تشهد محافظة
السويداء جنوب
سوريا مظاهرات مستمرة لليوم الخامس على التوالي بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة تطورت بعد ذلك للمطالبة بإسقاط النظام.
واعتمد النظام السوري فكرة "حماية
الأقليات"
لمواجهة
الثورة السورية، في محاولة لتحييدها، ونجح جزئيا في تحقيق ما أراده، لكن بعض هذه الأقليات انخرطت في الثورة.
"سنعيدها سيرتها الأولى"، "الشعب السوي واحد".. تجتاح هذه الشعارات مواقع التواصل الاجتماعي، لمواكبة حراك التظاهرات المستمر منذ أسبوع في عدة مناطق سورية وأبرزها مدينة السويداء معقل الموحدين الدروز.
امتدت التظاهرات من السويداء حتى درعا ثم حلب وبلغت ذروتها اليوم الجمعة حيث خرج آلاف المتظاهرين في جميع أنحاء سوريا مطالبين بإسقاط النظام، وذلك مطلب لم يغب عن الحراك في مناطق المعارضة لكن أن يتصدر تظاهرات السويداء، هنا العلامة الفارقة.
وسجلت مدن وبلدات الشمال السوري عدة وقفات تضامنية مع التظاهرات في الجنوب السوري ورفعت شعارات عدة أبرزها "ثورة لكل السوريين".
إلا أن تظاهرات السويداء التي اكتسبت زخما شعبيا ودينيا سلطت الضوء على تفاقم الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتردية فضلا عن الوضع السياسي المأزوم.
وكانت قرارات النظام الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات المحرك الأساسي للتظاهرات، إلا أنها بدأت تأخذ منحى تصاعديا عقب إعلان الإضراب العام والمناداة العلنية بإسقاط النظام.
ديموغرافية سوريا
يتشكل الشعب السوري من طيف متنوع عرقيا ودينيا حيث تعتبر بلاد الشام من أكثر المناطق حيوية في التاريخ، وأرضا جاذبة للسكان لعدة أسباب على رأسها الموقع الجغرافي الهام فضلا عن طقسها وأرضها الخصبة ومكانتها الجيوسياسية.
ويبلغ عدد سكان سوريا أكثر من 23 مليون نسمة بحسب تقديرات غير رسمية عام 2011, يتوزعون على 14 محافظة، ويتركزون في الحواضر الكبيرة مثل دمشق وحلب وحمص واللاذقية ودير الزور والرقة.
وفي دراسة لمركز "جسور" ذكرت أن عدد سكان سوريا حتى الربع الأول من عام 2023، وصل إلى 26.7 مليون نسمة، منهم 16.76 مليون داخل البلاد، و9.12 مليون سوري خارجها، فضلاً عن 897 ألف مفقود ومغيب.
العرب السنة
يشكل العرب السنة أكثر من 65 بالمئة من سكان البلاد متوزعين على مراكز المدن وأريافها، مثل حلب، ودمشق، والرقة، وحمص، وحماة، ودير الزور، ودرعا، والقنيطرة، واللاذقية.. وهم يمثلون الغالبية العظمى من الشعب السوري.
الأكراد
يمثل الأكراد أكبر أقلية عرقية في سوريا حيث تبلغ نسبتهم نحو 10% من سكان البلاد ومعظمهم من المسلمين السنة، مع أقليات علوية ويزيدية ومسيحية.
ويتركز ثقل المكون الكردي في شمال شرق البلاد بمحافظة الحسكة ويمتد على طول الحدود السورية التركية حيث تقع مدن كوباني وعفرين، كما أنهم ينتشرون في عدة أحياء بدمشق وحلب والرقة.
العلويون
تبلغ نسبة العلويين في سوريا نحو 10 بالمئة من نسبة السكان، ويتمركزون في محافظتي اللاذقية وطرطوس بشكل رئيسي، مع أجزاء من محافظتي حماة وحمص الغربية تحديدا.
المسيحيون
تتراوح نسبة المسيحيين في سوريا بين 8 و10 بالمئة من إجمالي عدد السكّان، غالبيتهم من الروم الأرثوذكس بالإضافة إلى الآشوريين والكلدان والسريان والأرمن والآراميين.
وينتشر المسيحون في دمشق وحلب وحمص وحماة والحسكة، بأحيائهم المعروفة، حيث تعتبر دمشق مقر ثلاث بطريركيات للروم الأرثوذكس الإنطاكيين والروم الكاثوليك وثالثة للسريان الأرثوذكس، كما أنها تعتبر مقر أبرشية لأغلب الطوائف المسيحية السورية الأخرى.
الدروز
يشكل الدروز نسبة 3 بالمئة من سكان سوريا، وتعد محافظة السويداء معقلهم الرئيس، والتي تسمى بجبل الدروز، كما أنهم يتواجدون في المناطق الريفية والجبلية شرقي وجنوبي العاصمة دمشق.
وتتحدث بعض التقديرات عن أن سوريا تضم حوالي 40- 50 بالمئة من إجمالي الدروز في العالم البالغ عددهم حوالي 1.5 مليون.
الإسماعيلية
لا تتجاوز نسبة الطائفة الإسماعيلية في سوريا الـ1 بالمئة من عدد السكان ويتركز وجودهم بشكل أساسي في حماة وتحديدا في منطقة “السلمية ومصياف” ومحافظة طرطوس.
الموقف من الثورة
شكلت الثورة السورية التي انطلقت في آذار/ مارس 2011 حدثا مفصلا في تاريخ البلاد، ألقى بظلاله على التركيبة الديموغرافية وأظهر شرخا حقيقيا في النسيج المجتمعي السوري بدا واضحا في الموقف من التظاهرات التي طافت المدن السنية في سوريا تطالب بالحرية قبل أن يواجهها النظام بالحديد والنار لتتحول بعدها إلى صراع مسلح مستمر حتى الآن.
نجح النظام السوري الذي يشكل العلويون نواته الصلبة بتحييد الأقليات عن الثورة باعتبار أن الأغلبية السنية قد تشكل خطرا عليهم، واستمال عددا كبيرا إلى القتال دفاعا عنه باسم الطائفة حتى أخذت الثورة في مراحل كثيرة طابعا طائفيا متناسقا مع الاحتقان الطائفي الذي تعانيه المنطقة في العراق ولبنان واليمن.
وتفاقم تخوف الأقليات من الثورة بعد ظهور جماعات سنية مثل تنظيم الدولة مقابل الميليشيات الشيعية التي استقدمها النظام للقتال إلى جانبه.
وعلى الرغم من ذلك فقد شارك عدد من المسيحيين والدروز والأكراد في التظاهرات التي شكلت باكورة الحراك السلمي في أيام الثورة الأولى.
ومع تباين حدة المواقف من الثورة إلا أن إحجام الأقليات عنها بدا واضحا رغم الشعارات التي رفعها المتظاهرون ومن ثم الهيكل السياسي للمعارضة بنبذ الطائفية والدعوة لدولة قانون ومساواة تعتمد قيم المواطنة والعيش المشترك.
لم تخف أغلبية الطائفة العلوية منذ أول يوم للثورة موقفها المناوئ للحراك وعبرت عن تضامنها مع النظام السوري، كما أنها رفضت التعامل مع هذه المظاهرات على أنها ثورة شعبية.
وكانت رواية النظام عن "مؤامرة خارجية يقودها إرهابيون وممولون من الخارج" هي الرائجة في أوساط الطائفة التي ينخرط معظم أبنائها في الجيش السوري والمؤسسات الأمنية.
ومع اتساع رقعة الثورة ثم الصراع المسلح انخرط معظم أبناء الطائفة العلوية في صفوف الجيش بالإضافة لميليشيات أخرى مثل "الدفاع الوطني وصقور الساحل وصقور الصحراء"، وغيرها.
وتواجه الميليشيات العلوية اتهامات بارتكاب مجازر ضد المناطق السنية خلال الثورة مثل مجازر حمص والحولة وحماة والتريمسة والقبير وفي بانياس والبيضا وغيرها.
وعلى الرغم من وقوف الكثير من العلويين إلى جانب النظام، فقد برزت العديد من الأصوات المعارضة داخل الطائفة، واتهموا الأسد باختطاف الطائفة وزجها في أتون الصراع بهدف البقاء في السلطة.
ويمكن القول إن غالبية المسيحيين التزموا الحياد تجاه الثورة رغم دعم رجال الدين في الكنيسة العلني للنظام، وقد شارك العديد من الشباب المسيحيين في التظاهرات السلمية خلال الأشهر الأولى للثورة، بالإضافة لمساهمتهم في أعمال الإغاثة.
ويعد ميشيل كيلو أبرز المعارضين المسيحيين الذين وقفوا ضد نظام الأسد وتقلد عدة مناصب في المعارضة السورية.
ومع احتدام الصراع فقد اتهم معارضو الأسد بافتعال أعمال مفبركة بهدف استمالة المسيحيين مثل التفجيرات في المناطق المسيحية وعمليات الخطف التي استهدفتهم.
وشكلت بعض التكتلات السكانية المسيحية ميليشيات داعمة للنظام مثل قوات الغضب في مدينة السقيليية بمحافطة حماة وميليشيات "سوتورو" في القامشلي بالحسكة، المكونة من المسيحيين السريان، وبعض الأرمن.
وساد التوتر بشكل شبه دائم علاقة الأكراد بالنظام السوري منذ عام 1963، ولعل انتفاضة القامشلي عام 2004 كانت أبرز محطات الصدام مع النظام.
ومع انطلاق الثورة في 2011 شارك الأكراد بشكل واضح في التظاهرات بدءا بمنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، مروراً بمنطقة عين العرب في ريف حلب الشمال الشرقي، وانتهاء بمحافظة الحسكة، كما نشط الأكراد في العاصمة دمشق، وفي حلب.
ويعتبر المعارض "مشعل تمو" أيقونة للمعارضة الكردية للنظام حيث أشعل اغتياله في القامشلي عام 2011 تظاهرات في المناطق ذات الغالبية الكردية تتهم النظام بالوقوف وراء مقتله.
عقب مقتل "تمو" فقد شكل حزب "الاتحاد الديمقراطي" النسخة السورية من حزب "العمال الكردستاني"، وحدات حماية الشعب، وهي قوات عسكرية تولت إدارة المناطق الكردية بعد تسليحها من قبل النظام.
ومع تفاقم الأزمة وبدء الحرب على تنظيم الدولة أخذت وحدات حماية الشعب طابعا أكثر استقلالية بعد تلقيها الدعم الأمريكي لتتطور إلى "قوات سوريا الديمقراطية" التي تدير مساحات واسعة من شمال شرق البلاد وتتمتع بعلاقات جيدة مع النظام ودخلت في صراعات مع المعارضة السورية قبل وبعد التدخل التركي.
ودخل ما تعرف اختصارا بـ"قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) بمحادثات مع النظام خلال السنوات الأخيرة إلا أنه لم يخرج بنتائج تذكر بسبب إصرار النظام على استعادة مناطق شرقي نهر الفرات مقابل "حقوق ثقافية" للأكراد.
أما الدروز، فقد شاركوا أيام الثورة الأولى في المظاهرات ضد النظام، لكن سرعان ما تلاشى الحراك ولم يأخذ ذات البعد الذي كان واضحا في المناطق السنية.
وفي عام 2011 زار الرئيس السوري بشار الأسد محافظة السويداء بحجة إقامة مشاريع في بعض القرى التي تعاني من الجفاف، في محاولة على ما يبدو لكسب تأييد الطائفة ضد الثورة السورية.
وخلال أعوام 2012 2013 ظهرت احتجاجات محدودة للدروز في السويداء، لكن اغتيال الشيخ وحيد البلعوس المعروف بتقاربه مع الثورة عام 2015 مثل حدثا مفصليا، حيث تفجرت تظاهرات حاشدة في السويداء كما هاجم أنصار البلعوس عدة نقاط لقوات النظام.
وانتهت الأزمة بعد تعهد النظام بتقديم المتورط بقتل البلعوس للعدالة، وسادت حالة من التوتر بين النظام والطائفية خلال السنوات الماضية لعدة أسباب على رأسها الأزمة الاقتصادية ومقتل الكثير من أبناء الدروز بصفوف جيش النظام خلال حربه ضد المعارضة المسلحة.
وتوجه اتهامات لقيادات درزية في جيش النظام بالإضافة لمجاميع مسلحة تابعة للطائفة بارتكاب جرائم ضد المدنيين في المناطق الساخنة، لا سيما منطقة اللجاة في درعا.
حراك الساعة
أشعلت التظاهرات التي عمت عدة محافظات سورية جذوة الثورة لدى الكثير من المعارضين خصوصا مع اشتراك الدروز فيها، بالتزامن مع تعالي أصوات الكثير من الناشطين العلويين انتقادا للنظام بسبب الازمة الاقتصادية الخانقة.
وبين من يرى في الحراك مرحلة جديدة من الثورة أو تظاهرات جياع سرعان ما ستنتهي، تبرز تساؤلات عديدة حول انعكاس ومستقبل هذه التظاهرات على المشهد السوري.
يقول الأكاديمي السوري والباحث في مركز حرمون للدراسات سمير العبد الله: "إن النظام الذي روج لنفسه منذ وصول حافظ الأسد للحكم بأنه حامي للأقليات في سوريا، وازدادت هذه الرواية بعد بدء الثورة عام 2011، يشعر بالتخوف في حال تطور الأوضاع في السويداء لأن ذلك يسقط من يده تلك الورقة، ولهذا لا يلتجئ للعنف أبدا ردا مع المتظاهرين".
وأضاف العبد الله في حديثه لـ "عربي21”, “أن سياسة النظام تقوم بشكل أساسي على عدم المواجهة العسكرية خشية تطور الأمور في المحافظة، لكنه يهدد الدروز بالفتن وبالتنظيمات المتطرفة كما حصل سابقاً، بالتزامن مع محاولة كسب بعض الدروز لصفه، ما يشعر مشيخة العقل في المحافظة بالخوف من فتنة في الجبل، عسى أن تغير موقفها".
ويتابع الأكاديمي السوري: "النظام لا يقدر على فتح جبهات جديدة لا سيما أن معظم قواته في الشمال والشرق بإلإضافة إلى أن اسخدامه للعنف ضد السويداء يسقط دعايته بحماية الأقليات أمام المجتمع الدولي، فالمحافظة لها خصوصية في تكوينها الديمغرافي، إذ لا يستطيع النظام اتهام المتظاهرين بأنهم دواعش أو متطرفون على سبيل المثال ليبرر قسوة التعامل معهم في حال حدوثها".
وردا على سؤال حول إمكانية توحد الأقليات ضد النظام قال العبد الله، "إن الأمر غير متوقع لاسيما أن تجربة الستينات فشلت عندما طرح صلاح جديد تحالف الفاطميين الذي يشمل العلويين والدروز والإسماعيليين، حيث فشل التحالف رغم دخول هذه الطوائف فيهـ بسبب تخوفهم من استفراد العلويين بالسلطة",
وأوضح، "أن توحد الأقليات غير متوقع بغياب الوحدة أصلا بين تلك الطوائف فكما هناك انقسام بين السنة هناك انقسامات واضحة تعاني منها الأقليات، كما أنها لا تمتلك الإمكانية الحقيقية لإنجاح هذه الفكرة".
وعند سؤاله حول تشابه الحراك الحالي بما جرى سابقا في السويداء، أجاب: "إذا قارنا الحراك الحالي في السويداء بالتظاهرات السابقة فهذا الحراك هو الأكبر، خاصة أنه حظي بدعم اثنين من مشايخ العقل الدروز، وهذا يعطيه بعدا آخر، من ناحية أنه ما زال محصورا في السويداء ودرعا ولم ينتقل لمناطق أخرى تحت سيطرة النظام كالساحل السوري أو دمشق".
وعن المآلات يرى العبد الله أن هناك ثلاثة سيناريوهات للأحداث:
الأول: استمرار المظاهرات لفترة من الزمن دون أن تنتقل لمناطق جديدة، وتخف وتيرتها شيئا فشيئا، وخاصة في حال عدم مواجهة النظام لها، وهذا ما يفعله حتى الآن، وهو السيناريو المفضل للنظام في ظل ظروفه الحالية.
السيناريو الثاني: اتساع المظاهرات لمناطق جديدة، لاسيما الساحل السوري والذي يخشى النظام منه، لذلك بدأ بإخراج مسيرات مؤيدة هناك، وفي حال حصول ذلك سيتغير مسار الأحداث كلها في سوريا.
السيناريو الثالث: قيام النظام بمواجهة هذه التظاهرات وبالتالي الصدام المباشر مع أهالي السويداء، وما يعنيه ذلك من سقوط دعاية النظام بحماية الأقليات، وتطور الأوضاع في المنطقة الجنوبية بشكل غير متوقع.
وعن حراك الساحل وارتفاع وتيرة انتقاد النظام بين الناشطين العلويين يرى العبد الله، "صعوبة تطور الحراك هناك لعدة أسباب على رأسها استمرار النظام بتخويفهم من الانتقام الذي قد يتعرضون له من الشعب السوري، بالإضافة إلى خلو تلك المناطق من الشباب الذين يمكنهم القيام بتحرك، فأغلبهم في جيش النظام أو متطوعين أو ضمن ميليشياته".
من جهته يقول الناشط السوري محمود الحموي: "إن النظام ورط الأقليات بالحرب والأزمة الاقتصادية"، عادّا ما يجري لحظة صحوة للطائفة العلوية تحديدا خاصة أن الدروز كانوا على علاقة غير جيدة بالنظام طوال السنين الماضية.
وأضاف في حديث لـ "عربي21”, أن النظام فشل بضم الدروز لصفه، مشيرا إلى أن التظاهرات الحالية تدعم توحيد الجهود ضد النظام.
وردا على وصف ما يجري بثورة الجياع، قال الحموي: "إن مطالبهم كانت سياسية واضحة تجلت بهتاف إسقاط النظام"، مردفا بأن "الثورة تجمع مختلف شرائح وطلبات المجتمع من اقتصادية إلى حقوقية وسياسية فالثورة واحدة والمطلب بات واضحا بإسقاط النظام".
لكن هناك من يرى استنادا لتجارب سابقة أن فكرة التباين الأيديولوجي وحالة انعدام الثقة بين مكونات المجتمع السوري بعد الثورة، أفرزت لكل مكون مطالب معينة قد لا تلتقي بالضرورة مع الثورة التي خرجت منذ 12 عاما.