نشرت مجلة "
فورين بوليسي" تقريرا أعده
جوشوا ليفكويتز، الزميل في معهد شؤون الساعة العالمي والكاتب في شؤون
سوريا والشتات
السوري، قال فيه إن معاداة الأجانب في
تركيا تتحول نحو السوريين الذين أصبحوا بدون
وطن.
وبدأ الكاتب بالحديث عن زيارته لكل من لونا وفيلوتا
في شقة العائلة بأنطاكية في نهاية 2022، حيث كانتا ترسمان العائلة، الأب محمد والأم
رابعة والشقيق أحمد، وبعد ذلك أصبح الكاتب جزءا من رسوم الطفلتين، إلا أن هذا تغير
بعدما ضرب زلزال لا يحدث إلا مرة واحدة في جيل أو أجيال جنوب تركيا في 6 شباط/ فبراير،
وانهارت العمارة التي كانت العائلة تسكن فيها، ولم ينج أحمد. أما بقية العائلة فقد باتت
تبحث عن مسكن جديد في جنوب تركيا. وبالنسبة للونا وفيلوتا فهما بدون جنسية، ذلك أنهما
ولدتا مثل عشرات الآلاف لعائلات سورية مهاجرة أثناء الحرب، وحتى الأطفال الذين ولدوا
من زيجات مختلطة سورية-تركية فإنهم يواجهون خطر الحياة بدون وطن.
وأشار
الكاتب إلى لقاءات المسؤولين الأمنيين الأتراك والسوريين في الأيام الأخيرة من عام
2022 بموسكو وتصريحات أردوغان بأن "هدفنا هو بناء السلام والاستقرار بالمنطقة"،
إلا أن الكثير من السوريين يخافون من التقارب بين البلدين لأنه يعني ترحيلهم. وتخاف
رابعة من ترحيل ابنتيها إلى بلد لا تعرفانه أبدا. ويعمل أردوغان وحزبه الحاكم، حزب
العدالة والتنمية، على إعادة اللاجئين السوريين قبل انتخابات 14 أيار/ مايو في وقت
تصاعد فيه الخطاب المعادي للسوريين وزيادة جرائم الكراهية في داخل البلد.
وبات
السكان الذين يواجهون معدلات تضخم عالية واقتصادا متعثرا يشيرون بأصابع الاتهام إلى
السوريين. وقالت رابعة: "نتخذ الحيطة عندما نخرج من البيت" و"يتزايد
خوفنا كل يوم من أننا سنرحل".
ورغم
أن تركيا لم تنظر إلى نفسها كبلد مكون من مهاجرين، إلا أنه ظل كذلك، فهناك ألبان وبوشناق
(بوسنيون) وتتار وإثنيات أخرى هاجرت إلى الأناضول في القرن العشرين، ومرت 100 عام على
التبادل السكاني الكارثي التركي-اليوناني في عام 1923. ووصل حوالي 4 ملايين سوري إلى
تركيا خلال العقد الماضي بسبب الحرب الأهلية ويمثلون اليوم نسبة 5% من الأتراك. إلا
أن الشكل القومي الضيق في تركيا يتنكر للتاريخ المتعدد الثقافات الذي برزت منه تركيا
الحديثة.
وفي
الذاكرة الجمعية التركية فإن ما يبدو هو أن العرب هم من تآمروا مع البريطانيين ضد الدولة العثمانية
في الحرب العالمية الأولى. ومع أن سوريا شكلت جزءا من الدولة العثمانية على مدى
400 عام، واشتركت معها بالثقافة والتاريخ والدين إلا أن الصورة الشعبية عن العرب لدى
الأتراك هي أنهم "يطعنونك بالظهر". ويعتبر ضيا غوك ألب مؤسس القومية التركية أن العرب والأكراد والبربر خلافا للترك لم يتطوروا ويخرجوا من عباءة القبيلة، وذلك
في كتابه "تاريخ المدنية التركية". أما محمود عزت بوزكرت، الذي عمل وزيرا
للعدل في الجمهورية التركية الشابة عام 1930 فقد قال: "من لا ينتمون إلى العرق
التركي النقي لهم مكان واحد في هذا البلد: يحق أن تكون خادما ويحق أن تكون عبدا".
أما
اليوم، فيتمتع الأربعة ملايين سوري بنوع من الحماية المؤقتة وينظر إليهم كضيوف على البلد،
حتى لو كانوا مقيمين فيه منذ عقد. ورغم ما يمنحه هذا الوضع السوريين من الحقوق الأساسية،
مثل الرعاية الصحية والتعليم إلا أن الحماية تحرمهم من التقدم للحصول على المواطنة
التركية. ويسمح القانون التركي للأجانب بالتقدم للمواطنة بعد إقامة خمسة أعوام.
ويشكل
القاصرون 1.6 مليون من السوريين المقيمين في تركيا ومن بينهم 750,000 ولدوا في تركيا،
وكلهم بدون مواطنة أو جنسية. وهناك عدة أسباب تدعو لعدم الاعتراف بهذا الجيل المحروم
من الجنسية كسوريين وبشكل كامل. ومن ذلك عدم وجود قيود مدنية، والمعوقات للحصول على
شهادات ولادة في تركيا، والخوف من زيارة القنصلية السورية أو العودة إلى سوريا وقوانين
المواطنة التي تميز بين الجنسين. فلا يمكن لبعض الأمهات منح الجنسية للمواليد إلا إذا
ولدوا في داخل سوريا. وفي تركيا فالطفل في خطر البقاء بدون جنسية حالة عدم وضوح علاقة
الأم بالأب السوري أو التركي أو لا يمكن التأكد منها. ولمنع وضع عدم الجنسية، فإنه يسمح
القانون التركي للأطفال الذين يولدون في البلد ولا يستطيعون الحصول على المواطنة عبر
والديهم بالحصول على الجنسية التركية. إلا أن هذا الحكم لم يطبق أبدا على السوريين الذين
ولدوا في تركيا.
وواحد
من الأسباب لعدم تطبيقه، هو أن السلطات التركية لا تتعامل مع أبناء السوريين المولودين
في تركيا بأنهم بدون مواطنة لأنهم يستطيعون الحصول عليها عبر والديهم لو عادوا إلى
سوريا أو تقدموا بطلب للحصول عليها.
وتظهر
الأبحاث أن عدم المواطنة قد تقود إلى تهجير دائم، ولم تفعل السلطات ما يكفي لحل المشكلة.
فالأطفال السوريون الذين ولدوا في تركيا ودرسوا في مدارسها ويتحدثون التركية بطلاقة
ولا يعني هذا أنهم يستطيعون القراءة والكتابة بالعربية. وبدون مواطنة أو إقامة دائمة
فسيظلون في وضعية الضيف ولا يستطيعون الاندماج كليا في المجتمع التركي.
وحالة
عدم الجنسية ليست استثناء للسوريين، فالفلسطينيون يعتبرون أكبر مجتمع في العالم بدون
جنسية، حيث تمنع القوانين في الدول العربية عليهم الحصول على المواطنة. وترك هذا الفراغ
أربعة أجيال من الفلسطينيين في حالة حرمان دائم من الحقوق الأساسية وقيد حريتهم للحصول
على الخدمات العامة والبحث عن حياة. كما أن الأطفال السوريين الذين ولدوا في داخل سوريا
ولكن خارج مناطق النظام يعانون من نفس الوضع. إلا أن الوضع في تركيا هو الأبرز لأنها
استقبلت أكبر تجمع للمهاجرين في العالم.
ويشير
الكاتب إلى التغير في المزاج التركي بعد اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، حيث تبنت
حكومة أردوغان سياسة الباب المفتوح وقدم الرئيس نفسه كحام للسوريين ودعم ثورتهم، حتى
2015.
وفي
2016 بدأ أردوغان بمنح المواطنة التركية لبعض السوريين بناء على ظرف استثنائي في قانون
المواطنة التركي لعام 2009 والذي تصادق عليه الحكومة ويعترف بالأجانب الذين "قدموا
خدمات مهمة في المجال الاجتماعي والاقتصادي". ومنح بناء على هذا حتى نهاية
2022، مواطنة لـ 23,881 سوريا، بحسب وزارة الداخلية التركية.
وقال
أردوغان عام 2017: "هؤلاء مؤهلون جدا بين السوريين، فهم مهندسون وأطباء ومحامون"
و"دعونا نستفيد من هذه المواهب بدلا من جعلهم يعملون بشكل غير شرعي هناك وهناك،
ودعهم يعملون كمواطنين وكأبناء الأمة". واتهمت المعارضة أردوغان بأنه يحاول استغلال
بند غامض في القانون لكي يحرف ميزان الأصوات لحزبه.
ومع
مرور السنوات تغيرت المواقف التركية من اللاجئين الذين فتحت لهم أبوابها، ففي البداية
رحب الأتراك وتعاطفوا مع السوريين، لكن القادمين الجدد أصبحوا مصدر قلق لكل شيء من
تراجع الديمقراطية إلى زيادة التهديدات الأمنية والتراجع الاقتصادي. وقامت جماعات غوغاء
بنهب محلات السوريين في أنقرة عام 2021 كجزء من تصاعد المشاعر المعادية للمهاجرين.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022 طعنت مجموعة شابا سوريا قبل للدراسة في جامعة أنطاكية.
واستخدمت
المعارضة اللاجئين السوريين كورقة ضد الحكومة ونشر الخطاب المعادي والعنصرية وتحميلهم
مسؤولية كل شيء. وقام أوميت أوزداغ المعادي للمهاجرين بحرف الخطاب الوطني وأنشأ حزبا
عام 2022 مكرسا لترحيلهم. ودعم فيلم خيالي لتركيا عام 2042 "الغزو الصامت"
وصور فيه سيطرة السوريين على تركيا وأن الأتراك أصبحوا غرباء في بلدهم وتحول التركية
للغة ثانية بعدما أصبحت العربية اللغة الرسمية.
ولم
تخصص الحملات الانتخابية الحالية وقتا كبيرا للاجئين السوريين، لأن معظم الأحزاب السياسية
ترى أن عودتهم إلى بلادهم باتت محتومة مع قرب استئناف العلاقات مع سوريا. وفي العام
الماضي قال زعيم المعارضة كمال كليتشدار: "لا تقلقوا... سنرسل
أبناء السوريين إلى بيوتهم بالطبول والمزامير خلال عامين". وفي 7 آذار/ مارس انتخب
مرشحا للرئاسة من مجموعة تحاول الإطاحة بأردوغان.
ويعتبر
العلمانيون الأتراك في مقدمة الداعين لترحيل السوريين وزاد من قلقهم ما رأوه من انزلاق
تركيا نحو حكم الرجل القوي الإسلامي. وردا على معارضيه، أقسم أردوغان بأنه سيعيد السوريين
في نهاية 2022، مع أن الخطة ليست عملية أو قانونية. وهي محاولة منه لسحب البساط من
تحت أقدام المعارضة مثل محاولته لفتح العلاقات مع النظام السوري التي تدفع إليها المشاكل
المحلية.
ويأتي
التقارب التركي مع نظام بشار الأسد، بعد سنوات من السياسة الهادئة لترحيل السوريين
من تركيا.
وقالت
منظمة "هيومان رايتس ووتش" أن السلطات التركية اعتقلت تعسفيا ورحلت مئات
السوريين في الفترة ما بين شباط/ فبراير إلى تموز/ يوليو 2022. ويمنع ميثاق جنيف لعام
1951 والذي وقعت عليه تركيا من ترحيل اللاجئين.
وفي
آذار/ مارس 2022 قال شافش أونلو رئيس إدارة الهجرة إن حوالي نصف مليون سوري عادوا طوعا
إلى بلادهم منذ عام 2015. وبحسب الأمم المتحدة فقد عاد 29,000 لاجئ سوري عام 2022.
واقترح أونلو أن السوريين عادوا إلى المناطق التي تشرف عليها تركيا. إلا أن الهزة الأرضية
الأخيرة عقدت من الأمور، فمنذ شباط/ فبراير سمحت تركيا لـ 50,000 لاجئ سوري بالمغادرة
مؤقتا والعودة قبل 15 أيلول/ سبتمبر. ولم يحضر السوريون في النقاشات الانتخابية وإن
كانوا يريدون العودة أم البقاء في تركيا أو الانتقال لمكان آخر. ورغم ما ورد في دراسات
المفوضية السامية للاجئين بالأمم المتحدة فقد ارتفعت نسبة عدم الراغبين بالعودة إلى
بلادهم من نسبة 17% عام 2017 إلى نسبة 78% عام 2020.
وهذا
الموضوع إشكالي بالنسبة لمن ليست لديهم جنسية ولا يستطيعون الحصول على المواطنة في
سوريا، ما يعني حرمانهم من الميراث أو التملك، هذا إن سمحت السلطات السورية لهم بالدخول.
ويرى
الكاتب أن الانتخابات المقبلة قد توفر فرصة للنقاش البناء حول وضع اللاجئين السوريين
وفتح المجال أمامهم للمساهمة في اقتصاد البلاد، ومن المعروف أن التوظيف هو المفتاح
الرئيسي للاندماج. وفي عام 2016 فتحت تركيا المجال أمام السوريين للحصول على تصريح
عمل، إلا أن أرباب العمل ترددوا بتوظيفهم نظرا لتحملهم النفقات. وتقول الحكومة إنها
أصدرت تصاريح عمل لـ 91,492 سوريا عام 2021، فيما تقدر منظمة العمل الدولية أن نسبة
97% من السوريين يعملون بطريقة غير رسمية في تركيا.
وقامت
بعض دول أمريكا اللاتينية بسد ثغرة العمل غير الرسمي عندما منحت عفوا مؤقتا للاجئين
من فنزويلا التي هرب منها أكثر من 5 ملايين لاجئ وهي أكبر موجة لجوء حتى الآن في القارة.
وفي 2021 منحت كولومبيا وضعا قانونيا لكل الفنزويليين وأعطتهم إقامة لعشرة أعوام، ولاحظ
صندوق النقد الدولي أن الفرص الاقتصادية قد تزيد من الاندماج والناتج المحلي العام.
وفي
تركيا ربما منح العمل الرسمي طريقا قانونيا وجنبهم الوقوع في أيدي أصحاب العمل الذين
يستغلونهم، وخفف من مخاوف الطبقة المتوسطة من أن السوريين يسرقون أعمالهم ويتهربون
من دفع الضريبة. ويظل موضوع الجنسية محفوفا بالمخاطر لكن هناك حل من ناحية الشفافية
من تركيا والسوريين الذين سيدفعون إلى تعلم التركية لو كان هذا طريقا للمواطنة. وبهذه
الطريقة فإن الباب سيغلق أمام حملات التضليل ويمنع استخدام السوريين كورقة في الانتخابات
ومن الأحزاب السياسية.