتين لمحاولة حلها".

وشدّد حيدر على أن "إسرائيل لم تقدم دليلا واحدا على أنها تقصف أهدافا عسكرية"، متسائلا: "كيف تزعم ولدينا أكثر من 12 ألف ضحية حتى الآن أكثر من نصفهم من النساء والأطفال؟ هل هؤلاء الأطفال والنساء يُمثلون أهدافا عسكرية؟ فضلا عن قصف المستشفيات والمدارس".

وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":


لماذا قلتم إن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وانتهكت القانون الدولي الإنساني في حربها على غزة؟

قلنا هذا الأمر لعدة أسباب ولكثير من الجرائم التي رصدناها ووثّقناها، بدايةً من قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة، وهي جريمة قد ترقى لمستوى "جريمة حرب"؛ لأنها تمنع أبسط مقومات العيش الكريم لمجموعة من المدنيين تعيش تحت الحصار، ومن ثم تلاها منع دخول الدواء، والغذاء، والوقود، والكهرباء، وغير ذلك من المواد الأساسية.

بالإضافة إلى التهجير القسري الذي حدث في قطاع غزة؛ فإسرائيل تدعي أنها تطلب من السكان ترك منازلهم والنزوح إلى جنوب قطاع غزة أو إلى جنوب وادي غزة، وكأن جنوب قطاع غزة مكان آمن، وهي لم تطلب ذلك لأنها تريد أن تحقق أي شيء، ومعظم الذين نزحوا من منازلهم نزحوا بسبب تفجير منازلهم، ولم يبق لهم أي سقف يؤويهم مع الأسف الشديد.

ثالثا: إسرائيل استعملت الفسفور الأبيض ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، وهو سلاح محرم دوليا، وقد تمكّن مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية بفلسطين من التحقق من خلال مقررات معينة من التأكد بأن إسرائيل استخدمت الفسفور الأبيض.

رابعا: الحصار المُطبق الذي تفرضه إسرائيل، وتمنع دخول أي شيء إلى قطاع غزة.

كما أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة؛ فقد أبادت عائلات كاملة، وتمكّنا من توثيق إبادة 8 عائلات كاملة في قطاع غزة، من الجد إلى أصغر حفيد، وتم حذف قيدها من السجل المدني نهائيا، ولم يبقِ أي شخص منهم على قيد الحياة.

إسرائيل تبرر هجماتها المتواصلة على غزة بأنها تقصف "أهدافا عسكرية".. فهل هناك دليل على أن تلك المناطق هي "أهداف عسكرية" بالفعل؟

لم تقدم إسرائيل حتى اليوم أي دليل على أي هدف عسكري تم قصفه، ولا يمكن لإسرائيل أن تقول إنها تقصف فقط أهدافا عسكرية بعدما وصل عدد الضحايا أكثر من 12 ألفا، وهناك أكثر من 30 ألف مصاب، ولا نعرف العدد النهائي للضحايا لأن هناك المئات أيضا ما زالوا تحت الأنقاض، ولا نعرف مصيرهم.

على إسرائيل أن تثبت أنها لا تقصف إلا الأهداف العسكرية فقط، وبحسب القانون الدولي: إن كان هناك هدفا عسكريا مُحاطا بمجموعة مدنية فعلى إسرائيل أن تحاول قدر الإمكان ألا تمس هذه المجموعة المدنية، وهذا ما لا يحدث في قطاع غزة.

لا يمكن أن تقول إنني أقصف فقط أهدافا عسكرية ولديك أكثر 12 ألف ضحية أكثر من نصفهم من النساء والأطفال؛ فهناك تقريبا 5 آلاف طفل قُتلوا بالقصف الإسرائيلي، فهل هؤلاء الأطفال "أهدافا عسكرية"، وما هي الأهداف العسكرية التي تحوي 5 آلاف طفل.

لا يُقبل أن تقصف مستشفى كما حدث في المستشفى الأهلي (المعمداني) أو غيره ثم تأتي وتقول لي إنك تقصف "أهدافا عسكرية"، ولا يُقبل أن تصيب سيارات إسعاف.

كما لا يقبل أن تقصف مدارسا تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، والتي تحوي آلاف الأشخاص بداخلها وتقول: نحن نقصف "أهدافا عسكرية". حقيقة، إسرائيل لم تقدم دليلا واحدا على أنها تقصف "أهدافا عسكرية".

كيف تنظرون لأوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حاليا خاصة في ظل استخدام إسرائيل سلاح الاعتقال الإداري على نطاق واسع؟

ما تفعله إسرائيل في ملف الأسرى أمر مؤسف للغاية؛ ولم نتمكن من توثيق شهادات بسبب منع فريقنا من العمل بالداخل، أو الدخول للسجون وتوثيق ما يحدث، لكن وفق الشهادات التي تأتي عن أسرى فلسطينيين فإنهم يتعرضون لأشد أنواع التنكيل، وأشد أنواع إساءة المعاملة منذ سنوات، وبشكل لم نعهده من قبل.

وسلاح الاعتقال الإداري مُخالف للقانون الدولي، وإسرائيل تعتقل الفلسطينيين بكثرة في الأيام العادية، واليوم تتذرع إسرائيل بأنها في "حالة طوارئ"، وعندما تستخدم أنظمة "الطوارئ" لا يُعدّ هناك قانونا؛ لأن كل شيء يعزوه إلى حالة الطوارئ؛ فليسوا بحاجة للعودة إلى القانون، أو إلى نظام القضاء، ويتركون الأمور لتقديرات الوزير، أو للشرطة، أو لحرس السجون، وبالتالي يستطيعون ممارسة أي نوع من التنكيل يريدونه، ويعتمون عليه إعلاميا ويمنعون كل منظمات حقوق الإنسان من الدخول وفحص ما يحدث داخل السجون.

لماذا ترفض إسرائيل السماح لمنظمة العفو الدولية بدخول غزة منذ عام 2012 وحتى الآن؟

إسرائيل ترفض دخول منظمة العفو الدولية لقطاع غزة من قبل 2012؛ فقد كان هناك مكتبا للمنظمة في القطاع، وأغلقته إسرائيل بشكل كامل قبل 2012 بكثير، واليوم لدينا فريق صغير في قطاع غزة، وهناك بعض الزملاء الذين يعملون بقدرات خاصة تحت القصف.

وإسرائيل وضعت هدفا لها، وهو إفقاد منظمة العفو الدولية شرعيتها؛ بسبب التقارير التي قدّمناها عن إسرائيل وانتهاكها لحقوق الإنسان في فلسطين، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص.

بدأ حصار قطاع غزة عام 2007  تقريبا، وهناك الكثير من التقارير التي قدّمناها عن جرائم إسرائيل، وانتهاكاتها في قطاع غزة، والتي لا تريد أن نوثقها، أو أن نقدّمها للعالم، لذا هي تحاول التضييق علينا بكل السبل المتاحة لها.

ولم يقتصر الأمر فقط على قطاع غزة، بل امتد الإغلاق إلى مكاتبنا في تل أبيب، ورام الله، وفي القدس، وفي كل مكان تستطيع فيه إسرائيل التضييق على منظمة العفو الدولية، بسبب ما تقدّمه المنظمة من تقارير، وتوثيق للانتهاكات.

بالتالي، كيف تقوم منظمة العفو الدولية بممارسة دورها وجمع الشهادات والأدلة من غزة في ظل المنع الإسرائيلي لها؟

هناك طريقتين نعمل بهما: الأولى عن طريق بعض الزملاء الذين يعملون في القطاع وهم من سكان غزة، والثانية عن طريق بعض المتعاقدين معهم بشكل حر الذين نتعامل معهم في قضايا معينة، ويستطيعون توثيق ورصد كل ما يُطلب منهم.

من جهة أخرى، هناك موضوع الفوسفور الأبيض، هذا السلاح المُحرّم دوليا الذي استخدمته إسرائيل مؤخرا، والكثير من الأمور الأخرى في قطاع غزة نستطيع رصدها، وتحريكها من خلال مختبر أدلة الأزمات الذي تملكه منظمة العفو الدولية، من خلال مقارنة الصور والفيديوهات، وكل ما يتعلق بتوثيق مسرح الجريمة التي ترتكبها إسرائيل، ومقارنته مع أماكن أخرى بواسطة التقنيات التكنولوجية حتى نتمكن من التأكد أن هذا ما حدث.

وزارة الخارجية الإسرائيلية اتهمت منظمة العفو الدولية بمعاداة السامية والتحيز ضد إسرائيل.. ما ردكم على تلك الاتهامات الإسرائيلية؟

في عام 2022 اتهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية منظمة العفو الدولية بأنها "معادية للسامية" بسبب التقرير الموسع الذي تضمن أكثر من 300 صفحة، والذي أثبت أن إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم سواء في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية المحتلة، أو في الداخل. ولم تقف وزارة الخارجية الإسرائيلية عند هذا الحد، بل حاولت التضييق علينا بكل السبل.

هناك فرق كبير بين ما يسمونه "معاداة السامية"، وبين انتقاد إسرائيل وفضح جرائمها؛ فليس من المعقول أن كل مَن ينتقد إسرائيل، أو يقول إنها تمارس نظام الفصل العنصري، أو أنها تُحاصر قطاع غزة، أو أنها تنتهك حقوق الإنسان، أو تنتهك القانون الدولي والإنساني، وتنتهك كل المواثيق الدولية السلمية.. يعتبر "معادٍ للسامية"؛ فمعاداة السامية شيء، وانتقاد جرائم إسرائيل شيء آخر.

وزارة الخارجية أو إسرائيل الرسمية على وجه العموم تتملص من كل مَن يحاول انتقاد إسرائيل، أو يقدم بالدليل والتوثيق ويثبت للعالم أن إسرائيل ترتكب جريمة أو تنتهك حقوق الإنسان، أو تنتهك القانون الدولي.. تتملص من ذلك بوصفه "معادٍ للسامية"؛ حتى يتم التعاطف معها، ومحو كل ما قالته الجهة التي تنتقدها.

ما تقييمكم لحجم الاستجابة الإقليمية والدولية للأوضاع في غزة؟

مع الأسف، حتى اليوم الاستجابة ليست على قدر المطلوب، ربما كانت هناك استجابة جيدة على مستوى التبرعات، والمواد الإغاثية، والأدوية، والغذاء، لكنها تنتظر في الجهة المصرية عند معبر رفح الحدودي، وحتى اليوم لم يُمارس الضغط على إسرائيل لإدخال هذه المواد.

إسرائيل ما زالت تضرب بعرض الحائط كل المطالبات لوقف إطلاق النار، وكل المطالبات لفك الحصار، وكل المطالبات لإدخال الغذاء والدواء والوقود والمواد الأساسية لقطاع غزة.

قطاع غزة اليوم بات على شفا كارثة إنسانية، وكل القوى الإقليمية لم تفعل شيئا جديا للضغط على إسرائيل لتوقف هذه الكارثة.

برأيكم، كيف يمكن وضع حد لـ"الكارثة الإنسانية" في غزة؟

نحن نعمل على أكثر من مستوى من أجل وقف هذه الكارثة بما نملكه من أدوات، بداية نحن نحاول التوجّه لإسرائيل رسميا والضغط عليها لوقف القصف، ولوقف إطلاق النار، ولفك الحصار، وإدخال كل المواد الإغاثية الموجودة في الجانب المصري، وإعادة إنعاش القطاع ومعالجة الجرحى، وتقليل أكبر قدر ممكن من الضحايا؛ من أجل أن تعود المستشفيات، والعيادات الطبية للعمل، ومن أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سكان قطاع غزة.

كما نحن نحاول الضغط على الحكومات، خاصة الحكومات الغربية حليفة إسرائيل، من أجل أن تقوم بدورها في الضغط على إسرائيل لتحقيق هذا الهدف.

وهناك المستوى الثالث: وهو تقديم كل ما نرصده ونوثقه للرأي العام في كل الدول، حتى تتمكن الشعوب من الضغط على حكوماتها لتقوم بدورها بالضغط على إسرائيل، ونأمل أن ننجح في المساعي التي نقوم بها.

نعلم جيدا أن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل المطالبات بالهدن الإنسانية لإدخال كل المواد الإغاثية إلى القطاع، لكن يجب ألا ندخر جهدا في سبيل ذلك.

كم سيحتاج قطاع غزة من المساعدات والوقت لإعادة إعماره في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب وفق توقعاتكم؟

وفقا لما رصدناه في منظمة العفو الدولية، وما رصده الزملاء، وما نشاهده في وسائل الإعلام.. نرى أن ما يحدث في قطاع غزة فاق مصطلح الكارثة الإنسانية، نحن نتحدث عن إبادة عائلات بالكامل، ولم تبقِ عائلة إلا وفقدت عزيزا عليها.

حجم الدمار الذي ألحقته هذه الحرب بقطاع غزة حتى اليوم لا نعرف مداه؛ لأن القصف لا زال مستمرا ومُدمّرا، ولا يمكن إدخال الخبراء لفحص ذلك، لكن على مستوى الدواء والغذاء فقد يأخذ الأمر أكثر من سنتين.

غزة بحاجة إلى الكثير من المواد الإغاثية، وبحاجة إلى إعادة العمل لأكثر من 36 مستشفى وعيادة صحية، والقطاع الصحي بحاجة إلى ترميم لسنوات.

وإعادة الإعمار في المجمل قد تأخذ على الأقل 10 سنوات بحسب ما رأيناه من أبراج سكنية وأحياء بالكامل تمت تسويتها بالأرض، وهذا إن كانت الحالة طبيعية، ما لم تفرض إسرائيل الحصار، ووضعت قيودا على إدخال مواد البناء، والوقود بذريعة أنها تذهب إلى حركة حماس أو أنها تستعمل لبناء أنفاق.. في الوضع الطبيعي لا نعتقد أن الأمر سيستغرق أقل من 6 أو 7 سنوات مع الدعم الدولي الكامل لإعادة الإعمار، وإدخال كل المواد الطبية والغذائية إلى هناك.