نشرت صحيفة "
ديلي تلغراف" تقريرا للصحفية ستيفاني غلينسكي، قالت فيه إن بلدة أوفاكنت الصغيرة في هاتاي بتركيا -واحدة من أكثر المحافظات تضررا من الزلازل المدمرة التي ضربت المنطقة الشهر الماضي- لطالما أطلق عليها السكان المحليون لقب "أفغانستان الصغيرة".
منذ
الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر والعديد من الهزات التي تلته أسفرت عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص في جميع أنحاء
تركيا -بما في ذلك ما لا يقل عن 200 أفغاني- فمعظم المنازل في أوفاكنت تحولت إلى أنقاض، فيما يعيش الأفغان هناك في خيام حاليا.
يمتد معسكر الأفغان على طول الطريق الرئيسي والطريق السريع الوحيد المؤدي إلى مقاطعة هاتاي. وبينما حصل العديد من الأفغان هنا، على مر السنين، على الجنسية التركية، يقول آخرون إنهم قلقون الآن بشأن وضعهم كمهاجرين أكثر من أي وقت مضى.
المدينة لها تاريخ طويل مع الأفغان، حيث وصلوا لأول مرة منذ أكثر من 40 عاما، عندما غزا السوفييت أفغانستان، وأجلت الحكومة التركية حوالي 170 عائلة -معظمهم من الأوزبك والتركمان من المقاطعات الشمالية للبلاد- أعاد توطينهم في البلدة الصغيرة التي تقع في مكان جميل محاط بالأراضي الزراعية المورقة والجبال المغطاة بالثلوج.
مُنحت العائلات في نهاية المطاف جوازات سفر تركية، ومنذ ذلك الحين، أصبحت المنطقة نوعا من المغناطيس والملاذ الآمن للقادمين الجدد. على مدى العقود الأربعة الماضية، وصل المزيد من الأشخاص، بما في ذلك العديد ممن دخلوا تركيا من دون وثائق الهجرة الرسمية.
فر بعضهم من الحرب الأهلية ونظام
طالبان 1996-2001، وفر آخرون من "الحرب الأمريكية على الإرهاب". أحدث الوافدين يقولون إنهم هربوا من نظام طالبان الذي أعيد تأسيسه حديثا، غالبا عبر رحلة طويلة وخطيرة بمساعدة مهربي البشر.
على مر السنين، تحولت أوفاكنت بالفعل إلى منطقة يغلب عليها الطابع الأفغاني: في الشوارع، يمكنك سماع الناس يتحدثون الفارسية أو الأوزبكية، وقبل الزلزال، كانت رائحة الخبز الدافئ الطازج من التنور دائما في الهواء، وكان الرجال يجلسون في الخارج بالزي الأفغاني التقليدي، ويتناولون كوبا بعد كوب من شاي الهيل الأخضر.
دمر الزلزال كل شيء. وبينما تواصل الحكومة التركية إرسال المساعدات -الخيام والبطانيات والطعام ومياه الشرب من بين أمور أخرى- فإن تلك العائلات التي لا تملك حاليا أي وثائق للإقامة بشكل قانوني في تركيا تشعر بالقلق.
سامينا دورمان، البالغة من العمر 39 عاما وأم لسبعة أطفال، هي واحدة من هؤلاء. كانت عائلتها تقيم مع أصدقائها في أوفاكنت خلال السنوات الخمس الماضية، ولكنهم منذ الزلزال يعيشون في خيمة.
فرت الأسرة من مقاطعة قندوز شمال أفغانستان بعد مقتل شقيق دورمان على يد طالبان، ووصلت إلى تركيا عبر إيران بمساعدة مهرب. لقد تم الترحيب بهم بحرارة في أوفاكنت، ووجدوا أن العديد من السكان الآخرين كانوا أيضا من قندوز.
لقد أحبوا وطنهم الجديد، لكن حياتهم خلاف ذلك كانت طي النسيان منذ اليوم الأول. أوضحت دورمان أن الأسرة تقدمت بطلب للحصول على الحماية الدولية، وضع اللاجئ الرسمي. كان هذا قبل سنوات، لكنهم لم يتلقوا إجابة حتى الآن. عدم اليقين هذا ينغص عليهم.
تمكن زوجها من جني القليل من الدخل الجانبي من العمل كمزارع، لكنهم اعتمدوا بخلاف ذلك على المساعدة المالية من الأصدقاء والأقارب الذين يعيشون في أوروبا. اعترفت بأن العودة إلى أفغانستان -حيث ستحرم طالبان دورمان وبناتها من حقوقهن الأساسية- أمر غير وارد، لكن الحياة في تركيا لم تكن سهلة.
وقالت لصحيفة التلغراف: "من دون وثائق رسمية لا يستطيع أطفالي حتى الذهاب إلى المدرسة. نريد أن تكون تركيا وطننا، لكن من المستحيل الاندماج دون وثائق قانونية للبقاء هنا"، مضيفة: "ما زلنا ننتظر".
وفقا لـ "هيومن رايتس ووتش"، تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين من أي بلد في العالم -يقدر بنحو 3.9 مليون شخص- وقد تضرر الكثير من الزلازل المدمرة في شباط/ فبراير.
تقول السفارة الأفغانية في أنقرة إن ما يقرب من 400 ألف أفغاني يعيشون في تركيا، 130 ألفا منهم يتمتعون بوضع الحماية الدولية الرسمي، بينما يحمل 51800 تأشيرة أو تصاريح إقامة.
وأوضح نائب رئيس البعثة بالسفارة مصدق فقيري أن "البقية -لذا غالبيتهم- غير موثقين". وأضاف: "في العام الماضي، تم ترحيل حوالي 124 ألف شخص، معظمهم من الرجال، إلى أفغانستان، لكن الكثيرين استمروا في الوصول إلى هنا".
لم يتضح بعد ما إذا كان الأفغان سيستمرون في العيش في أوفاكنت في المستقبل. بالكاد هناك منزل آمن من الناحية الهيكلية في البلدة، وستستغرق إعادة البناء وقتا. قدر البنك الدولي الأضرار المادية المباشرة في جميع أنحاء تركيا بأكثر من 34 مليار دولار.
قال آغا مير، وهو رجل في أواخر السبعينيات من عمره وكان من أوائل الأفغان الذين وصلوا إلى أوفاكنت قبل 42 عاما، إنه واثق من أنه حتى الزلزال لن يدمر "أفغانستان الصغيرة".
وأضاف: "هربت من منزلي مرة واحدة بسبب الحرب. أوفاكنت الآن موطني، ولن أهرب مرة أخرى، حتى بعد الزلزال".