قال الباحث في "معهد واشنطن"،
مهدي خلجي، إن وثيقة يعتقد أنها لمحضر اجتماع بين المرشد الأعلى علي
خامنئي
وشخصيات بارزة من "الحرس الثوري"
الإيراني، تظهر أن العديد من رجال
الدين في إيران، يشعرون بعدم الرضى عن وضعهم وبعضهم يفقد الثقة في الجمهورية
الإسلامية.
ورأى الباحث في تحليل نشره المعهد حمل
عنوان "داخل النظام الإيراني (الجزء الثاني): أزمة رجال الدين"، أن
محضر الاجتماع المزعوم يظهر كيف يمكن أن تتطور المشكلة مع استمرار الاضطرابات
الداخلية.
ووفق التحليل فقد برزت مخاوف بشأن رجال
الدين في نص الوثيقة، خاصة في ما يتعلق بالاحتجاجات الأخيرة في إيران والقمع اللاحق
من قبل النظام.
ونقلت الوثيقة عن محمود محمدي شهرودي،
القائد السابق لقوات "الباسيج" التابعة لرجال الدين، وهي الفرع الديني
للمليشيا التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني، تحذيره من أن "خطر
فقدان الثقة بالنظام والمرشد الأعلى يمكن أن يهدد النظام بأكمله".
وأشار القيادي السابق بحسب الوثيقة،
إلى أن "الباسيج" لم تواجه مشاكل كالتي واجهتها خلال الاحتجاجات، بما
فيها انخراط أعداد غير مسبوقة من رجال الدين في مواجهة أيديولوجية عميقة مع بعضهم
البعض أو "التخلي عن الزي المقدس لرجال الدين" كلياً، حيث ترك ما يصل
إلى 5000 فرد من "الباسيج" وحداتهم في الأشهر الأخيرة.
وفي المرحلة القادمة، تشير تعليقات
شهرودي المزعومة إلى تغييرات وشيكة في نسيج رجال الدين، لا سيما طلاب الحوزة
العاطلين عن العمل الذين يجدون أنفسهم مستثنيين من مزايا النظام.
كما أن إضفاء المزيد من الطابع الأمني
على المؤسسة الدينية هو أيضاً احتمال، من شأنه أن يغلق أي أبواب متبقية لإصلاح
وقمع الأصوات الناقدة التي قد تقدم حلولاً مؤقتة للأزمة المتنامية.
ورأى التحليل أن تخلي رجال الدين عن زيهم،
لا يعد ظاهرة فريدة في تاريخ إيران الحديث فقد اتخذ العديد من طلاب الحوزة الشباب
هذا القرار عندما واجهوا أزمات لا يجدون لها مبرراً دينياً أو عقلانياً مرضياً،
بينما اضطر آخرون إلى ترك (الحوزة) بدوافع مالية أو اجتماعية أو سياسية.
وأكد التحليل أن الصعوبات الاقتصادية لطالما
كانت مشكلة لطلاب الحوزة بما أن دخلهم يقتصر على راتب شهري، يمكن أن يختلف
اختلافاً كبيراً اعتماداً على كيفية (ومدى) قيام السلطات الدينية العليا
(المرجعية) بتوزيع الأموال.
وأوضح أن ثورة 1979 غيرت بشكل جذري
طريقة تحصيل رجال الدين للأموال، والتي كانت تقتصر في السابق على تحصيل الضرائب
الدينية، إذ سمحت لهم الجمهورية الإسلامية بالاستفادة من موارد أخرى لا تحصى في
ميزانية الدولة والقطاع الخاص. ومع ذلك، فإنه لم يتم قط توزيع هذه الثروة المكتشفة
حديثاً بشكل منصف بين رجال الدين الأفراد، والمؤسسة الدينية ليست ملتزمة عموماً
بضمان معاملتهم معاملة عادلة، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية.
ولفت إلى أن الكثير من رجال الدين
يشعرون بخيبة أمل بشأن آفاقهم المستقبلية، وبالتالي ليس هناك سبب يدفعهم للبقاء
كرجال دين، خاصة أولئك الذين يركزون على الدراسة في الحوزات وليس لديهم منصب إداري
في المؤسسة الدينية أو الحكومة.
أما بالنسبة لأولئك الذين يتخلون عن
مناصبهم الدينية لأسباب أيديولوجية، فإن ما تغير ليس ظاهرة اعتراض رجال الدين
الأفراد على آراء المؤسسة وتنحيهم عنها، بل بالأحرى طبيعة النظام الذي يعترضون
عليه.
لكن في العقود الأخيرة، نظراً للطبيعة
المتطوّرة للجمهورية الإسلامية في عهد خامنئي، اتخذت الروحية الدينية التقليدية
لرجال الدين والتي تشمل خلافاتها الداخلية طابعاً أكثر سياسية وأيديولوجية
وشموليّة. فقد تحولت المؤسسة الدينية من مؤسسة تقليدية بسيطة إلى بيروقراطية واسعة
ومعقدة، مع وضع جميع رجال الدين تحت المراقبة الأيديولوجية المستمرة ومعاقبتهم
بشكل دوري إذا تجاوزوا الخطوط الحمر التي حددها المرشد الأعلى.
وفي ظل هذا النظام، وفي غياب أي أمل في
الإصلاح، يترك العديد من طلاب الحوزة الشباب المؤسسة الدينية بعد سنوات قليلة فقط،
كما أنه انخفض عدد الطلاب الجدد الذين يدخلون الحوزات إلى مستويات متدنية جديدة.
وهكذا، فإنه تم تقسيم المؤسسة إلى طبقتين
أوليتين: رجال الدين المستفيدون مباشرةً اقتصادياً وسياسياً من الجمهورية
الإسلامية، وأولئك الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم "رجال دين تقليديون"
ويتجنبون الارتباط بالحكومة. ويمثل العدد الكبير من رجال الدين الذين يشغلون مناصب
سياسية أو يستفيدون من الدعم المالي الحكومي المجموعة الأولى؛ وتنتمي آيات الله
العظمى مثل علي السيستاني أو حسين وحيد الخراساني إلى المجموعة الثانية.
ويشعر معظم أعضاء "المؤسسة
الدينية التقليدية" بقلق عميق بشأن مستقبل المؤسسة الشيعية على خلفية صورتها
السائدة كطبقة حاكمة في إيران. فعلى الرغم من عدم تأييدهم للأيديولوجيا السياسية
للنظام، أو عقيدته المتمثلة بولاية الفقيه التي تمنح المرشد الأعلى السلطة المطلقة،
أو سياساته وسلوكياته المختلفة في الداخل، إلا أنهم ما زالوا يترددون في التعبير
بوضوح عن وجهات نظر مختلفة أو الوقوف إلى جانب ضحايا قمع النظام وانتهاكات حقوق
الإنسان.
وتنبع هذه السلبية النسبية وفق التحليل
من سببين رئيسيين: الأول أنهم لا يشعرون بأنهم محصنون ضد القمع الحكومي المحتمل
نظراً لمدى عدائية تعامل النظام مع النقاد الدينيين البارزين في الماضي (على سبيل
المثال، الراحل كاظم شريعتمداري وحسين علي منتظري)، وأما الثاني فهو القلق مما يمكن
أن يحدث إذا تحولت الجمهورية الإسلامية إلى نوع من البديل العلماني (سواء كان
تحولاً عسكرياً أو ديمقراطياً)، بما أن رجال الدين سيخسرون مكانتهم المميزة
تاريخياً في هذا النظام ويعامَلون أسوةً بالمواطنين الآخرين.
بعبارة أخرى، حتى عندما ينتقد أعضاء
"المؤسسة الدينية التقليدية" النظام على خلفية تصويره الشخصيات الدينية
على أنها الطبقة الحاكمة في البلاد ومصدر الشرعية، فإنهم غير قادرين أيضاً على
قبول شكل حكم علماني لن تعُد فيه المؤسسات الدينية تتمتع بامتيازات.
وقد أصبحت العواقب العملية لهذه
المعضلة واضحة بصورة مؤلمة منذ الخريف الماضي، إذ إن رجال الدين التقليديين عاجزون
سياسياً، وليس لديهم الإرادة أو الوسائل للنأي بأنفسهم عن الحكومة ومناصرة مطالب
الشعب الديمقراطية.