أثار تدريس السيرة الذاتية والتاريخ الفني، للممثلة
المصرية سميحة أيوب، لتلاميذ الصف السادس الابتدائي، غضب أولياء الأمور، خاصة أن منهاج هذا الصف الدراسي هو الأحدث والذي يجري عليه تطبيق عمليات التطوير الجارية منذ 6 سنوات، حينما أمر بذلك رئيس النظام عبد الفتاح
السيسي.
ورغم أن وزارة التعليم، ردّت على انتقادات تدريس تاريخ الفنانة سميحة أيوب، لتلاميذ سن الثانية عشرة، بالقول "إنها شخصية مؤثرة بمجال المسرح"، إلا أن الانتقادات أخذت منحى آخر، حيث ارتفعت مطالب أولياء الأمور نحو "تدريس سير وتاريخ مؤثرين آخرين أكثر أهمية"، معتبرين تدريس تاريخ ممثلة هو "تسطيح لعقول الأطفال وتركيز القدوات في مجال الفن دون غيره".
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة التعليم، شادي زلطة، في بيان له، السبت الماضي، إن "إلقاء الضوء على تاريخ الفنانة القديرة كشخصية مصرية مؤثرة، يأتي في إطار تعريف الطلاب بأبرز الشخصيات المؤثرة في مجال المسرح، بكتاب المهارات والأنشطة للصف السادس الابتدائي".
من جانبها، أعلنت سميحة أيوب الملقبة بـ"سيدة المسرح العربي"، في عدد من اللقاءات الصحفية عن سعادتها، مشيدة بدور الدولة المصرية الراقي لهذا الاختيار، واعتبرته تكريما للفنانين وتتويجا لمسيرتها، داعية لتدريس سيرة فنانين آخرين، وإثراء المسرح المدرسي.
تجدر الإشارة إلى أن الممثلة المصرية، تبلغ من العمر 91 عاما، حيث ولدت عام 1932، وبدأت مسيرتها الفنية في عمر الـ15 عاما، وتجاوزت سنوات عملها السينمائي والمسرحي والتلفزيوني الـ75 عاما، بدأتها بفيلم "المتشردة" عام 1947، فيما تخرجت في المعهد العالي للتمثيل عام 1953، وأدارت المسرح القومي 14 عاما منذ (1975 وحتى 1989)، ولها نحو 170 مسرحية.
"غضب وانتقادات"
أثار خبر حضور سميحة أيوب في
مناهج التعليم المصرية حالة من الجدل، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما بين غضب البعض وسخرية البعض الآخر، حيث أكد المنتقدون أن "هناك من هم أكثر قيمة أدبية وفنية وعلمية ودينية وتاريخية وأصحاب رسائل وأدوار مؤثرة بالمجتمع المصري والعربي".
إلى ذلك، تساءل الناشط علي نجيب، الذي يُعرف نفسه عبر منصة الـ"فيسبوك" بـ المستشار التعليمي، قائلا: "ما إنجاز أيوب كي يتم تدريس سيرتها بالمناهج الدراسية؟"، مضيفا: "وإلى متى يتم تهميش سيرة القامات؟"، متابعا تساؤلاته عن كيفية تقدم مصر بهذا الشكل.
فيما رأى آخرون، أن الانتقادات التي طالت وضع سميحة أيوب بكتاب للصف السادس الابتدائي، في غير محلها، موضحين أن الموضوع جاء بمادة المهارات والأنشطة في نشاط المسرح، معتبرين أن حضور الفنانة المصرية هنا، هو أمر طبيعي.
وذهب بعض المنتقدين لاتهام السيسي، بأنه يسعى للقضاء على التعليم، ويريد للمصريين البقاء في حالة جهل كي يمكنه السيطرة عليهم، مشيرين لقوله السابق في 26 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2017: "ويعمل إيه التعليم في وطن ضائع".
"ترحيب.. ومطالبات"
لكن وعلى الجانب الآخر، رحب فنانون ومخرجون وكتاب ومؤثرون بتوجه وزارة التعليم، وطالبوا عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، بالمزيد من الخطوات، بينها دعم المسرح المدرسي.
وأشارت الإعلامية المصرية، هالة سرحان، إلى إنجاز أيوب كرائدة للمسرح العربي، مؤكدة عبر منصة إكس (تويتر سابقا)، أنها "ساهمت بتطوير المسرح الجاد كمدرسة فنية"؛ فيما انتهز الكاتب والمؤلف عبدالرحيم كمال، الفرصة من أجل انتقاد "غياب المسرح المدرسي"، قائلا: "الأعجب من رفض البعض تدريس سيرة سميحة أيوب، أنه لا يوجد مسارح بالمدارس".
من جهته، قال المخرج، يسري نصر الله، إن "عدم تدريس السينما والمسرح والفنون في المدارس يخلق أجيالا بلا وجدان ولا إحساس بالجمال". بينما أشار الناقد الفني، طارق الشناوي، إلى "خطأ في المعلومات المعروضة عن أيوب، في الكتاب المدرسي".
وأوضح الناقد الفني، أنها ليست خريجة معهد السينما عام 1952، كما هو مدون بالكتاب، موضحا أن "معهد السينما أنشئ بعد هذا التاريخ"، متهما القائمين على الأمر بـ"العشوائية في وضع المناهج والاستسهال وتدوين معلومات خاطئة".
"تخريب متعمد"
وفي قراءته لدلالات تدريس وزارة التعليم المصرية سيرة ممثلة مسرحية مصرية لطلاب الصف السادس الابتدائي، أشار الكاتب والباحث والناقد الأدبي خالد الأصور، إلى توجه حالي، أوضح معالمه في حديثه لـ"عربي21"، بالقول: "حين نتأمل الأسماء التالية: صفاء حجازي (محطة مترو)، وجيهان السادات (طريق محور)، وسمير غانم (كوبري)؛ ونضم إليهم سميحة أيوب".
وهو هنا يلفت إلى وضع أسماء الإعلامية صفاء حجازي على محطة مترو الزمالك تشرين الأول/ أكتوبر 2022، واسم زوجة الرئيس أنور السادات على محور يربط شرق وجنوب القاهرة في كانون الثاني/ يناير الماضي، واسم الفنان سمير غانم، على كوبري بشرق العاصمة القاهرة، بأمر من السيسي في 2021.
وأكد الباحث المصري، أنه "بالطبع لا اعتراض من حيث المبدأ على اختيار أسماء فنانين وإعلاميين لتُطلق أسماؤهم على طرق وكباري ومحطات وغير ذلك، لكن الاعتراض الأول هو على مكانة تلك الشخصيات في مجالها مقارنة بغيرها".
وأوضح أنه "في الفن مثلا، هناك أسماء مثل المخرج عاطف الطيب (1947- 1995)، والفنانين محمود المليجي (1910- 1983)، وزكي رستم (1903- 1972)، ومحمود مرسي (1923- 2004)"، متسائلا: "أليسوا أولى من سمير غانم – كوميدي ولد عام 1937، وتوفي 20 أيار/ مايو 2021".
وتابع: "في الإعلام، محمد عبدالقادر حاتم (1918- 2015) –واضع البنية الأساسية للإعلام المصري في خمسينيات القرن الماضي، وعبدالمنعم الصاوي (1918- 1984) –وزير الثقافة والإعلام الأسبق-، وحمدي قنديل (1936- 2018) -إعلامي وصحفي مؤثر-"، متسائلا: "أليسوا أولى من صفاء حجازي-رئيسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون الراحلة في أيار/ مايو 2017-".
وفي الشخصيات النسائية العامة، تساءل الأصور: "لماذا چيهان السادات (1933- 2021)؟، وما هو معيار اختيارها؟، ولماذا لم يتم اختيار مثلا، سميرة موسى، (1917– 1952) -أول عالمة ذرة مصرية-، أو بنت الشاطئ (1913- 1998) -وهي عائشة عبدالرحمن المُفكرة المصرية وأول محاضرة بالأزهر الشريف-، أو درية شفيق (1908- 1975)، -من رواد حركة تحرير المرأة-.
أما الاعتراض الثاني وفق رؤية الباحث المصري، فهو على "اختيار شخصية من الأحياء لشبهة المجاملة، كما حالة سميحة أيوب، ففي الراحلين وتكريمهم الكفاية، وهذا للأسف امتداد لإطلاق أسماء أخرى على قيد الحياة على محطات مترو وطرق، مثل عدلي منصور -الرئيس المؤقت (2013- 2014)-، والمشير حسين طنطاوي قبل رحيله 21 أيلول/ سبتمبر 2021".
ويعتقد، أن "المسألة هنا أن الاختيار لا يتم من خلال لجنة شعبية أو حتى رسمية، بل تأتي الأسماء هكذا مباشرة من الباب العالي، وقد ألمح بذلك وزير النقل الحالي (الفريق كامل الوزير) حين أطلق اسم صفاء حجازي على محطة مترو الزمالك، كان التلميح واضحا أن هذا توجيه رئاسي". مستفسرا: "هل يأتي الأمر في إطار توجه لزرع قدوات لا تأثيرا سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا لها بين التلاميذ، بهدف تسطيح عقولهم وتحديد القدوات في إطار مجالات محددة كالفن والإعلام؟".
وفي إجابته، قال الأصور: "التربية أول أساس لها هو القدوة، ومما يقضي على القدوة الحسنة للشباب والنشء، هو إبراز هكذا شخصيات متواضعة أو أحسن التشبيهات متوسطة".
وختم حديثه بالإشارة إلى ما وصفه، بـ"تخريب التعليم"، موضحا أنه "في هذا السياق أيضا يجري على قدم وساق، وبشكل متعمد ومع سبق الإصرار والترصد، ليس فقط عبر نموذج القدوة، بل كذلك عبر الميزانيات المتدنية للتعليم بالمخالفة للنسبة المحددة لها في الدستور".
"ندفع ولا تعليم"
بالحديث إلى بعض أولياء الأمور، حول تدريس سيرة الفنانة المصرية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، قالوا إنه "لا يوجد تعليم في مصر من الأساس"، موضحين أنهم "منذ سنوات وغاب الاهتمام بالتعليم في المدارس"، مشيرين إلى انهيار المنظومة التعليمية بداية من المدرسة والمدرس وحتى المناهج، التي وصوفها بـ"الصعبة وغير المفهومة".
وأضافوا: "هناك اهتمام من الأسر بالتعليم بداية من الكتاتيب المنتشرة لتحفيظ القرآن، والحضانات المفتوحة بكل شارع وحي، مع سناتر الدروس الخصوصية من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، وجميعها خارج منظومة التعليم الرسمي، ويكلف أموالا طائلة"، مؤكدين عدم استغرابهم من "تدريس فيفي عبده كراقصة وليس سميحة أيوب فقط".
ماذا جرى للتعليم بعهد السيسي؟
وفي وقت مبكر من حكم السيسي ومطلع عام 2015، وجه بتجديد الخطاب الديني، وتفنيد كتب التراث، بدعوى أنها تحرض على العنف والإرهاب، وهو الأمر الذي ذهب إلى تطوير المناهج التعليمية، والذي طال مواد اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ بشكل خاص.
وفي شباط/ فبراير 2017، اعترف نائب وزير التعليم رضا حجازي، (الوزير الحالي) أمام البرلمان، أن "السيسي وجه الوزارة بحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من مادتي اللغة العربية والتاريخ، واقتصارها على مادة الدين فقط، بذريعة أن ذلك يعمل على نشر الأفكار المتطرفة".
وأعلن حجازي، حينها، عن "تدريس مادة جديدة متضمنة القيم المشتركة بين الدين الإسلامي والمسيحية واليهودية، ومبادئ التسامح والعيش المشترك في التعليم الأساسي". غير أنه برغم اعتراف حكومة السيسي، بخروج مصر من التصنيف العالمي للتعليم ما قبل الجامعي، إلا أنه أشاد بتجربة تطوير المناهج، حيث قال في 16 أيلول/ سبتمبر 2020، إن "المناهج التعليمية التى تم تنفيذها في مصر تعد من أفضل المناهج على مستوى العالم".
وكان وزير التعليم السابق، طارق شوقي، قد اعترف في تاريخ 8 أيار/ مايو 2017، بخروج مصر من التصنيف العالمي للتعليم، وخروج المنظومة التعليمية من "تصنيف دعم التنافسية العالمي بمجال التعليم الأساسي"؛ وبالفعل فلقد وضع مؤشر "دافوس" لجودة التعليم العالمي 2021، مصر بالمرتبة 139 عالميا من بين 140 دولة.
واتهم الوزير، في العام الماضي، "نظام التعليم الحالي الذي جعل هدف الطلاب الأول تحقيق أكبر مجموع فقط"، بأنه السبب، متجاهلا العجز الكبير في المعلمين وعدم تعيين بدلاء عنهم، وفي المقابل الاستعانة بمعلمين مؤقتين بلا أجر ولا خبرة، وتقليص ميزانية التعليم في الموازنة العامة للدولة في عهد السيسي، بما يخالف نص الدستور.
وتبلغ موازنة التعليم قبل الجامعي بمشروع موازنة الدولة للعام المالي (2023-2024)، نحو 160 مليارا و341 مليون جنيه، حوالي 1.2 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي، المُقدر بنحو 13 تريليونا و233 مليار جنيه بالموازنة الجديدة، وفق إعلان مجلس النواب 17 أيار/ مايو الماضي.
"أمر غير مستغرب"
وفي رؤيته حول ما يجري من تطوير في المناهج التعليمية في مصر، قال الأكاديمي المصري، محمد عزب، إن "الموضوع قديم منذ عهد حسني مبارك"، مشيرا إلى "دور أستاذ التربية بجامعة حلوان الدكتورة كوثر كوجك، مؤسس مركز تطوير المناهج، في عهد الوزير حسين كامل بهاء الدين".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح محمد عزب أن "هذا أمر كتبت فيه الكاتبة المصرية الدكتورة نعمات أحمد فؤاد، عشرات المقالات في صحيفة الأهرام الحكومية تنتقد سياسات الوزير حسين كامل بهاء الدين".. لذا فإن "الأمر غير مستغرب أبدا من هؤلاء المناكيد".
ويرى أن "وجود سيرة سميحة أيوب منطقي، لأنها في مادة المهارات، وهي مادة مستحدثة غريبة تتحدث عن التمثيل والفن وغيرها"، مؤكدا أن "وجود سميحة منطقيا طبيعي، ولكن غير الطبيعي هو وجود المادة من الأساس".
وأشار إلى أن رأس النظام "رجل لا يعنيه هوية ولا شيء، ويمكن لأرذل الخلق في هذه المؤسسات، والتعليم مؤسسة خطيرة في تربية الأجيال وغرس الثقافات فيها".
"ضعف الإنفاق"
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حذر تقرير للبنك الدولي من تراجع حجم الإنفاق على التعليم بمصر، مؤكدا أنه يؤدي لنقص أعداد المعلمين والفصول، مشيرا إلى معاناة المدارس الحكومية من نقص المعلمين جراء وقف التعيينات ما يقابله زيادة أعداد الطلاب.
مصر، البلد العربي الذي يقطنه في الداخل نحو 105 ملايين نسمة، بها أكبر عدد من الطلاب بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعظمهم بالمرحلة الابتدائية، مسجلين رقما يفوق الـ24 مليون طالب بالتعليم ما قبل الجامعي، 90 بالمئة منهم بالمدارس الحكومية، وفي المقابل هناك أقل من مليون معلم، 40 بالمئة للمرحلة الابتدائية.
وتحدث البنك الدولي عن فقدان التعليم المصري جودة التعليم مع نقص عدد المعلمين البالغ نحو 250 ألف معلم وفق تصريحات رسمية لوزير التعليم السابق، ومع اكتظاظ الفصول الدراسية بنحو 56 طالبا في المتوسط بالمرحلة الابتدائية، مع الحاجة لبناء 117 ألف فصل دراسي في 5 سنوات، وفق التقرير.
وهو ما يقابله إهمال كبير في الإنفاق على التعليم من حكومة السيسي، الذي قال يوم 26 أيلول/ سبتمبر الجاري، إن "تطوير التعليم في مصر يحتاج إلى تريليون جنيه"، مؤكدا أن الدولة لا تستطيع أن تلبي هذا الحجم من الإنفاق".
التصريح الذي يأتي مخالفا هو واقع تخصيص السيسي، مليارات الدولارت لمشروعات إنشاء مدن العاصمة الجديدة والعلمين الجديدة والجلالة وغيرها، وما يتبعها من مشروعات نقل بتكلفة مليارية، أغلبها يجري تمويلها بديون خارجية.