تشهد العاصمة الليبية
طرابلس، لليوم الثاني على التوالي،
اشتباكات عنيفة وصدامات مسلحة بين كتائب متناحرة على خلفية اختطاف قيادي عسكري يتبع رئاسة الأركان، وسط تساؤلات عن تداعيات هذه الأحداث سياسيا وأمنيا وتعطيل
الانتخابات لأجل غير مسمى.
واندلعت اشتباكات موسعة بين مسلحين إثر قيام جهاز الردع "التابع إداريا لوزارة الداخلية" باختطاف آمر اللواء قتال 444 محمود حمزة التابع لرئاسة الأركان من مطار "معيتيقة" الدولي الذي يسيطر عليه جهاز الردع، ما دفع قوات اللواء إلى الهجوم على مقرات الجهاز والسيطرة عليها واعتقال عسكريين تابعين لجهاز الردع.
"المنفي والدبيبة"
وبعد صمت لمدة يوم كامل، توالت ردود الفعل الرسمية على الاشتباكات من قبل المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش وكذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية بصفته وزير الدفاع.
وأصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي تعليماته لجهاز الردع بإحالة آمر اللواء 444 محمود حمزة لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، كما أنه وجه رئاسة الأركان والأجهزة الأمنية والعسكرية بعدم التحرك والتقيُّد بالأوامر وضرورة وقف إطلاق النار، على أن يُشكِّل وزير الدفاع لجنة للتحقيق في الأحداث.
في سياق متصل، عقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة اجتماعا بأعيان سوق الجمعة الذي ينحدر منه آمر اللواء 444 وتم الاتفاق على تسليم "حمزة" إلى جهة أمنية محايدة، والأمر بوقف الاشتباكات.
لكن حتى الآن لم تتوقف الاشتباكات بين قوات الردع المعروفة بقوتها وسيطرتها على أماكن حيوية في العاصمة طرابلس والمدعومة من قبل بعض الدول الخليجية، وبين قوات اللواء 444 المسيطرة على عدة أماكن ووزارات والمدعومة من قبل دولة تركيا.
والسؤال: هل الاشتباكات الأخيرة صدام محلي أم حرب بالوكالة؟ وكيف ستؤثر على ملف الانتخابات؟
"غياب مؤسسي"
وفي تعليق، رأت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، ربيعة بوراص، أن "غياب الدور الحقيقي للمؤسسات الرسمية المعنية بتحقيق الاستقرار والأمن، هو أحد أسباب اندلاع الاشتباكات بين المجموعات المسلحة من حين لآخر".
وأكدت في تصريحات لـ"
عربي21" أن "دخول المجلس الرئاسي في مسارات أخرى غير منوط بها وابتعاده عن دوره الحقيقي في توحيد المؤسسة العسكرية وإصلاحها هو أحد أسباب التوتر الحاصل، وسياسة المحاباة التي تعمل بها
الحكومة وكل الأطراف في توجيه الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية تلعب دورا كبيرا اليوم في انهيار المؤسسات الأمنية في العاصمة"، وفق رأيها.
"ولاءات خارجية"
في حين قال عضو المجلس الأعلى للدولة في
ليبيا، خليفة المدغيو، إن "الاقتتال والاشتباكات أمر طبيعي جدا كون التشكيلات العسكرية في العاصمة تتبع أوامر رؤسائها فقط وليست خاضعة لأي وزارة سواء الدفاع أو الداخلية وتتحرك طبقا لذلك، ولكل هذه المجموعات ولاءات خارجية تأتمر بأوامرها أيضا".
وأوضح في تصريحات لـ"
عربي21" أن "مؤسسات الدولة الحقيقية غير موجودة فعليا ولا يعتمدونها إلا في دفع الرواتب التي تزيد قوة وتسليح هذه التشكيلات التي تجذب الشباب عبر التجنيد مقابل المال."، وفق كلامه.
وبخصوص تأثير هذه الأحداث العسكرية على ملف الانتخابات قال المدغيو: "الحقيقة أن الحديث عن العملية الانتخابية والتجهيز لها وقربها هو كلمة حق أريد بها باطل"، كما قال.
"كتائب مؤدلجة"
في حين رأى الضابط الليبي عقيد سعيد الفارسي أن "الكتائب في طرابلس مؤدلجة سواء الردع أو غيرها، وكلها تأخذ في الأوامر العسكرية فقط من رؤساء هذه المجموعات ويعتبرون رئاسة الأركان ووزارة الدفاع مؤسسات إدارية تصرف رواتب فقط وهنا المشكلة".
وأكد في تصريحه لـ"
عربي21" أن "مجموعة الردع التي فجرت الأحداث الحالية لديها سجن خاص بها وإداريا تتبع وزارة الداخلية لكن لا علاقة للوزارة بها وحتى أحكام الإفراج عن المسجونين لا تنفذ فيها هذه المجموعة، والعاصمة تحوي رؤوسا متناحرة كلها تبحث عن النفوذ والسيطرة"، وفق معلوماته العسكرية.
وأضاف: "موضوع الحرب كان متوقعا وانهيار الأوضاع أيضا متوقع في أي وقت، ومع غياب جيش حقيقي وداخلية تظل الأزمة مستمرة والحروب كذلك، وأيضا هناك مجموعات تم إخراجها بالقوة مثل ثوار طرابلس وأسامة جويلي وأيوب بوراس وكل هؤلاء ينتظرون اللحظة الحاسمة للعودة إلى العاصمة وطبعا الولاءات الخارجية موجودة ومتحكمة"، بحسب قوله.
"لا علاقة بالانتخابات"
المرشحة السابقة لرئاسة الحكومة الليبية، إيمان الكشر، رأت أن "البقاء للأقوى في الصدامات العسكرية، وأن الاشتباكات هذه المرة كبيرة بالنظر إلى عدد القتلى والأسرى وهذا يذهب بنا للتصعيد بدون أدنى شك، والأمر ليس مجرد صدام محلي بل هو أكبر من ذلك وهو إعادة ترتيبات لبعض الأوراق".
وتابعت لـ"
عربي21": "أما بالنسبة للانتخابات فهي مؤجلة بغض النظر عن هذه الصدامات المسلحة وذلك للاختلاف على القوانين الانتخابية، والكل على طاولة الحوار يريد الانتخابات لكن عندما ننظر للواقع وما يحدث نجد شرخا كبيرا في موضوع الذهاب للانتخابات، والبعثة الأممية تواصل اجتماعاتها لدعم العملية الانتخابية لكن لا نجد مجهودات فعلية لدعمها على أرض الواقع"، وفق تقديراتها.