قال الوكيل السابق لوزارة
الاقتصاد والتجارة الخارجية
المصرية، عبد النبي عبد المطلب، إن "هناك تعويما جديدا قادما للجنيه المصري بشكل مؤكد، وهذا أمر لا خلاف عليه"، منوها إلى أن "هذا
التعويم سيكون إما خلال شهر أيار/ مايو الجاري أو خلال الأسبوع الأول من شهر حزيران/ يونيو المقبل على أقصى تقدير".
وأوضح، في مقابلة خاصة مع "
عربي21"، أن "الحكومة المصرية لديها تخوف كبير جدا من الآثار الضارة المحتملة لهذا التعويم على حياة المواطن، خاصة بالنسبة للطبقات الأكثر فقرا، وذلك في ظل موجات متسارعة من ارتفاعات الأسعار التي شهدتها مصر خلال العام الماضي؛ حيث ارتفعت أسعار غالبية السلع والخدمات بنسب تتراوح ما بين 40% و150%".
وأشار عبد المطلب إلى أن "مصر كانت لديها آمال بأن تتمكن من إقناع صندوق النقد الدولي بأن يتريث قليلا، وألا يمارس ضغوطه عليها من أجل تنفيذ تعهداتها بأن يكون لديها سعر صرف حر، وهو ما اصطلح على تسميته بالتعويم، لكن على ما يبدو لم تنجح في ذلك؛ فصندوق النقد الدولي يريد أن يرى تنفيذا للإجراءات على أرض الواقع وليس إطلاق تعهدات بعينها".
وذكر أن "القاهرة في نهاية آذار/ مارس الماضي قدمت إلى صندوق النقد الدولي تقريرها بشأن ما تعهدت به في برنامجها الجديد للإصلاح الاقتصادي، والذي تضمن اعتزام مصر طرح ما بين 38 و45 شركة في البورصة، وتذليل كافة العقبات أمام الاستثمار، وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر".
سعر صرف مرن للجنيه
وقال الخبير الاقتصادي إن "صندوق النقد كان يرغب في رؤية عرض أسهم تلك الشركات في البورصة، ومنها بعض الشركات المملوكة للجهات السيادية، وكان يريد أن يرى على شاشات البنوك سعر صرف مرن للجنيه المصري وليس تثبيتا كما هو حادث خلال الشهرين الأخيرين".
واستدرك الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المصرية، قائلا: "لكن على الجانب الآخر، هناك تخوفات لدى الحكومة من أن المواطن المصري قد لا يتحمل تلك الإجراءات الجديدة في ظل الارتفاعات الكبيرة للأسعار التي يمكن أن تحدث نتيجة التخفيض الجديد لسعر صرف
الجنيه".
وتفاديا لذلك، فقد بدأت الحكومة في اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتقليل هذا الأثر المرتقب، حيث قامت بتبكير علاوات الموظفين، والإعلان عن رفع الحد الأدنى لأجور للعاملين في القطاع الحكومي والأجهزة الإدارية الخاضعة للدولة، ثم الإعلان عن زيادة مخصصات الدعم الموجّه للأسر المستفيدة من برنامج الدعم أو السلع التموينية، وفق عبد المطلب.
وبذلك بدأت الحكومة في وضع بعض الأسس التي قد يقبلها صندوق النقد الدولي على أنها بدأت في وضع مظلة حماية للمواطنين الأكثر فقرا، والذين قد يتضررون من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، طبقا لما أورده الخبير الاقتصادي الذي أكد أنه يتبقى لمصر الآن تنفيذ تعهداتها بأن يكون لديها سعر صرف مرن.
وزاد: "مصر مُطالبة بتحقيق شرط التعويم قبل نهاية حزيران/ يونيو بفترة معقولة، وهو موعد تقديم مصر لتقريرها الثاني لصندوق النقد الدولي، والفرق بين هذا التقرير والتقرير الذي قُدّم في آذار/ مارس أنه سوف تكون هناك بعثة من صندوق النقد الدولي لمناقشة المسؤولين المصريين وجها إلى وجه، ومن هنا بات التعويم الجديد أمرا حتميا ومسألة وقت لا أكثر".
الدولار قد يصل إلى 40 جنيها
وتوقع الخبير الاقتصادي وصول سعر الجنيه المصري مقابل الدولار إلى ما يزيد كثيرا عن المستوى الذي توقعته بعض التقارير الدولية إلى 34 جنيها، مضيفا: "أنا في اعتقادي أنه قد يصل إلى أربعين جنيها لكل دولار، بينما أتمنى أن يكون لدى الحكومة برنامج يمنع الوصول لهذا المستوى".
وكان بنك "سوسيتيه جنرال" قد توقع حدوث تراجع جديد في سعر صرف الجنيه المصري خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى متوسط 34 جنيها لكل دولار واحد.
وبشأن تعليق بعض الشركات الخليجية مؤخرا استثماراتها في مصر، ذكر عبد المطلب أن "هذا الأمر كان متوقعا، وليس جديدا؛ فهناك حالة من عدم اليقين موجودة في الاقتصاد المصري؛ فلا أحد يستطيع حاليا توقع سعر الصرف خلال العام المقبل أو حتى الأربعة أشهر القادمة".
وشدّد على "ضرورة وجود آلية واضحة تستطيع من خلالها الاستثمارات الخليجية والخارجية عموما حساب إمكانياتها على الاستثمار وحساب أرباحها المتوقعة، لأنه في ظل غياب هذه الرؤية لا تستطيع أي شركة أن تغامر في ظل هذه الظروف المضطربة".
انسحاب استثمارات خليجية
وقبل أيام، علّق صندوق أبوظبي السيادي "القابضة إيه دي كيو" (أداة الاستثمار الإماراتية الرئيسية في مصر) مشروعاته واستثماراته داخل مصر، وقررت الشركة المتحدة للإلكترونيات (إكسترا) السعودية وقف خططها التوسعية في مصر.
وتابع عبد المطلب: "شركة إكسترا السعودية قالت إن هناك صعوبة في توقع الأحداث القادمة، وأعتقد أنها كانت تقصد مدى توافر العملة الصعبة لتحويل الأرباح للخارج، وأيضا سعر الصرف الذي يمكن أن يمثل مرحلة استقرار للجنيه المصري أمام العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار، بينما في ظل غياب هذه الرؤية تصبح قدرة المشاريع على التخطيط والتوسع صعبة".
وذكر أن "من بين الأسباب الأخرى التي دفعت شركات خليجية لإيقاف استثماراتها في بلادنا، تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من مستقر إلى سلبي، وهو ما كان له أثر كبير في أن تطلب هذه الاستثمارات بعض الوقت لدراسة الأوضاع الحالية والمستقبلية حتى تستطيع أن تأخذ قرارا استثماريا واضحا وعادلا".
وخلال شهر آذار/ مارس الماضي، عدّلت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني، نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية؛ نتيجة تباطؤ إجراءات الإصلاح الاقتصادي فيما أكدت تصنيف الدّين المصري طويل الأجل بالعملات الأجنبية عند (B).
مشاكل اقتصادية
وقال عبد المطلب: "لدينا في مصر بالفعل مشكلتين مهمتين جدا، ولا بد من وجود إجابات وخطط واضحة بشأنهما، أولهم كيفية إدارة سعر الصرف في ظل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟، وهل سوف يكون هناك تحرير كامل لسعر الصرف بحيث يتم تحديده بناءً على آليات العرض والطلب أم سنكون أمام سعر صرف مُدار من قِبل البنك المركزي المصري بحيث لا يسمح بانهياره أو بانخفاض الجنيه عن مستوى معين؟".
والمشكلة الأخرى، بحسب عبد المطلب، تتمثل في سعر الفائدة؛ ففي ظل وجود معدلات تضخم مرتفعة تصل إلى 40 بالمئة؛ فلن يقبل أحد أن يكون سعر الفائدة تحت 20 بالمئة، لأن هذا أمر غير مقبول لدى الكثيرين، خاصة من أجل تشجيع المستثمرين على اللجوء إلى البنوك للحصول على تمويل بسعر فائدة معقول".
وأشار عبد المطلب إلى أن "ارتفاعات التضخم تأكل المدخرات، وتأكل الاستثمارات، وتقلّل قيمة الأموال، ومن هنا فكل أصحاب الأموال والاستثمارات سوف يجدون أن إرجاء القرار الاستثماري أفضل لهم لحين اتضاح الرؤية سواء لسياسات سعر الفائدة أو لسياسات سعر الصرف".
المفاوضات مع صندوق النقد
ورفض الخبير الاقتصادي أحاديث البعض حول وجود تعثر في المفاوضات بين القاهرة وصندوق النقد الدولي، قائلا: "لا أعتقد أن هذا الأمر صحيحا؛ فالطرفين عقدا اتفاقا مشتركا بالفعل، ومصر قدمت مجموعة من التعهدات في هذا الصدد. المشكلة أن الحكومة المصرية كانت تعتقد أن هذه التعهدات كافية، وأن قرار التنفيذ يحتاج لبعض الوقت، وأن صندوق النقد الدولي قد يقبل تأجيل التنفيذ لبعض الوقت حتى تكون الظروف مواتية ومناسبة من وجهة نظر الحكومة المصرية".
ونوّه إلى أن "الحكومة المصرية كانت تريد تكرار سيناريو برنامج الإصلاح الاقتصادي في عامي 2016 و2017، لكن واضح أن إدارة صندوق النقد الدولي هذه المرة مُتشدّدة، فضلا عن أن هناك جزءا غير مفهوم يتعلق بالسياسة التي انتهجها الأشقاء العرب سواء في السعودية أو الإمارات؛ فقد قرروا إرجاء تقديم المساعدات ووقف الاستثمارات في مصر منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".
وأردف: "كانت هناك أحاديث عن تدفقات استثمارية من الدول العربية في مقدمتها الإمارات والسعودية، إلا أنه اتضح لاحقا أن التنفيذ يكتنفه بعض الصعوبات والمشاكل، وهذه الصعوبات ترجع إلى انتظار التقرير الربع السنوي الذي سوف يصدره صندوق النقد الدولي عن واقع وآفاق الاقتصاد المصري".
وتابع: "قدمت مصر تقريرها لصندوق النقد الدولي، لكن من الواضح أن الصندوق أرجأ مناقشة التقرير، وهذا يعني أن القاهرة لم تحوّل تعهداتها ووعودها إلى واقع على الأرض، ورغم ذلك لا يمكننا القول ما إن كان هناك تعثر في المفاوضات، بل هناك إرجاء وبطء في التنفيذ".
وعن مدى قدرة مصر على تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، رأى عبد المطلب أن مصر ستنفذ الشروط والتعهدات المتبقية خلال الشهر الجاري أو المقبل، وستبدأ في ذلك قبيل وصول بعثة صندوق النقد الدولي في القاهرة.
سداد الالتزامات الدولية
وأشاد الخبير الاقتصادي بتصريحات رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، التي قال فيها إن الدولة المصرية لم ولن تخفق في سداد أي التزامات دولية، وقال عبد المطلب: "هذا كلام مؤكد، والحكومة المصرية لا يوجد عندها أي خيار آخر غير الوفاء بكافة الالتزامات الخارجية خلال الفترات المسموح بها".
وأكمل: "مصر قد تستطيع تأجيل بعض هذه الالتزامات كما حدث مع الوديعة السعودية، وربما تستطيع أيضا تمديد الودائع الإماراتية والكويتية، أما باقي الأقساط والمستحقات سواء الخاصة بالسندات الدولارية أو سندات اليورو التي أصدرتها مصر في أسواق المال العالمية، فمستحيل أن تتوقف أو أن تتخلف عن سداد أقساط قروض المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ فلا تملك الدولة المصرية رفاهية التوقف أو التأخر عن سداد هذه الالتزامات".
وبسؤاله عن كيفية سداد تلك الالتزامات الدولية، أجاب: "مصر لديها احتياطي نقدي يتجاوز 33 مليار دولار، ويمكنها أن تسحب من هذا الاحتياطي رقم يتراوح ما بين 10 إلى 12 مليار دولار حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023، لكن المشكلة قد تكون فيما بعد ذلك".
في المقابل، استبعد عبد المطلب تأزم الأوضاع الاقتصادي لدرجة خطيرة، قائلا: "صندوق النقد الذي وافق على إبرام الاتفاق مع الحكومة المصرية لن يسمح بحدوث مشاكل أو هزات اقتصادية كبيرة في دولة تعمل تحت رعايته، ومصر ببساطة يمكنها الحصول على الشريحة الثانية من قرض الصندوق إذا بدأت في تنفيذ جزء، ولو صغير، من تعهداتها، وهو ما طرح أسهم شركة على الأقل من شركات الجهات السيادية في البورصة".
وأضاف: "إذا فعلت مصر ذلك، فسوف يفرج صندوق النقد عن الشريحة الثانية من القرض، وبمجرد هذا الإفراج سوف تكون إشارة واضحة إلى الشركاء الدوليين، وفي القلب منهم البنك الدولي والدول الخليجية، إلى ضخ أو زيادة حجم استثماراتهم في مصر أو شراء بعض أصول الشركات سواء الشركات الحكومية أو حتى الحصول على فرص للاستثمار في مصر".
يشار إلى أن البنك الدولي كان قد وقع اتفاق قرض بقيمة 7 مليارات دولار منه حوالي ملياري دولار خلال هذا العام لتمويل مشاريع البنية الأساسية.
شهادة صلاحية
وتابع: "بمجرد أن تبدأ مصر في تنفيذ التعهدات والحصول على ما يمكن وصفه بشهادة صلاحية من صندوق النقد الدولي سوف يكون هناك حالة من انسيابية التدفقات بالعملات الصعبة على مصر، وعندما تبدأ هذه التدفقات ستختفي كل الأحاديث التي تُثار حاليا عن وجود مشاكل عميقة في الاقتصاد المصري، وقد يصدر صندوق النقد تقريرا يشيد بأداء الاقتصاد المصري، وستعود الأمور إلى طبيعتها كما حدث في الفترة من 2018 وحتى 2020، وهي فترة تراجع معدلات التضخم إلى أقل من رقم أقل من 10%".
لكنه استدرك قائلا: "رغم ذلك، هناك احتمال غير موجود، ألا وهو عدم وفاء مصر بتعهداتها لصندوق النقد الدولي، وهنا ستحدث مشاكل كبيرة، لكني أعتقد أن الدولة التي وقعت مع الصندوق مُضطرة أن تنفذ تعهداتها معه، لأنه لا يوجد بديل آخر غير تنفيذ التعهدات والحصول على الشريحة الثانية من القرض، بما يحفز يحفز الدول العربية على تقديم يد العون سواء في شكل استثمارات مباشرة أو في شكل حتى ودائع للبنك المركزي".
واعتبر إعلان رئيس الوزراء أن القوات المسلحة وافقت على زيادة عدد الشركات التابعة لها التي تم طرحها في البورصة بأنه "رسالة موجّهة إلى صندوق النقد الدولي بشكل أساسي بأنه لا توجد مشاكل أو عراقيل من الجيش أو من الجهات السيادية أمام طرح أسهم شركاته في البورصة، والدليل على ذلك أنها قررت أن ترفع عدد الشركات التي يمكن طرحها إلى 10 بعدما كان الحديث عن 4 شركات فقط".
وزاد: "هذه الرسالة موجّهة إلى المؤسسات الدولية، وإلى الشركاء الدوليين، وإلى المستثمرين المصريين، بأن الدولة في سبيلها إلى تنفيذ ما تعهدت به في وثيقة ملكية الدولة، وأن هنالك قطاعات سوف تخرج منها الدولة وتخرج منها الجهات السيادية، ويخرج منها الجيش بشكل كبير جدا خلال الثلاث سنوات القادمة، وسوف يُسمح للقطاع الخاص بالعمل منفردا في هذه القطاعات، وبذلك يضمن عدم وجود منافسة من منافسين يحظون بأفضلية أو تُتاح لهم فرص لا تتاح للآخرين".
وأشار عبد المطلب إلى أن "القطاع الخاص كان يتخوف من منافسة الدولة أو الشركات التابعة للجهات السيادية، وكان يفضل إما العمل من الباطن كمقاول تنفيذ لهذه الشركات أو الاكتفاء بالمشاهدة وأن يدير مشروعاته في أضيق نطاق".
وأردف: "هذه الرسالة هي رسالة طمأنة بأن الجيش والجهات السيادية والدولة لن تنافس القطاع الخاص في المجالات التي لا تخرج منها، والعشر شركات العسكرية المُشار إليها تُمثل عدة قطاعات، وأن القطاع الخاص يمكن أن يستثمر فيها بسهولة".
وقبل أيام، صرّح مدبولي بأن "القوات المسلحة وافقت على زيادة عدد الشركات التابعة لها والمقرر طرحها بالبورصة أو للبيع إلى مستثمرين استراتيجيين، إلى 10 شركات بجانب الطرح السابق لشركتين تابعتين للمؤسسة العسكرية".