ضجت مواقع التواصل الاجتماعي
ووسائل الإعلام
المصرية بتصريحات الرئيس عبد الفتاح
السيسي التي أدلى بها منذ أيام
خلال افتتاحه معرض اتحاد الصناعات في القاهرة.. فاجأ السيسي الحضور بطلب "الوقوف
دقيقة حداد على أرواح الضحايا كل الضحايا المدنيين اللي سقطوا بإجلال واحترام"
على حد تعبيره، واستطرد لاحقا في الحديث عن الأزمات والصراعات التي تمر بها منطقة
الشرق الأوسط، محاولا تمرير رسائل للداخل والخارج بعد القصف الذي استهدف الأراضي
المصرية ثلاث مرات متتالية منها مرتان خلال يوم واحد.. قال السيسي مخاطبا الحضور:
"إن مصر دولة ذات سيادة ويرجو من الجميع أن يحترمها"، بيد أن الرجل
جانبه الصواب كعادته عندما يتحدث ليظل سؤالي: هل
السيادة الوطنية تُحفظ برجاء
رئاسي أم بالفرض والقوة؟
خلال الأيام القليلة الماضية
تعرض النظام المصري لعدة أحداث كشفت عن تفريطه الواضح في السيادة المصرية واتخاذ
موقف منبطح إزاء الاعتداءات التي تعرضت لها الأراضي المصرية، بدءا من القصف
الإسرائيلي لنقطة مراقبة حدودية تابعة للجيش المصري، والقصف التي تعرضت له مدينتا
طابا ونويبع في السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، فضلاً عن الموقف الرسمي الحالي للدولة
المصرية تجاه الحرب على قطاع
غزة الذي يؤكد أن النظام الحالي حط من مكانة مصر
وقرارها السيادي وسلطتها الوطنية على معبر رفح المصري..
" الله يرحمه أبو علاء..
كان بيوقف 15 شاحنة أمام المعبر ويعدي 1500 شاحنة من الأنفاق".. هكذا قارن
أحد الأصدقاء بين سياسة الرئيس السابق حسني مبارك والحالي عبد الفتاح السيسي في
التعامل مع قطاع غزة. فالأول ذكر في أحد خطاباته الشهيرة التي أعاد البعض تداولها
على وسائل التواصل الاجتماعي؛ أن التهريب عبر الأنفاق أمر طبيعي وهو نتيجة للحصار
التي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، وأن الاتفاق الإسرائيلي الأمريكي لمراقبة تهريب
السلاح غير ملزم للدولة المصرية، على عكس السيسي الذي لم يألُ جهداً منذ أيامه
الأولي في الحكم في القضاء على الأنفاق تماماً وتفريغ اجزاء واسعة من رفح المصرية
وقراها لضمان وقف حركة التهريب بشكل تام. قد يظن البعض أن الرجلين القادمان من نفس
المؤسسة العسكرية يتشابهان في التكوين الفكري، إلا أن لكل منهما سياسة واضحة تجاه
القضية الفلسطينية والتعامل معها باعتبارها قضية أمن قومي مصري..
منذ بداية الحرب وبعد قرار
الحكومة الاسرائيلية بقطع إمدادات الماء والكهرباء والوقود عن قطاع غزة سارع
السيسي عن الإعلان عن تخصيص مطار العريش لاستقبال المساعدات الدولية الموجهة لقطاع
غزة، وحرصت أجهزته الأمنية لاحقا على تصوير اصطفاف العشرات من شاحنات المساعدات
أمام معبر رفح؛ لتصدير صورة ضغط للخارج بأن النظام المصري سوف يقوم بإدخال مساعدات
لقطاع غزة، لتتضح لاحقا الصورة العكسية لضياع السيادة المصرية على معبر رفح بسبب
عجز الدولة المصرية عن إدخال المساعدات إلا بموافقة مسبقة من أمريكا وإسرائيل،
فضلا عن تفتيش إسرائيل شاحنات المساعدات قبل دخولها إلى القطاع.
فشل نظام السيسي في كل
الملفات التي تذرع بها في انقلابه ليأتي إلى الحكم للحفاظ عليها، إلا أنه نجح بشكل
غير مسبوق بتضييع السيادة الوطنية المصرية في كل موقف اختبرت فيه قدرة الدولة
المصرية في الحفاظ عليها، بدءاً من التفريط في جزيرتي تيران وصنافير إلى السماح
ببناء سد النهضة واستكمال عمليات ملئه. فالجنرال صاحب الرجاء باحترام السيادة يبدي
التسامح مع "الأخطاء" الإسرائيلية المتكررة، سواء بالقصف الخاطئ على الأراضي
المصرية أو بإذعانه التام للأوامر الإسرائيلية بمنع إدخال المساعدات لقطاع غزة،
ويتسامح أيضا مع الدولة الإثيوبية في تهديدها للأمن القومي المصري، بينما يدهش
الجميع بمواقفه الصلبة الحازمة مع معارضيه السياسيين؛ مستخدماً القوة والبطش في
التعامل معهم ومحاولاً التخلص منهم داخل معتقلاته بكل السبل؛ إما قتلاً بأحكام
قضائية أو بالإهمال الطبي.
وليس ببعيد عنا الحوار الشهير
الذي دار بين رئيس حزب العدل عبد المنعم إمام والسيسي، خلال المؤتمر الوطني للشباب
قبل أربعة أشهر، حينما طالبه إمام بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإصدار قائمة
عفو جديدة وإغلاق ملف المعتقلين نهائيا.. ليرد السيسي بنبرة صوت غاضبة بأن موضوع
المعتقلين بالنسبة له إنقاذ وطن وإنفاذ قراره وأنه لا يخاف أبدا!..