يُحمَل
إطلاق مفهوم القهر على الضعف، فهناك قاهر قوي ومقهور ضعيف، لكن القاهر هنا هم
الفلسطينيون، والمقهور هو عدوهم الذي يبطش بكل رقعة في أرض فلسطين، ورغم أنه يبطش
لكنه مقهور بما جرى يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
يمكن
تعداد أوجه القهر للصهاينة في عدة ملفات، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا.
استفاضت
المقالات والتقارير في الناحية العسكرية، بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك ضربة
عسكرية مؤلمة وقعت في صفوف الكيان يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كما أن سير
المعارك لا يزال يؤكد أن
المقاومة ما تزال تستطيع إطلاق أسلحتها تجاه الأراضي
المغتصبة، وتستطيع مقاتلة مئات الآلاف المحتشدين أمام 40 ألف مقاتل، وتكبده خسائر مؤلمة،
وتستطيع الاحتفاظ بالأسرى بعد شهر من تدمير واسع وتكثيف استخباراتي لا سابق له في
مساحة صغيرة، ما يؤكد تماسك وقدرة المقاومة على الاحتفاظ بأوراق ضغط، وإدارة
العمليات بكفاءة. كما اهتزت صورة الجيش بقوة كبيرة في الداخل المحتل، وزاد من
اهتزاز صورته عمليات سرقة المنازل التي أخلاها المستعمِرون؛ من قِبَل جنودهم.
هناك ضربة عسكرية مؤلمة وقعت في صفوف الكيان يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كما أن سير المعارك لا يزال يؤكد أن المقاومة ما تزال تستطيع إطلاق أسلحتها تجاه الأراضي المغتصبة، وتستطيع مقاتلة مئات الآلاف المحتشدين أمام 40 ألف مقاتل، وتكبده خسائر مؤلمة، وتستطيع الاحتفاظ بالأسرى بعد شهر من تدمير واسع وتكثيف استخباراتي لا سابق له في مساحة صغيرة، ما يؤكد تماسك وقدرة المقاومة على الاحتفاظ بأوراق ضغط
على
المستوى السياسي، تبدو المقاومة مالكة لزمام الموقف، فهي التي تحدد ما تقبله من
مسارات سياسية وما ترفضه، وهي التي تحدد سقف مطالبها، ومساحات تنازلها، وهي التي
تفرض الشروط الآن بضغطها القوي بملف الأسرى، وبقاء قواتها على ساحات القتال. إذ لو
استطاع الاحتلال هزيمتها عسكريا فلن تقدر على مجرد التفاوض، لكنها الآن تفرض
الشروط ولا تقدم التنازل.
كذلك
أصبحت الهجرة من الأرض المحتلة أمرا متزايدا، ما يهدد بقاء الدولة المغتصِبَة،
وكانت سوَّقت للدنيا كلها قدرتها على الأمن والبقاء بالقوة التي لا نظير لها في
المنطقة، فاصطدم هذا الواقع بـ1200 رجل فقط، وتكدس الآلاف في مطار الاحتلال للهرب
من دولة الوهم.
من
جهة أخرى، فقد استفادت روسيا من العملية العسكرية في ملف أوكرانيا، وتتحدث تقارير
صحفية عن مقترح لاتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب، كما أن المعركة
أعادت روسيا بقوة إلى ملف الصراع العربي الصهيوني، وبالتالي تعزيز مكانتها الدولية.
وقد استضافت روسيا قادة من حماس، وتقوم بدور مناهض للتطلعات الأمريكية والأوروبية
في مجلس الأمن، ما سيجعل من المفاوضات المستقبلية فرصة لها لتقليل خسائرها منذ
الحرب الأوكرانية. وجدير بالذكر أن الدور الروسي في منطقتنا ليس محل ترحيب خاصة في
سوريا وليبيا، لكن رصد الوقائع يختلف عن قبولها أو رفضها.
وأخيرا،
فتحت المعركة باب النقاش مرة أخرى لقضية الحق الفلسطيني، في الحياة والأمن والحرية
والدولة المستقلة، وهي الأمور التي أُهدرت بتواطؤ فلسطيني وعربي ودولي، فجاء
الطوفان ليعيد كل الأمور إلى أماكنها الصحيحة.
أما
على المستوى الاقتصادي، فإن دولة الاحتلال تتكبد خسائر مليارية هائلة على مستوى
الاقتصاد الكلي، وعلى مستوى المعدات العسكرية أيضا. فالسياحة تراجعت بنسبة 76 في المئة
وهي نسبة مرشحة للزيادة، والمستعمرات الشمالية والجنوبية أخليت ويقطن أهلها في مخيمات
النزوح التي عانى منها الفلسطينيون منذ 75 عاما، وبالطبع هناك نفقات البطالة
وتعويضات خسائر القصف.
لكن
الخسارة الاقتصادية الأهم، ستكون في التسويق للمعدات الاستخباراتية والعسكرية التي
يُنتجها الكيان المحتل، فبعد الفشل الاستخباراتي الهائل أمام معدات غير متطورة،
وقدرات تكنولوجية محدودة تملكها مجموعة غير نظامية، واقتحام مواقع استخباراتية
سرية وسحب بياناتها وتأمينها، وأمام تدمير مدرعات وآليات قيل إنها من الأفضل في
العالم، لكن وُجِد أنها تُدمَّر بقذائف "محلية الصنع"، فمَن سيتعامل مع
هذه المنتجات مرة أخرى إلا في سياق العبث وإهدار أموال دافعي ضرائب هذه الدولة؟
الوضع
الإعلامي هو الأكثر غرابة في سياق هذا الطوفان، إذ اندلع هجوم إعلامي دولي شرس على
المقاومة الفلسطينية، وفي خضم الزهو بقدرة الاحتلال والدول الداعمة له على ترويج
أي رواية، نُشرت أكاذيب وادعاءات من قِبل نتنياهو وجو بايدن أيضا، فضلا عن وسائل
إعلام كبرى، وسرعان ما انكشفت الأكاذيب بصورة مخزية، ما أحدث شرخا في الرواية
المعادية للمقاومة، وبدأت الكفة تبتعد عن الرجحان المطلق للرواية الصهيونية.
كذلك،
تسبب عنف الاحتلال ومشاهد قتل المدنيين وخاصة الأطفال في إلجام المواقف الإعلامية
المدافعة عنه، بل انتشرت التظاهرات الضخمة في أنحاء العالم ضد الوحشية الصهيونية
والدعم الغربي له، بينما لم يحدث نفس التفاعل الشعبي مع خسائر الصهاينة، وهذا نجاح
إعلامي قبل أن يكون سياسيا، ما دفع بايدن إلى أن يشكك في أرقام الوفيات بصورة أسهمت
في تعزيز الشكوك في كفاءته الذهنية، لكن جاءه الرد سريعا من الأمم المتحدة بدقة
الأرقام وفقا لسوابق في معارك أخرى، ودعمت وزارة الصحة في
غزة بياناتها بإعلان
الأسماء، وهي خطوة مهمة في مسار إلجام ألسنة المتواطئين والمشاركين في العدوان،
فانتهت سريعا محاولات مطالبة الفلسطينيين بإثبات أنهم يُقتلون.
أما
الانتصار الإيماني، فهو لهؤلاء الذين لهجت ألسنتهم بذكر الله مع كل قذيفة تُطلق
عليهم وكل هجوم يباغتهم، شغلوا المتابعين الذين تساءلوا عن مصدر قوة إيمانهم الذي
يتملك قلب مكلوم يحمل بين يديه عزيزا عليه ارتقى إلى ربه، أو ينظر إلى بيته وهو
مهدَّم، مثنيا على ربه رغم كل ذلك قائلا: "الحمد لله".