استعرضت مجلة "كريتر" التركية في
مقال رأي للكاتب دينيز، استقبال رحلة
الاقتصاد التركي منذ تأسيس الجمهورية سنة 1923 حتى يومنا هذا، موضحًا تأثير الأحداث التاريخية والتحولات السياسية على الاقتصاد التركي.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن
تركيا حققت العديد من النجاحات الاقتصادية في القرن الماضي وتحولت الصناعة التركية، بما في ذلك البنية التحتية والبنية الفوقية، إلى أحد الفاعلين العالميين، وأصبحت في سنة 2023 الدولة الصناعية الرابعة عشرة الأكبر في العالم.
وذكر الكاتب أن الخطوات السريعة التي تم اتخاذها، في عهد الدولة العثمانية، بعد إصدار فرمان الإصلاح، أسفرت عن وضع حجر أساس الصناعة التركية.
لكن بشكل عام، بدأت الحملة الصناعيّة في فترة الجمهورية من خلال التركيز على غرب ووسط الأناضول، وحققت تقدمًا كبيرًا من خلال الانتشار في جميع أنحاء البلاد. في سنة 2023، وصلت تركيا إلى حجم اقتصادي بلغ 1.15 تريليون دولار لأول مرة في تاريخ الجمهورية، وأصبحت تساهم بنسبة 1.2 بالمئة من التجارة العالمية.
وأشار الكاتب إلى أن الصناعة التركية، كأحد أهم القطاعات التي تساهم في هذا النمو، تمكّنت من رفع مستوى الإنتاج من 200 مليون دولار في 1923 إلى 358 مليار دولار في 2023.
خطوات التصنيع (1923-1950)
بعد اضطرابات طويلة ومدمّرة مثل الحرب العالمية الأولى وحرب الاستقلال التركية، أنهت الجمهورية في 1923 فترة الحروب، وما بين 1923 و1929، تم اتباع سياسة ضريبية منخفضة في الجمارك وفقًا لمعاهدة لوزان، بينما بدأت خطوات التصنيع تتسارع منذ أوائل الثلاثينيات.
وأدت زيادة
النمو الاقتصادي بنسبة 3 أضعاف تقريبًا في الفترة من 1923 إلى 1938 إلى زيادة الدخل الفردي أيضًا.
وما بين 1939و1945 أثّرت الظروف المادية القاسية للحرب العالمية الثانية على البلاد بعمق، ولم يتمكن مستوى الإنتاج من تحقيق النمو المطلوب بسبب الممارسات الخاطئة مثل ضريبة الثروة إضافة إلى تجنيد الجزء الأكبر من القوى العاملة في الخدمة العسكرية.
لكن البقاء خارج الحرب والإيرادات من الصادرات منعت حدوث أزمات مالية وتراكمت احتياطيات تزيد على المليار دولار في البنك المركزي. نتيجة لذلك، فإنه عاد النمو الاقتصادي إلى مستوياته السابقة في الفترة من 1946 إلى 1950.
حرير الاقتصاد والتنمية الاقتصادية (1951-2001)
مع وصول الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس إلى السلطة في سنة 1950، تسارعت خطوات الليبرالية الاقتصادية. وقد ساهم انضمام تركيا إلى حلف الناتو في سنة 1952 والقروض والمساعدات والمنح من الدول الغربية في تطوير اقتصاد البلاد.
وأوضح الكاتب أن الحزب الديمقراطي اعتمد سياسات تشجع التجارة الخارجية، وجعل الإنتاج الزراعي أكثر حداثة، وسرع الاستثمارات في البنية التحتية.
وقد أدى التصنيع الذي تم تنفيذه بالشراكة مع القطاع الخاص إلى نمو كبير. فعلى سبيل المثال، زاد عدد أماكن العمل/ الشركات من 23 ألف في 1950 إلى 73 ألفا في 1960. وفي سنة 2002، ارتفع عدد الشركات إلى 720 ألفا، أما في سنة 2023، وصل عدد أماكن العمل/ الشركات إلى 2.4 مليون.
وبيّن الكاتب أن حزب الديمقراطي ساعد في تطوير المبادرة الخاصة في الصناعة التركية ما بين 1950 إلى 1960. ومع ذلك، أدى الانقلاب العسكري لسنة 1960 إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 31 مليار دولار إلى 19.6 مليار دولار. وما بين 1973 إلى 1980، تم تحقيق نمو كبير على الرغم من أن الحكومات الائتلافية لم تحقق التنمية الاقتصادية المطلوبة.
وقد قفز الناتج القومي من مستوى الـ36.9 مليار دولار في 1973 إلى 111 مليار دولار في سنة 1979، ولكن بسبب الانقلاب العسكري لسنة 1980، انخفض إلى 92.8 مليار دولار.
ومن 1983 إلى 1993، حكم حزب الوطن الأم قام بخطوات تحريرية فتحت أبواب صناعة تركيا للعالم، حيث تمت محاولة بناء هيكل اقتصادي تنافسي من خلال التصنيع الداخلي والتخلي عن السياسات الاستيرادية.
وبعد وصول الناتج القومي إلى 248.6 مليار دولار في سنة 1993، تولت حكومات ائتلافية الحكم حتى سنة 2002، وشهدت الاقتصاد الوطني فترة صعبة.
وقد رافق التراجع في الناتج القومي الإجمالي إلى مستوى 200 مليار دولار في الأزمة المالية لعام 2001 زيادة عدم المساواة في الدخل والفقر، وتسببت الأزمة في تلك الفترة في تدمير الصناعة التركية بشكل كبير بسبب انهيار البنوك والفوائد غير المدفوعة.
وتم التعامل مع عدم الاستقرار في النظام المالي فقط من خلال برنامج صندوق النقد الدولي. ومنذ سنة 2002، عندما تولى
حزب العدالة والتنمية الحكم بعد الانتخابات، قدّم مساهمة كبيرة في تنمية البلاد، تماما كما فعل الحزب الديمقراطي وحزب الوطن الأم في الفترات السابقة.
الاقتصاد التركي ومئوية تأسيس الجمهورية (2002-2023)
ذكر الكاتب أن الفترة من 2002 إلى 2023 تمثل فترة تاريخية في الاقتصاد التركي، وتحتوي على العديد من الإنجازات التي حدثت لأول مرة. في تلك الفترة، أصبحت البنية التحتية للإنتاج القائمة على الصادرات أقوى، وأصبحت نفقات القطاع العام أكثر كفاءة، وانخفضت نفقات الفائدة.
في غضون 22 عامًا، أنفق القطاع العام 770 مليار دولار على الاستثمارات في البنية التحتية، ووصل مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 266 مليار دولار. وساهم انتشار شبكات النقل في جميع أنحاء البلاد، وزيادة التجارة الداخلية، وارتفاع القوة الشرائية بشكل كبير في تطوير الاقتصاد التركي.
من الناحية السياحة، أصبحت تركيا أكبر دولة سياحية في أوروبا، وصعدت إلى المركز الرابع في إيرادات السياحة الدولية، مع وصول الإيرادات إلى أكثر من 50 مليار دولار سنويًا مما جعلها لاعبًا عالميًا في قطاع السياحة.
ويمكن القول إن هناك تطورا مماثلا في قطاعات الزراعة والخدمات. ففي سنة 2002، كانت تركيا تعتبر واحدة من أكبر عشرين اقتصاد زراعي بقيمة 24.48 مليار دولار، بينما في سنة 2023 وصلت قيمة الإنتاج إلى 70 مليار دولار لتصبح تاسع أكبر اقتصاد زراعي على مستوى العالم.
حققت تركيا تقدما كبيرا في قطاع الصناعة، وهو أحد أكثر القطاعات نجاحًا في البلاد. وقد مكّنتها استثمارات البحث والتطوير التي بلغت 166 مليار دولار ما بين 2002 و2023 من تحويل الصناعة إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا.
وفي سنة 2002، كانت تركيا مصدّرةً للتكنولوجيا المتوسطة المنخفضة، لكنها أصبحت في سنة 2023 منتجة ومصدرة للتكنولوجيا المتوسطة العالية.
وقد تمكنت تركيا من إنتاج أكثر من 96 بالمئة من السلع التي يتم إنتاجها على مستوى العالم، وتصديرها إلى 193 دولة، لتصبح بذلك الاقتصاد الصناعي الثالث عشر الأكبر في العالم.
في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، أكملت تركيا تقريبا استثمارات البنية التحتية لبناء دولة حديثة.
وعلى الرغم من وجود مجموعة من المشكلات، إلا أنه للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية، تجاوز الدخل القومي مستوى التريليون دولار هذا العام أيضا، كما أنه تم تحقيق أعلى مستوى للدخل الفردي في تاريخ الجمهورية، حيث وصل إلى 13.383 دولار. وحسب نصيب الفرد من القدرة الشرائية، أصبحت تركيا الاقتصاد الحادي عشر الأكبر في العالم بدخل يبلغ 3.6 تريليون دولار.
وأكّد الكاتب أن للاستقرار السياسي طيلة 22 عامًا دور كبير في النجاحات التي تم تحقيقها، حيث ستنتقل تركيا، التي قطعت شوطا طويلا في التنمية الاقتصادية، إلى مستوى أعلى في سنة 2024.
حيث ستحصل على وضع "الدولة المتقدمة" بدخل قومي يبلغ 1.34 تريليون دولار ودخل فردي يبلغ 15,343 دولارًا وفقًا لصندوق النقد الدولي. وفي سنة 2030، كما ستحتل تركيا مكانها بين أكبر عشر اقتصادات في العالم بدخل قومي يبلغ 1.7 تريليون دولار وقدرة شرائية تبلغ 6 تريليون دولار.
الصناعة التركية والثورة الصناعية الجديدة (2002-2030)
ذكر الكاتب أن أحد أهم التطورات في القرن الحادي والعشرين هي الثورة الصناعية الجديدة التي تسمى بإعادة التصنيع.
وتتمثل الثورة الصناعية الجديدة في استخدام التكنولوجيا بشكل أكبر في عمليات الإنتاج. تخطط بعض الدول مثل كوريا الجنوبية والصين واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتحويل بنيتها التحتية الصناعية من خلال حزم استثمارية بتريليونات الدولارات. ويمكن القول إن هناك اتجاهًا مماثلًا في تركيا أيضًا.
وبناءً على بيانات صندوق النقد الدولي، من الواضح أن قيمة إنتاج الصناعة التركية ستستمر في الارتفاع خلال السنوات القادمة.
لكن التطوّرات الجديدة في عمليات الإنتاج قد تؤدي إلى إبعاد الصناعة التركية، للحد من ذلك، يمكن التركيز على تحويل الصناعة باتجاه التكنولوجيا.
ومن المتوقع أن تصبح الصناعة التركية، التي ستنمو بنسبة تقارب الـ50 بالمئة بين 2023 و2030، واحدة من أكبر الصناعات في العالم.