مقابلات

حقوقية أمريكية لعربي21: واشنطن قد تغير علاقتها بمصر بعد قضية الرشوة

إدارة بايدن تعتزم حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر- عربي21
وصفت المديرة التنفيذية لـ"مبادرة الحرية" أندريا براسو، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، قرار رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بن كاردين، بحجب 235 مليون دولار من الأموال الخاصة بالمساعدات العسكرية للحكومة المصرية بأنه "قرار مهم من الكونغرس الأمريكي، ورسالة واضحة مفادها أن التدخل في العملية الديمقراطية الأمريكية غير مقبول".

والثلاثاء، قرر بن كاردين ممارسة مسؤوليات اللجنة الرقابية وسلطاته الكاملة للاحتفاظ بالأموال الخاصة بالمساعدات العسكرية للقاهرة، بما فيها بيع الأسلحة حتى تتخذ خطوات ملموسة وهادفة ومستدامة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها.

وأشار بن كاردين، في بيان له وصل "عربي21" نسخة منه، إلى أنه يمارس صلاحياته كرئيس للجنة العلاقات الخارجية لمنع التمويل العسكري الأجنبي لمصر حتى تتخذ الحكومة المصرية خطوات ذات معنى لتحسين حقوق الإنسان في البلاد، لافتا إلى أنه تحدث مع وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في هذا الصدد.

وبتلك الخطوة يكون قد وصل إجمالي الأموال الأمريكية التي من المقرر حجبها عن القاهرة إلى 320 مليون دولار.

وكان السيناتور الأمريكي، كريس ميرفي، قد أعلن، في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، أن إدارة بايدن تعتزم حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر.



انتصار للحركة الحقوقية

وأضافت براسو أن "قرار بن كاردين يعد انتصارا للحركة الحقوقية التي راهنت على أن جهود رفع الوعي بالوضع في السجون المصرية، وحث الإدارة الأمريكية على مدار السنوات الماضية على استخدام المعونة لتحسين الوضع الحقوقي في مصر، قد آتت ثمارها".

وتابعت: "أعتقد بأن السيناتور كاردين اتخذ قرارا صحيحا. لا يزال أمام الخارجية الأمريكية فرصة للرد عليه، لكني أعتقد أن التكلفة السياسية لرفض مقترح كاردين ستكون عالية جدا"، منوهة إلى أن "كاردين كان قد لوّح أيضا بأنه سيقف للإدارة المصرية بالمرصاد، ويمنع مبيعات السلاح، إذا لم ير تقدما في بعض الملفات الحقوقية، وعلى رأسها ملف الحبس الاحتياطي".

وواصلت براسو، حديثها بالقول: "منذ نشأتها ومبادرة الحرية معنية بجعل ملف المعتقلين السياسيين على رأس أجندة العلاقات المصرية الأمريكية، وها هي جهودنا تكلل بالنجاح. نطمح إلى أن يستمر ربط المعونة بالإفراج عن آلاف المعتقلين من السياسيين وأصحاب الرأي، وفي تصورنا أن هذا الأمر مع الوقت سيساهم في انفراجة هذا الملف؛ فهذه ليست سوى البداية. وعلى الإدارة المصرية الآن الإفراج عن المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي".

رشوة مينينديز
وفي سؤالها عن مآلات لائحة الاتهام الموجّهة إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي روبرت مينينديز، قالت براسو إنها "ربما تؤدي إلى إعادة النظر في العلاقات الأمريكية المصرية، وذلك في حال ثبوت صحة تلك الاتهامات".

ومؤخرا، جرى الكشف عن قضية اتهام السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز بقبول رِشى مقابل ممارسة النفوذ لمساعدة نظام عبد الفتاح السيسي، حيث أنهما قبلا مئات الآلاف من الدولارات مقابل استغلال منصبه لصالح السلطات المصرية.

وهذه هي المرة الثانية التي توجّه فيها وزارة العدل الأمريكية اتهامات بالفساد ضد مينينديز خلال عشر سنوات.

وأضافت براسو: "المعتقلون السياسيون وحقوق الإنسان في صميم هذه الأزمة؛ حيث أن الاتهامات الموجّهة تقول بأن الإدارة المصرية دفعت هذه الرشاوى نظير تدخل مينينديز لوقف الحجب عن المعونة لمئات الملايين التي كانت مرهونة بتحسين الوضع الحقوقي بمصر. إذا ثبتت هذه الاتهامات، فهذا دليل على أن الحكومة المصرية أحرص على رشوة مشرع أمريكي من الدفاع عن حرية المصريين".

وأردفت الحقوقية الأمريكية: "هذه القصة تحظى باهتمام كبير في واشنطن، وتثير بالفعل تساؤلات كثيرة حول مدى نزاهة السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالتعاملات الأمريكية مع مصر، خاصة أن السيناتور مينينديز كان من أقوى القيادات في مجلس الشيوخ الأمريكي".

وواصلت براسو، حديثها بالقول: "تثير هذه القضية أيضا مخاوف بحجم الدمار الذي نجم عن هذه العلاقة، والتي قد تكون استمرت لسنوات. إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة؛ فهذه قطعا ليست المرة الأولى التي تقوم بها السلطات المصرية بتهديد مواطنيها بالخارج". 

وتابعت: "نعمل في مبادرة الحرية على تأمين مجتمعات المنفى من العنف العابر للدول والقارات، حيث تحاول الإدارة المصرية مد حدودها خارج نطاقها الجغرافي وبسط نفوذها في العواصم الغربية. وعلى الإدارة الامريكية الالتفات لهذه المحاولات واتخاذ إجراءات عقابية صارمة تجاه مرتكبيها".


موقف سيء

واعتبرت قرار وزير الخارجية الأمريكي بإرسال المساعدات إلى القاهرة "موقفا سيئا"، مضيفة: "إذا كان هناك جانب مشرق في لائحة الاتهام هذه، وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فسوف يؤدي ذلك إلى إعادة النظر في العلاقات الأمريكية المصرية".

واستطردت قائلة: "إذا ثبتت الاتهامات ضد مينينديز وشركائه، فإن هذا سيفتح لنا بابا جديدا في محاسبة المسؤولين المتورطين في هذه الجرائم ويضاف إلى سجل الانتهاكات التي نسعى إلى وقفها من خلال استخدام آليات للمحاسبة القانونية".

وأكملت: "الآن، لا أستطيع التنبؤ بالنتيجة النهائية لإعادة النظر هذه، لكنني أعتقد أنها تعطي فرصة لمنظمات مثل مبادرة الحرية، وللمواطنين داخل مصر الذين يطالبون بتغيير تلك العلاقة، للقيام بذلك وربما لإيصال صوتهم".

موقف عباس كامل
وبخصوص موقف مدير المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، من قضية الرشوة التي ورد فيها اسمه واحتمالية منعه من دخول الولايات المتحدة، قالت: "على الرغم من أن لائحة الاتهام تزعم أن السيناتور مينينديز قد التقى عباس كامل، إلا أن الأخير غير مُتهم بأي جرائم، لذا فإن قدرته على السفر إلى الولايات المتحدة لن تتأثر الآن".

واستطردت الحقوقية الأمريكية، قائلة: "ما سنراه في الأسابيع والأشهر المقبلة هو احتمالية الكشف عن المزيد من المعلومات للعامة، خاصة أن بعض المتهمين قد يختارون التعاون مع المحققين الفيدراليين".

ولفتت براسو إلى أن "مجلس الشيوخ الأمريكي والإدارة الأمريكية قد يقرران متابعة تحقيقاتهما الخاصة في هذه الادعاءات، وقد تصبح المزيد من المعلومات متاحة للعامة مرة أخرى، لكن في الوقت الحالي، لا يوجد ما يمنع عباس كامل من السفر إلى الولايات المتحدة".

وبسؤالها عن مدى تأثير هذه القضية على العلاقات الأمريكية المصرية، أجابت: "إن دلت القضية على شيء فهو مدى تأثر القرار المصري بالقرار الأمريكي والصلات الوثيقة بين ما يحدث في واشنطن وما يحدث بالقاهرة، وهذا إن دل على شيء فهو أهمية العمل السياسي والحقوقي هنا لا سيما إن كان معنيا بتحسين مناخ حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين، وهو ما تعمل عليه مبادرة الحرية".

سابقة تاريخية
كما أضافت: "هذه الادعاءات سابقة تاريخية في العلاقات المصرية الأمريكية؛ فبالرغم من أن السيناتور مينينديز مُتهم بتلقي الرشوة نظير المطالبة بالإفراج عن المعونة، إلا أن العديد من أعضاء الكونغرس وأعضاء الإدارات المتعاقبة أيّدوا أيضا إرسال تلك المساعدات".

واستطردت قائلة: "إذا أقرّ السيناتور مينينديز أو أي من المتهمين الآخرين بالذنب، أو إذا تمت إدانتهم في المحاكمة؛ فقد يوضّح ذلك أن مسؤولي الحكومة المصرية حاولوا بالفعل التدخل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وحينها ستكون هناك بعض العواقب".

وتقدم واشنطن لمصر منذ زمن طويل كميات ضخمة من المساعدات العسكرية وغير العسكرية، خاصة منذ أن وقعت أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان اتفاق سلام مع إسرائيل في عام 1979.

وتم حجب الكثير من هذه المساعدات في السنوات الأخيرة بسبب مخاوف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في ظل حكومة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، بما في ذلك الاعتقالات السياسية والتعذيب والاختفاء القسري.

ولم تتخذ حكومة الرئيس جو بايدن قرارا بعد فيما يخص المعونة الأمريكية لمصر بالرغم من قرار الكونغرس بوقف 320 مليونا من أصل 1.3 مليار دولار أمريكي سنويا.