فاجأت وكالة "
كابيتال إنتليجنس" الأسواق المحلية
المصرية والعالمية بتخفيض تصنيف
الديون المصرية، بعد نحو أسبوعين من تأجيل وكالة "موديز إنفستورز سرفيس" للتصنيف الائتماني، إعلان تعديل تصنيفها الائتماني السيادي لمصر لمدة ثلاثة أشهر.
كانت الحكومة المصرية تأمل في أن تلتقط أنفاسها خلال الأشهر الثلاثة التي منحتها لها موديز، حتى خفضت كابيتال إنتليجنس ديون مصر طويلة الأجل بالعملة المحلية والأجنبية إلى "B" من "+B" مع تعديل النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة، وهبط إلى نفس درجة تصنيف الديون قصيرة الأجل عند درجة "B".
وأرجعت الوكالة في تقرير لها، الجمعة، خفض التصنيف إلى حالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد المصري مع زيادة مخاطر التمويل الخارجي؛ بسبب ارتفاع احتياجات التمويل الخارجي للبلاد والمخاطر التي تهدد كفاية وتوقيت تدفقات التمويل.
ما أسباب خفض تصنيف مصر
أوردت الوكالة عدة أسباب لخفض التصنيف الذي يؤثر بشكل مباشر على جدارة مصر الائتمانية مثل بطء عمليات الإصلاح الاقتصادي، واستمرار وجود أكثر من سعر صرف للعملات الأجنبية، وسير إجراءات خصخصة الأصول بشكل متواضع.
وحذرت الوكالة من أن كل ذلك يؤثر على ثقة المستثمرين، وبالتالي سيؤثر سلباً على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والمدفوعات من المقرضين المتعددي الأطراف والثنائيين، ما يضعف قدرة الحكومة على خدمة التزاماتها الخارجية.
وأشارت إلى العديد من التحديات مثل النقص المستمر في العملات الأجنبية، ومعدلات
التضخم المرتفعة بشكل كبير، فضلا عن الضعف المستمر في المالية العامة، بما في ذلك المديونية المرتفعة للغاية وهيكل الميزانية الضعيف، وخدمة الديون المرتفعة للغاية.
وتعتقد الوكالة أن مصر تواجه أزمة في توفير تمويلات خارجية ضرورية بعد ربط دول الخليج مساعداتها بالسير قدما في برنامج الخصخصة، وعدم جاذبية العديد من الأصول المعروضة للبيع، مشيرة إلى أن حجم الديون الخارجية يبلغ 43% من الناتج الإجمالي.
في أيار/ مايو الماضي وضعت "موديز"، التصنيف الائتماني السيادي لمصر الذي يقيس قدرتها على الوفاء بالالتزامات طويلة الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية "قيد المراجعة السلبية" أو بغرض الخفض، وذلك بعد تخفيضها لتصنيف البلاد إلى B3 في شباط/ فبراير الماضي.
بالمثل قامت وكالة "فيتش" في 5 أيار/ مايو الماضي، بخفض التصنيف الائتماني لمصر من B+ إلى B، وتعديل النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية بسبب مستويات الدين العام المرتفعة.
ديون مصر تكبلها
أظهرت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس 2023 مقابل أقل من 40 مليار دولار في 2015.
يتعين على مصر سداد 55.2 مليار دولار (ودائع وخدمة ديون) في الفترة من آذار/ مارس 2023 إلى آذار/ مارس 2024 المقبل، وفقا لبيانات حديثة صادرة عن البنك الدولي.
وتأثر معدل الدين بتغير سعر الصرف ما رفع سقف توقعات الحكومة المصرية بأن يقفز الدين العام إلى 98% من الناتج المحلي، على أقل تقدير.
وانعكست أزمة نقص العملة الأجنبية على تفاقم عجز صافي الأصول الأجنبية المصرية وبلغت سالب 27.1 مليار دولار في حزيران/ يونيو الماضي، بحسب أحدث بيانات للبنك المركزي المصري، وهو الأسوأ من نوعه على الإطلاق.
وتوقع الموقع الإحصائي الدولي "ستاتيستا"، أن يصل حجم الدين القومي المصري إلى 510.32 مليار دولار في 2028، مقابل 132.86 مليار دولار في 2018، بزيادة تبلغ 360.7 مليار دولار ونسبة ارتفاع تتجاوز 284 بالمئة.
خفض جديد مقلق
في سياق تعليقه، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور إبراهيم نوار، إن "توالي خفض التصنيف الائتماني من قبل وكالات التصنيف العالمية كافة هي رسائل تحذيرية للحكومة المصرية بضرورة تصويب أوضاع اقتصادها لتجنب السقوط في درجات أقل، خاصة أنها وصلت إلى مستويات مقلقة".
نوار، وفي حديثه لـ"عربي21" حذر من تداعيات خفض التصنيف "التي تعكس عدم الثقة في سياسات الحكومة الاقتصادية، ويزيد من تكلفة خروجها من الأزمة الاقتصادية، وبالتالي فإنه يجب الاعتماد على أفكار جادة وخطط مدروسة لتجنب المزيد من الخفض مستقبلا".
ورأى أن "آخر شيء تريد أن تسمعه أي حكومة هو خفض تصنيفها لائتماني؛ لأنه رسالة سلبية إلى المستثمرين سواء الأفراد أو المؤسسات، ويقلل من فرص الحصول على قروض ويرفع تكلفتها، فضلا عن التأثيرات السلبية على سوق الأوراق المالية الحكومية من خلال ارتفاع أسعار الفائدة على أذون الخزانة والسندات".
مصر تستنفد فرص تثبيت التصنيف
ويعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية، مصطفى يوسف، أن مصر "استنفدت جميع فرصها من قبل مؤسسات التصنيف الدولية في تجنب خفض تصنيف ديونها سواء قصيرة أو بعيدة المدى في ظل عدم تحرك الحكومة بشكل جدي للأخذ بتوصيات المؤسسات الدولية لإصلاح منظومة الاقتصاد المتهالكة".
وتوقع في تصريحات لـ"عربي21" أن "تحذو بقية وكالات التصنيف الدولية حذو كابيتال إنتليجنس في خفض تصنيف مصر الائتماني خلال الأسابيع والشهور القليلة المقبلة ما لم تحدث انفراجة كبيرة وتدفقات مالية ضخمة تلبي احتياجات التمويل الخارجية، وهو أمر مستبعد في ظل تحفظ دول الخليج وصندوق النقد الدولي في المضي قدما في تقديم المزيد من المعونات والمساعدات".
ويُتوقع أن يشكل استمرار خفض التصنيف الائتماني لمصر ضغوطا على الجنيه المصري، بحسب الخبير الاقتصادي، الذي يعتقد أن "التضخم يرفع تكاليف الاقتراض ونسبة الدين الحكومي العام إلى مستويات أكثر تتماشى مع مستوى التصنيف الأقل"، مرجحا تسريع وتيرة بيع الأصول من أجل استعادة احتياطيات النقد الأجنبي وتوفير سيولة بالعملات الأجنبية وتعزيز مركز الأصول الأجنبية المصرية بالبنوك المحلية.