نشرت
صحيفة "
واشنطن بوست" تقريرا أعدته لويزا لافلاك ومصطفى سالم، تحدثا فيه عن
مخلفات الحرب الأمريكية في
العراق وتداعياتها الصحية على السكان الذين عاشوا قريبا
منها، من انتشار أمراض السرطان وحالات ضيق التنفس بين من تعرضوا للتلوث الذي أحدثه
الأمريكيون أثناء احتلالهم للعراق.
وقام
التقرير على مقابلات مع السكان وخبراء أكدوا الآثار الصحية، في وقت حصل فيه الجنود
الأمريكيون على اعتراف من الحكومة الأمريكية بسبب تعرضهم لمكبات
النفايات والدخان المنبعث
منها وأثر ذلك على حالتهم الصحية.
وفي
التقرير الذي أعد من قرية البوحشمة قرب بلد التي تبعد 50 ميلا شمالي العاصمة بغداد،
قال سكان المنطقة إن الدخان قرب القاعدة العسكرية الأمريكية كان كثيفا ولم يعرفوا ما
يقوم الأجانب بحرقه، قبل أن يشعروا بضيق التنفس.
وكان
المزارعون العائدين إلى بيوتهم يحملون آثار السخام على أذرعهم، ومن ثم بدأت القصص حول
ما يرميه الجنود في مكب الحرق من البطاريات إلى البراز والبلاستيك وحصص الطعام وحتى
الثلاجات.
وقال
تميم أحمد التميمي (35 عاما): "كنا نسعل دائما"، و"لكننا لم نعرف أن هذا
الدخان يمكن أن يقتل الناس، وفكرنا أن المقذوفات الصاروخية هي التي تقتل فقط".
وتعلق
الصحيفة بأن آثار الاحتلال الأمريكي لا تزال واضحة على العراق بعد عشرين عاما، ويظهر
على البنايات التي خرقها الرصاص والبيوت المهدمة، وهناك إرث آخر، أكثر غدرا وديمومة
من العنف حيث قام الجنود في القواعد العسكرية بحرق نفاياتهم في الأماكن المفتوحة بشكل
سمم الهواء حولهم.
وبدأ
الأطباء والعلماء الأمريكيون بالقلق على الجنود الذين تعرضوا للنفايات السامة، لكن
العراقيين تعرضوا أيضا للسموم ومرضوا. وقال التميمي: "لا أحد أخبرنا". وأشارت
الصحيفة إلى أن جهودا أمريكية مماثلة لتعويض الجنود السابقين عن التعرض للتلوث لم تحدث
مع العراقيين الذين تأثروا بنفس المستوى واستنشقوا الهواء المسموم.
وفي
زيارة إلى بلد ومقابلة عدد من المواطنين هناك، قال معظمهم إنهم كانوا شبابا وفي
صحة
جيدة عندما عملوا في القواعد الأمريكية أو عاشوا قربها، وأن عائلاتهم ليس لديها تاريخ
بالأمراض التي يعانون منها الآن. وأكد باحثون درسوا آثار محارق النفايات والأطباء المحليون
على ظاهرة زيادة الأمراض التي جاءت نتاجا للحرب وسنوات من التعرض للتلوث بعد الغزو.
وبعد عقدين على الحرب وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن العام الماضي على تشريع يعترف بالرابطة
بين التعرض للسموم وظروف صحية تهدد حياة الجنود، ووسع المنافع والخدمات لأكثر من
200,000 جندي يعتقد أنهم تعرضوا لضرر دائم من محارق النفايات المفتوحة في حروب ما بعد
9/11.
ويعرف
التشريع بقانون الميثاق ويعتبر تحولا في الطريقة التي باتت فيها الولايات المتحدة
تتعامل فيها مع ضحايا التعرض للمحارق الذين لا تظهر الأعراض عليهم إلا بعد عدة سنوات.
وترى
الصحيفة أن الموضوع هذا يعتبر شخصيا للرئيس بايدن الذي طالما اعتقد أن محارق النفايات
المفتوحة كانت سببا في سرطان الدماغ الذي قتل ابنه بيو والذي أرسل للقتال في العراق
ضمن فرقة الحرس الوطني من ديلاوير. وتضيف الصحيفة أن محرقة النفايات في قاعدة بلد المشتركة
كانت الأكبر وامتدت على مساحة 10 فدادين. وبحلول 2008 كان يحرق فيها يوميا حوالي
150 طنا من النفايات، بحسب "ميليتري تايمز".
وفي
مذكرة لزملائه في 2006 وصف الجنرال دارين أل كيرتس، المهندس في مجال
البيئة الحيوية محرقة
النفايات بأنها "أسوأ المواقع البيئية". وأضاف الجنرال جيمس إليوت تعليقا
على المذكرة محذرا من أن "المواد المسببة للسرطان وضيق التنفس التي تنبعث في الجو
تعتبر خطرا على جنودنا والسكان المحليين".
وطلبت
الصحيفة بشكل متكرر من دائرة شؤون المحاربين القدماء في وزارة الدفاع معلومات عن عمليات
في القاعدة الجوية بالعراق، وحصلت على جواب أنها لم تعد تحتفظ بمعلومات عنها ولا تعرف
أي مؤسسة تقوم بعمل هذا. وقال مسؤول علاقات عامة في البنتاغون: "لا أعرف أين تقع
قاعدة بلد المشتركة وما إن كانت لا تزال موجودة".
وقال
أحمد عبد المطلق الذي تطل أرضه على القاعدة "لقد تأخرتم" و"مات الناس".
وبالنسبة
للأمريكيين فقد كانت القاعدة معروفة للأمريكيين بمعسكر أناكوندا، وقاعدة إدارة الاحتلال
التي قادت عمليات البحث عن صدام حسين وكافحت للسيطرة على التمرد. وكانت القاعدة مدينة
قائمة بذاتها واستقبلت في ذروة العمليات 36,000 جندي ومتعهد أمني وفيها دور سينما ومطاعم
للأكل السريع. وظلت محرقة النفايات مشتعلة ليلا ونهارا بدون أي معالجة للنفايات الصلبة،
ووكل الجيش أمرها لمتعهدين أمريكيين ومحليين قاموا بحفر الحفرة ورموا النفايات وصبوا
زيت الطائرات وأشعلوا فيها النيران.
وبحلول
2010 وجدت دراسة أن نسبة 7% من الجنود العائدين من العراق يعانون من مشاكل في التنفس.
ووصف عراقي الدخان بأنه مثل "غلاف مسموم" فوق البلد، وتسبب بمرض المواشي
وبدأت صدور الكبار في العمر بالصفير. وعندما فرضت القوات الأمريكية حظر التجول وزادت
حرارة الصيف فقد لازم السكان بيوتهم التي دخل إليها الدخان المسموم.
وقالت
قمر هيثم، 34 عاما، والتي كان عمرها 14 عاما عند الغزو: "جعلت الأمور مشوشة"
و"أصبح صدري ثقيلا". وشعرت بورم في رقبتها ووجدت صعوبة في بلع الطعام. وأدى
الدخان إلى التهاب الغدة الدرقية التي كانت مصدر ألم لها قبل الغزو، وبدأت بالتردد
على المستشفى.
ويقول
الأطباء المحليون إن معدلات سرطان الدماغ والرئة والرقبة والانسداد الرئوي المزمن كانت
نادرة قبل الغزو، لكنها بدأت تظهر بين الشباب وبشكل مفاجئ. وكانت هيثم واحدة منهم بعدما
أظهرت صورة وجود ورم في الغدة الدرقية. وقال حسان حسن، خبير القلب في مستشفى بلد: "القضية هي أن المنطقة حول قاعدة بلد الجوية هي زراعية" و"ظهرت أمراض
تعلمنا على اكتشافها في المناطق الصناعية أو قرب المدن الكبرى".
وفي
المركز الصحي بقرية أبو الحسن، جنوب شرقي القاعدة لاحظ الأطباء نفس الأعراض. وقال طبيب
المركز ليث رشيد: "لدينا عدة أطفال بمشاكل تنفس وأزمة وسل"، مضيفا أن الزيادة
حصلت بعد 2005 و2006. وأشار حسن في مكتبه في بلد إلى المشاكل التي حددها قانون الميثاق الأمريكي وقال إنها لو حصلت للجنود فقد
حصلت بشكل منطقي للسكان المحليين و"لكنهم إن لم يلتفتوا إلا قليلا للجنود الأمريكيين
فلماذا سيهتمون بالعراقيين العاديين".
وتقول
الصحيفة إن القوات الأمريكية لم تخطط للبقاء طويلا في العراق، وافترضت أن أهله سيرحب
بهم كمحررين، ومع تصاعد المقاومة في بلد وحولها، فإنه لم يعد هناك اهتمام بكيفية التخلص
من النفايات.
ومع
انسحاب الأمريكيين من العراق في 2011 فإنهم استخدموا 150 موقعا لحرق النفايات وبأحجام
متفاوتة، وكلما اقتربت من المحرقة كانت فرص الإصابة أكبر كما يقول أنطوني سزيما،
مدير مركز نورث ويل الصحي الدولي.
وبحسب
وزارة الصحة العراقية فإنه لا توجد سجلات صحية في السنوات الأولى للغزو وتم حرق ما كان موجودا
منها بعد سيطرة تنظيم الدولة على المنطقة. ويقول الخبراء إن الربط القاطع بين محارق
النفايات والأمراض في العراق يحتاج لمشاركة المراكز الصحية المرموقة. وما هو مؤكد في
بلد وبحسب الأطباء وقادة المجتمع والسكان فإن من عاشوا في اتجاه الريح القادم من محرقة
النفايات تعرضوا للدخان ولحوالي 8 أعوام. وقال حسن: "تنفس السكان الدخان ليلا
ونهارا".