تبذل واشنطن جهودًا جبارة لحرمان أحد شركاء
روسيا الرئيسيين، وهو الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، من السلطة، فالولايات المتحدة غير راضية بالمرة عن سياسة أنقرة سواء من حيث التفاعل مع موسكو أو في عدد من القضايا الأخرى.
ونشرت صحيفة "
فزغلياد" الروسية تقريرًا للكاتب جيفورج ميرزيان، ترجمته "
عربي21"، قال فيه إن إحدى الصحف التركية الشهيرة نشرت على الإنترنت معلومات عن "خطة قذرة" تنوي الولايات المتحدة تنفيذها في تركيا؛ سمتها خطة جلب زيلينسكي إلى السلطة في هذا البلد، بما يعني البحث عمن يلعب دور زيلينسكي ليكون حليفًا لأمريكا في تركيا.
وبحسب الصحيفة الروسية؛ فإن الولايات المتحدة تخطط لجر روسيا وتركيا إلى الصراع في سوريا، وفي البحر الأسود وفي آسيا الوسطى، خاصة بعدما تحولت روسيا في حربها في أوكرانيا إلى تكتيكات حرب العصابات التي تطيل أمد الحرب بشكل يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة أنه إذا فشلت الحرب الربيعية الأوكرانية التي تعدها واشنطن، فستعمد أمريكا إلى خلق أزمات لروسيا في أكثر من مكان؛ وعلى رأس هذه الأماكن تركيا، نظرا لموقعها الجغرافي وتقاطع المصالح مع موسكو في عدد من المناطق، ولكن العقبة الوحيدة التي أمامها هي الرئيس التركي الحالي؛ رجب طيب أردوغان.
التطور الذاتي
وأوضحت الصحيفة أنه في بداية حكم أردوغان - قبل عشرين عامًا - لم يكن لدى الولايات المتحدة مشاكل معها؛ فقد كان انتهج الرئيس التركي الحالي - حينها - سياسة خارجية موجهة نحو أوروبا وأمريكا، داعيًا للتقارب مع شركاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومع أوروبا، فيما أشاد الغرب به بعدما تمكن من إخراج تركيا من أزمتها الاقتصادية.
وتابعت الصحيفة قائلة إن تركيا بدأت تتجه نحو الشرق؛ بدءًا من عام 2014 عندما انتقل أردوغان من رئاسة الوزراء إلى الرئاسة، أو بدءًا من عام 2016، عام الانقلاب الفاشل وما أعقبه من أزمة رفض واشنطن تسليم فتح الله غولن، أحد من تتهمهم أنقرة بالتخطيط للانقلاب - إلى المحققين الأتراك؛ فبدأت تركيا باتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية عن الغرب.
ونقلت الصحيفة عن فلاديمير أفاتكوف، أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الشرق الأدنى وما بعد الاتحاد السوفييتي في مركز "إينيون راس"، قوله: "هذا ليس مفاجئًا؛ ففي النهاية لم يعجب أردوغان أطماع زملائه في الخارج في ما يتعلق بتركيا؛ حيث تحتاج أمريكا إلى تركيا إما خاضعة تمامًا للمصالح الأمريكية، أو منطقة من الفوضى وجزءًا من قوس عدم الاستقرار".
وأضافت الصحيفة أنه في الوقت نفسه، أصبحت العلاقات مع روسيا أهم عنصر في سياسة تركيا السيادية الجديدة؛ فبفضل موسكو تمكنت تركيا من الخروج من معسكر المهزومين في سوريا، وتمكنت من تنويع ناقلاتها الغربية، فضلًا عن تحقيق الطاقة، وحتى السيادة العسكرية إلى حد ما.
وأفادت الصحيفة بأن الأمريكيين، لم يعجبهم مثل هذا التقارب؛ حيث حاولوا التخلص من أردوغان من خلال دعم انقلاب عام 2016؛ فقد كانت هناك العديد من المؤشرات على أن أجهزة المخابرات الأمريكية (أو بالأحرى وكالة المخابرات المركزية) كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، لكن الانقلاب فشل وتمكن أردوغان من التملص من المتآمرين، وبعد ذلك قام بعملية تطهير واسعة النطاق للعناصر غير الموالية من الدوائر الأمنية والصحفية والبيروقراطية وغيرها.
وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن تستعد الأن لمحاولة أخرى وذلك لعدة أسباب؛ أولها أنه في الوقت الحالي ازدادت حاجة أمريكا إلى تركيا الموالية لها، بسبب المشاكل في الجبهة الاوكرانية؛ حيث ستمنح الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا في الأسابيع المقبلة فرصة فريدة للغرب لإزاحة أردوغان بوسائل انتخابية قانونية. ولحسن الحظ، أن لدى أمريكا والغرب من تعتمد عليه في هذا الشأن.
ونسبت الصحيفة إلى إلينا سبيتنيفا، الباحثة في قسم الشرق الأدنى وما بعد الاتحاد السوفييتي في مركز "إينيون راس"، قولها: "لقد تم اعتبار تركيا جزءًا من العالم الغربي طوال تاريخها الحديث، فمنذ عام 1952؛ أصبحت عضوًا في الناتو، ثم أصبحت مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي. وبناءً على ذلك، فإن النخب التركية - على الأقل تلك الموجودة في العاصمة (أي في كل من أنقرة وإسطنبول) - كانت غربية بشدة ".
وتابعت سبيتنيفا موضحة أنه بسبب القطيعة الممنهجة مع الغرب التي انتهجها أردوغان؛ فقد عمدت أمريكا إلى العمل من خلال مجموعات الضغط والمنظمات السياسية. لذلك، فإنه لا يخفى على أحد أن حزب الشعب الجمهوري (أكبر قوة معارضة ومنافس أردوغان الرئيسي في الانتخابات المقبلة) يعمل عن كثب مع الغرب، ويجري معه المشاورات والاجتماعات، وفقًا لها.
عالمان
واعتبرت الصحيفة أن واشنطن تراهن على حزب الشعب الجمهوري وعلى زعيمه كمال كليتشدار أوغلو في الانتخابات المقبلة؛ حيث يعمل الأمريكيون بنشاط على بناء اتصالات معه، ويقوم الوفد المرافق للسيد كليتشدار أوغلو بزيارة واشنطن بنشاط، ويفعل الأمريكيون كل ما في وسعهم لتقوية المعارضة التركية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه ربما لن يكون اختيار الأمريكيين جيدًا؛ فقد كان كمال كليتشدار أوغلو على رأس الجمهوريين لفترة طويلة وخسر جميع أنواع الانتخابات أمام أردوغان، ولهذا فليس من المستغرب أن تكون صورة الخاسر الأبدي عالقة خلفه.
وقالت الصحيفة إنه كانت هناك مقترحات لتسمية قادة آخرين لدور مرشح المعارضة لرئاسة تركيا؛ فعلى سبيل المثال، زعيمة "الحزب الجيد" ميرال أكشينار، وكذلك عمدة إسطنبول المنتمي لحزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، ولكن تبين - في النهاية - أن ميرال أكشينار غير مؤثرة بما يكفي للغرب، وتم إسقاط إمام أوغلو من قبل السلطات التركية نفسها.
وبينت الصحيفة أن أكشينار تأتي من خلفية قومية، ورغم أن الحزب الذي تقوده يلتزم بسياسة تمزج بين التأييد للغرب والقومية، لكنه ينحاز غالبا لهذه الأخيرة؛ فيما يعتبر حزب الشعب الجمهوري أكثر تأييدًا للغرب وأكثر نفوذًا من الحزب الجيد.
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن الانتخابات التركية الرئاسية المقبلة ليست مجرد اختيار بين حزبين أو رئيسين أو نظامين اقتصاديين؛ ولكنها في الحقيقة مواجهة بين عالمين مختلفين؛ فهنا قوى تركز على المصالح والقيم الوطنية، بقيادة رجب طيب أردوغان وحليفه دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية، ومن من ناحية أخرى هناك قوى تركز على التوجه نحو الناتو والولايات المتحدة والاندماج في الاتحاد الأوروبي، وهو تحالف المعارضة الذي تقوده الولايات المتحدة من خلف الستار؛ ويرأسه رسميًّا كمال كليتشدار أوغلو.