قضايا وآراء

نحو بناء استراتيجية وطنية شاملة

جيتي
تستدعي التغيّرات السياسية في بيئة الصراع العربي الصهيوني، بما تحمله من مخاطر وفرص على صعيد حماية حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والتاريخية، الإسراعَ في التداعي فلسطينياً، بهدف بلورة سياساتٍ ورؤى جديدةً تواكب هذه التطورات، وتستجيب للتهديدات، وتستثمر الفرص في المشهد الفلسطيني، خصوصاً بعد الأداء المشرف للمقاومة الفلسطينية بعد الأداء المشرف للمقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس وتصاعد روح التحدّي والمقاومة في الضفة الغربية خصوصاً لدى جيل الشباب، والحضور والتفاعل المتنامي للفلسطينيين في الخارج مع تطورات المشهد السياسي والميداني الفلسطيني، بما يعزّز قدرة القوى الفلسطينية الفاعلة، على إدارة التحدّيات الراهنة والمستقبلية، والعمل على صياغة استراتيجية وطنية شاملة تحقّق تطلّعات الشعب الفلسطيني إلى الحرية والعودة والاستقلال.

بالتوازي مع المستجدّات في بيئة الصراع، ربّما لا يكون الفلسطينيون في أفضل أحوالهم اليوم، لكنهم ما زالوا يملكون من عوامل القوة وأدوات الفعل، وتجارب النضال، ما سيسمح لهم باستعادة زمام المبادرة والسيطرة على مصيرهم وقرارهم، ويمنع تصفية حقوقهم، ويستثمر صمودهم ومقاومتهم باتجاه برنامجٍ محدّد، هدفه النهائي والواضح هو إنهاء المشروع الصهيوني التوسعي العنصري على أرض فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني، بدعم الشعوب العربية والإسلامية وكلّ القوى المخلصة لقيم الحرية والاستقلال والمحبّة للسلم والأمن العالميَّين.

ربّما لا يكون الفلسطينيون في أفضل أحوالهم اليوم، لكنهم ما زالوا يملكون من عوامل القوة وأدوات الفعل، وتجارب النضال، ما سيسمح لهم باستعادة زمام المبادرة والسيطرة على مصيرهم وقرارهم، ويمنع تصفية حقوقهم، ويستثمر صمودهم ومقاومتهم باتجاه برنامجٍ محدّد، هدفه النهائي والواضح هو إنهاء المشروع الصهيوني التوسعي العنصري على أرض فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني

على هذا الأساس انعقد المؤتمر الصحفي للمؤتمر الشعبي لفلسطينيّي الخارج، للإعلان عن "الاستراتيجية الوطنية"، والدعوة إلى عقد ملتقى وطني للحوار بين جميع القوى الفلسطينية.

تستعرض "الاستراتيجية الوطنية" الفرصَ والتهديدات التي تحيط بالقضية الفلسطينية، كما تقترح مساراتٍ للعمل الوطني على كلّ الصعد السياسية والجماهيرية والميدانية والقانونية؛ وهي بذلك أتت ورقةً شاملة تعكس تراكم الخبرات الفلسطينية في ميدان النضال الوطني، وتُظهر نضجاً في استقراء تطورات الصراع مع الاحتلال، وإدراكاً عميقاً للتغييرات في البيئة الإقليمية والدولية.

ويأتي إطلاق "الاستراتيجية الوطنية" من المؤتمر الشعبي وفقاً لما يستشف من بيانات وتصريحات قيادة المؤتمر الشعبي، ضمن سياق تولّد قناعةٍ عامّة لدى النخب الفلسطينية بأهمية التعاون والتكاتف في العمل الوطني تتجاوز كلّ عقلية حزبية أو فصائلية ضيقة.

وبالتزامن مع سقوط رهانات معظم الفلسطينيين على مشروع التسوية، وتطلّعهم إلى مشروع وطني بديل يعيد الاعتبار لقضيتهم، ويوقف حالة الانهيار التي تسبّب فيها مسارُ التسوية ونهجُ القيادة الفلسطينية التفرّدي والإقصائي، فضلاً عن تزايد الوعي الشعبي حول طبيعة الصراع وسُبل المواجهة الفعّالة ضد المشروع الصهيوني. وأكثر ما تجلّى هذا الوعي في أحداث حيّ الشيخ جرّاح ومعركة سيف القدس، وتتكرّر أمثاله كلّ يومٍ في الخليل ونابلس وجنين وغيرها من المدن الفلسطينية.

أما على النطاق الإقليمي، فالمشهد فيما يبدو يتبدّل مع انحسار مفاعيل الصراعات الإقليمية والاشتباك الطائفي والانشقاقات التي خلفتها الحروب الأهلية في المنطقة، وهو ما نشاهده من الحوارات على المستوى الإقليمي، آخرها المصالحات الخليجية- الخليجية مروراً بتصحيح مسار العلاقات العربية التركية، وصولاً إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، ما يعني أننا إزاء احتمالات لتعافي الإقليم، ما يخلق بيئة أفضل للقضية الفلسطينية.

أما شعبياً فقد بدأت تظهر ملامح لاستعادة الخطاب الجماهيري على المستوى العربي الذي ينادي بمركزية فلسطين، وقد رأينا شواهده في مونديال قطر ٢٠٢٢، إدراكاً من هذه الجماهير لخطورة المشروع الصهيوني على المنطقة كلّها لا على الفلسطينيين فقط، على الرغم من محاولات التطبيع الرسمي من بعض الدول العربية.

بدأت تظهر ملامح لاستعادة الخطاب الجماهيري على المستوى العربي الذي ينادي بمركزية فلسطين، وقد رأينا شواهده في مونديال قطر ٢٠٢٢، إدراكاً من هذه الجماهير لخطورة المشروع الصهيوني على المنطقة كلّها لا على الفلسطينيين فقط، على الرغم من محاولات التطبيع الرسمي من بعض الدول العربية.

وتطرح وثيقة "الاستراتيجية الوطنية" مساراتٍ للتغلّب على التحدّيات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين، على الصعيد الوطني وحتّى على الصعيدين العربي والدولي، في ضوء مساعي دولة الاحتلال وحلفائها تصفية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، والقفز على تطلّعاته إلى الحرية والاستقلال والعودة.

ومن هذه التحدّيات التي تلحظها الاستراتيجية: الجهود الصهيونية في محاولات ضرب وحدة القوى الفلسطينية وتماسكها في الداخل والخارج، وتوظيف تباين عامل الجغرافيا السياسية كعامل ضاغط على قدرة الفلسطينيين على التماسك، ومحاولاته التأثير على أولوياتهم الوطنية، بموازاة سياسات الاحتلال وبرامجه لخلق أزمة ثقة بين جماهير الشعب الفلسطيني، وقوى العمل الوطني الفلسطيني، بكلّ تمثّلاتها الفصائلية والحزبية والمجتمع المدني، ما يولّد حالة عزوف عن الانخراط في العمل الوطني عموماً، وتقويض قدرة قوى المقاومة على حشد الطاقات الفلسطينية وتعبئتها في المواجهة المستمرّة مع دولة الاحتلال وأدواتها المختلفة.

وكذلك استمرار جهود الاحتلال وأدواته لعزل الشعب الفلسطيني عن عمقه العربي، وقطع امتداداته الإسلامية وصلاته العالمية ببُعديها الشعبي والرسمي، بهدف الاستفراد بالشعب الفلسطيني، لفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية والأمنية على مجمل الحالة الفلسطينية.

ويمكن تلخيص جملة الأهداف التي تسعى "الاستراتيجية الوطنية" إلى تحقيقها خلال السنوات القليلة المقبلة في:

- إحداث تحوّل نوعي في القدرة على الصمود ومواجهة الاحتلال الاستيطاني في الضفة، عن طريق دعم المقاومة الشعبية والجماهيرية على أوسع نطاق كي تشمل أغلب القرى والمدن والبلدات الفلسطينية.

- تصليب قاعدة المقاومة في غزة، وإسقاط أهداف مشروع الحصار السياسي والعزل الجغرافي والحرب الاقتصادية والمالية على الشعب الفلسطيني.

- دعم صمود أهل القدس أمام برامج التهويد، وتطوير استراتيجية تبطل مفاعيل برامج العدو للتقسيم الزماني للمسجد الأقصى، واستحضار تجربة وتكثيف نموذج المرابطين وحلقات العلم في ساحات المسجد الأقصى.

- تعزيز المكانة السياسية لقضيتنا في كلّ المحافل، وبناء أذرع فلسطينية تختصّ بمساحات الاشتباك القانوني والإعلامي ضدّ أذرع الاحتلال وأدواته خارج فلسطين المحتلة.

- الوصول إلى بناء "جبهة وطنية عريضة" تكون بمثابة كتلة سياسية وجماهيرية ومؤسّسيّة غالبة/ مانعة، تعيد للفلسطينيين السيطرة على عملية تمثيلهم وصناعة قرارهم.

- توفير شبكة أمان اقتصادي ومالي تعزّز عوامل الصمود ومواجهة الاحتلال، وهي مسألة توازي بأهميتها وربما تتفوق على إمداد الفلسطينيين بالقدرة على الدفاع عن أنفسهم أمام آلة القتل الصهيوني.

- العمل على تقويض مسار التطبيع وإحباط محاولات العدو التمدّد في المنطقة والإقليم، والتداخل مع نخبها السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية.

انطلقت فلسفة "الاستراتيجية الوطنية" وركّزت على ضرورة تجاوز أزمة القيادة، من خلال بناء أوسع توافق وطني ممكن، بهدف الوصول إلى برنامج سياسي يجسّد مفاهيم الشراكة الوطنية في كلّ المؤسّسات، عن طريق إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني

- بحث سبل مضاعفة الدور العربي في احتضان القضية الفلسطينية بوصفه مطلباً فلسطينياً شعبياً وفصائلياً، لرعاية اتفاق يقود إلى توحيد القيادة الفلسطينية وبناء نظام سياسي فلسطيني جديد أكثر عدلاً وتوازناً، وفقاً لقاعدة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها.

ختاماً: انطلقت فلسفة "الاستراتيجية الوطنية" وركّزت على ضرورة تجاوز أزمة القيادة، من خلال بناء أوسع توافق وطني ممكن، بهدف الوصول إلى برنامج سياسي يجسّد مفاهيم الشراكة الوطنية في كلّ المؤسّسات، عن طريق إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وضمان التمثيل السياسي لكلّ القوى الفلسطينية.

وكذلك خلق ظروف مواتية لبناء نخبة وطنية تتخطّى انقسامات النخب السابقة وإحباطاتها، تسهم في ترسيخ وعي وطنيّ متقدّم وإرادة مشتركة لكلّ الفلسطينيين، وتتغلّب على تباين البيئات السياسية والجغرافية التي ينتشرون فيها، وتفوّت على الاحتلال فرصة التلاعب بهذه التباينات أو التناقضات الثانوية واستغلالها. وترى الاستراتيجية أهمية حشد طاقات الفلسطينيين في الداخل والخارج بما يزيد ويعمّق نقاط الاشتباك السياسي والقانوني والشعبي بكلّ الأشكال مع الاحتلال.