تراجعت شعبية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي شارك باسم "اليسار الأخضر" في الانتخابات البرلمانية في
تركيا التي أجريت في 14 أيار/ مايو الماضي.
ورغم استطلاعات الرأي التي كانت تظهر ثبات شعبية الحزب الذي يمثل الأغلبية الكردية في البلاد، فإن "الشعوب الديمقراطي"، تمكن من الفوز بمقاعد أقل في البرلمان عن انتخابات 2018.
هذا التراجع في معدل الأصوات لم يكن وليد اللحظة، ففي الانتخابات التي أجريت في حزيران/ يونيو 2015، حصل على نسبة 13.12 بالمئة، لكنها تراجعت في انتخابات تشرين الأول/ نوفمبر من العام ذاته إلى 10.7 بالمئة، بخسارة ما يقارب المليون صوت.
وتمكن الحزب الكردي من الحصول على نسبة 8.82 بالمئة فقط في انتخابات 2023، مقارنة بنسبة 11.7 بالمئة حصل عليها في انتخابات 2018، رغم تزايد أعداد الناخبين في المناطق التي يتمركز فيها خلال الخمس سنوات.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، وخاصة منذ انتخابات 7 حزيران/ يونيو 2015، كان هناك تصور راسخ بأنه لا يمكن الفوز بصناديق الاقتراع بدون "الأصوات الكردية".
وأقر الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي مدحت سنجار، بتراجع شعبية حزبه، وقال: "نعتبر أننا فشلنا في الانتخابات الأخيرة، لعدم حصولنا على المعدل الذي كنا نهدف إليه".
وأعلن الرئيس السابق لحزب الشعوب الدميقراطي، صلاح الدين
دميرطاش، من سجنه، عن اعتزاله العمل السياسي، كاشفا في الوقت ذاته رفض الحزب ترشيحه للرئاسة بعد تقديمه طلبا بذلك.
دميرطاش أشار إلى أنه شعر بالحزن من نتائج الانتخابات، مشيرا إلى أنه كان يتوقع أن يحصل حزب "اليسار الأخضر" على نسبة أعلى.
الكاتب التركي جنكيز ألغان في
تقرير على مجلة "كريتر" التركية، ذكر أن هناك عوامل عدة أسهمت في انخفاض المعدل التصويتي لحزب الشعوب الديمقراطي الذي دخل الانتخابات عبر "اليسار الأخضر".
خفض العتبة الانتخابية
وأدى خفض العتبة الانتاخبية من 10 إلى 7 بالمئة، إلى اختفاء دافع "التصويت الاستراتيجي" لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، والذي كان يهدف إلى تجاوز العتبة الانتخابية، لا سيما من أولئك الذين يعيشون في المناطق الغربية، حيث غاب تكتيك "صوت واحد من كل منزل لحزب الشعوب الديمقراطي"، والذي اتبعه حزب الشعب الجمهوري سابقا، كما يذكر الكاتب ألغان.
وذهبت الأصوات في المناطق الغربية، إلى حزب الشعب الجمهوري، وحزب العمال التركي الذي تحالف مع "اليسار الأخضر" في الانتخابات الأخيرة.
"مكافحة الإرهاب"
وأشار الكاتب إلى أن تراجع الأصوات في المناطق الشرقية والجنوب الشرقية في تركيا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، يعود للتأثير الواضح للنجاح في مكافحة الإرهاب.
ورأى أن ما سماه "الهيمنة القمعية" لمنظمة العمال الكردستاني في تلك المناطق، تراجعت تدريجيا، مع انخفاض عدد مسلحي المنظمة التي تصنفها تركيا "كيانا إرهابيا"، ووفقا لإحصائيات وزارة الداخلية فإن عدد المسلحين تراجع، لا سيما بعد استراتيجية "الحرب ضد الإرهاب عبر الحدود" التي اعتمدتها الحكومة بعد انقلاب 15 تموز/ يوليو 2016، ونجحت في منع عمليات التسلل إلى حد كبير، وتقليل الاحتكاك مع السكان المدنيين.
تعيين أمناء على البلديات التابعة للحزب الكردي
واتخذت الحكومة التركية خطوات عدة في المناطق الشرقية والجنوب شرقية، وقامت بإبعاد واعتقال رؤساء وأعضاء مجالس بلدية من حزب الشعوب الديمقراطي، بتهمة الانتماء وتقديم الدعم لمنظمة العمال الكردستاني.
وأوضح الكاتب، أن هذه البلديات كانت مصدرا بشريا وماليا وماديا لمنظمة العمال الكردستاني، وتم منح الأشخاص المقربين لها وظائف فيها، مع ابتزاز الأسر الفقيرة، ولكن هذه الظاهرة تم القضاء عليها إلى حد كبير، وبدأ سكان المنطقة بتلقي خدمات حقيقية لأول مرة، بعد الخطوات التي اتخذتها الحكومة والتي تشمل تعيين "أمناء على البلديات".
وتابع بأنه بفضل الأمن المقدم، فقد تمكن الناس من الخروج إلى الشوارع بأمان في الليل، كما أن السياحة التي منعت سابقا في المنطقة من خلال عرقلة الاستثمارات، انتعشت، وبدأت الصناعة في التطور وزادت فرص العمل.
احتجاج الأمهات أمام مقر "الشعوب الديمقراطي"
ومنذ أكثر من 1375 يوما، تواصل مجموعة من الأمهات الاعتصام أمام مقر "حزب الشعوب الديمقراطي" بولاية ديار بكر التركية للمطالبة باستعادة أبنائهن المختطفين لدى منظمة العمال الكردستاني.
وأطلق اسم "أمهات ديار بكر" على مجموعة من السيدات بدأن اعتصاما في ولاية ديار بكر، يوم 3 أيلول/ سبتمبر 2019، واتسعت رقعته لاحقا، وتتهم الأمهات الحزب الكردي بمساعدة منظمة العمال الكردستاني في اختطاف الأطفال والنساء والتغرير بهم.
ورأى الكاتب ألغان، أن أحد العوامل المهمة في فقدان الأصوات، هو المقاومة التي أبدتها "أمهات ديار بكر" منذ أربع سنوات، والتي ساهمت في "فضح الحزب الكردي" أمام المواطنين.
وأظهر الاحتجاج أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، أن تلك المباني تعمل كفروع "خدمة عسكرية" لمنظمة العمال الكردستاني، كما يذكر الكاتب الذي أشار إلى أن إدانة قادة المنظمة للأمهات، والتصرفات العدائية لأعضاء الحزب الكردي، والهجمات على العائلات في الشوارع، وإضرام النار في بعض المنازل، تكشف حالة عدم الارتياح لتأثير "مقاومة أمهات ديار بكر".
انضمام حزب "هدى بار" إلى "تحالف الجمهور
ويعد التقارب بين "تحالف الجمهور" وحزب "هدى بار" الكردي الإسلامي، أحد العوامل الهامة التي ساهمت في تراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي.
وأوضح الكاتب التركي، أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في الانتخابات التي سبقت الماضية، وخاصة في المناطق الصغيرة، هي تدخل أعضاء الحزب الداعمين لمنظمة العمال الكردستاني في صناديق الاقتراع، حيث كان يمنع التصويت في بعض مراكز الاقتراع، ويتم تهديد الناخبين والمسؤولين عن تلك المراكز، وكانت انتخابات عام 2015 شاهدة على ذلك.
ولعب حزب هدى بار، دورا مهما في منع المخالفات في صناديق الاقتراع، ومواجهة التهديدات ضد الناخبين ومسؤولي مراكز الاقتراع في انتخابات 2023، حيث تواجد مراقبو ومحامو الحزب الكردي الإسلامي وبشكل فعال في عدد كبير من المراكز.
وأشار الكاتب إلى أن دعم "هدى بار" للتحالف الحاكم، كان فعالا في فتح باب جديد من وجهة نظر سياسية، حيث تم تقدم بديل للناخب الكردي الذي لا يشعر بالارتياح تجاه مسألة "الانقسام العرقي"، ولكن لديه حساسية تجاه "الهوية الكردية".
وأوضح أن مشاركة الحزب الكردي الإسلامي ضمن تكتل "تحالف الجمهور"، منح خيارا للناخبين الذين يتجنبون التصويت للحزب الحاكم.
الأكراد المتدينون
ولا تحظى مسألة "المثليين" بشعبية في تركيا، ولا سيما من المتدينين في المناطق الشرقية والجنوب شرقية، وهناك ردة فعل تجاه موقف حزب "اليسار الأخضر" من هذه المسألة وتبنيه لحركة "المثليين"، كما يقول الكاتب.
وأضاف الكاتب أن "تبني حزب اليسار الأخضر للمثلية التي لا تدعم إلا من قبل الأحزاب اليسارية التركية الهامشية، وحزب العمال التركي الذي يعتبر حزب الطبقة الغنية في بودروم وأنطاليا ومرمريس، أثار ردود فعل الشريحة المحافظة الموالية للحزب".
ووفقا للمعطيات السابقة، فإن ربع ناخبي حزب "اليسار الأخضر" لم يصوتوا لحزبهم، علاوة على ذلك فإن التصور السلبي لحزب الشعب الجمهوري، ما زال حاضرا في الذاكرة التاريخية للناخبين الأكراد.