نشرت صحيفة
"
واشنطن بوست" تحليلا للصحفي الروسي ليونيد بيرشدسكي، قال فيه إن أهمية
الحرب في أوكرانيا بالنسبة لعالم الغرب تكمن وبشكل واسع في الجغرافيا، فهي حرب
تدور في أوروبا على مسافة قصيرة من أثرى الدول وأكثر الدول سلمية في العالم.
وشبه الكاتب
الحرب الأوكرانية بالحرب
العراقية الإيرانية، معتبرا أن كل مقارنة تاريخية هي مجرد
تمحك، فالتاريخ لا يعيد نفسه، لكن أي قارئ لفصل من فصول حياة
صدام حسين يجد أنه لا
مهرب من المقارنة.
وأشار إلى أن
صدام حسين دخل في حرب الخليج الأولى في أواخر أيلول/سبتمبر 1980، لمنع انتشار
الثورة الإسلامية في إيران بين الشيعة في العراق، بينما يبرر
بوتين غزو أوكرانيا بأنها
هجوم وقائي ضد من أسماها "حكومة النازيين الجدد" في كييف.
ولفت إلى أن
الخطاب الحكومي العراقي حين الحرب مع إيران يشبه الخطاب الروسي في أوكرانيا، موضحا
أن كلا من الزعيم العراقي حينها صدام حسين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاولا
تقديم نفسيهما بأيام الحرب على أنهم أبطال تاريخيون للعراق وروسيا.
ومثل بوتين
2022، استطاع صدام 1980 الانتصار في الهجوم المفاجئ. وكتب مؤرخ حياة صدام، سعيد أبو
الريش أن صدام كان يتوقع بكل الأحوال نهاية الحرب في أيام معدودة ويتم التفاوض بعد
انهيار المقاومة الإيرانية. وتقدم الجيش العراقي واحتل عددا من البلدات والقرى
وعلى جبهة واسعة، وبدا أقوى من جيش الأعداء.
ومثل بوتين،
فشل الجيش العراقي بتدمير الدفاعات الجوية لكي يحقق التفوق بالجو، واتضح أن الجيش
العراقي لم يعد قادرا على الإحتفاظ بجبهة طويلة وزيادة الضغط على الإيرانيين. ومثل
بوتين بعد 42 عاما، فقد أساء صدام تقدير الإرادة القتالية للمتطوعين الإيرانيين
المدربين بشكل سيء وأثبتوا أنهم قادرون على مواجهة جيش محترف.
وكتب إفرايم
كارش وإناري راوستي سيرة لصدام في عام 1991، حيث جاء فيها أن القوات العراقية وجدت
نفسها أمام عملية عسكرية تم التحضير لها على عجل ووسط أجواء جوية قاسية وعمليات
انتحارية وهو ما أدى إلى فقدانها الهدف. واستغل النظام الثوري الانشقاقات داخل
الجيش العراقي والتخلي عن الأسلحة وأسرى الحرب للتقدم. وهي قصص تبدو مألوفة وسط
تجنب أداء الواجب والمعنويات المتدنية لدى الجنود الروس، بل والشغب.
وفشل الغزو
العراقي لأن صدام حاول قيادة جيشه من "مستوى الفرق إلى ضرب أي هدف تكتيكي
وهامشي" حسبما كتب أبو الريش. وكان بوتين منخرطا في التفاصيل العملياتية
للغزو، مع أنه لم يخدم في الجيش ولا صدام أيضا.
وأدت النكسات
على الجبهة لدفع صدام إلى تحصين الحدود، خشية قيام الإيرانيين بهجوم مضاد. وهو أمر
يفعله الروس اليوم في مناطق بيليغرود وكيرسك بعد نجاحات الأوكرانيين في الخريف
الماضي.
ومثل بغداد
قبل عقود، تبدو موسكو اليوم بعيدة عن الحرب ولا يشعر سكانها بأن هناك غزوا يجري في
أوكرانيا.
وكتب كارش
وراوتسي: "بدلا من تخصيص كل المصادر للجهود العسكرية، كما فعل الإيرانيون،
أراد صدام أن يظهر لشعبه أنه قادر على شن حرب والحفاظ على جو الحياة العادية في
الوقت نفسه".
ورضي
العراقيون مثل الروس اليوم بالوضع لأن صدام عوض العائلات التي فقدت أبناءها بالحرب
وقدم لها السيارات والأراضي وقروضا بدون فوائد للبناء. وتعطي حكومة بوتين تعويضات
كافية لشراء سيارات روسية الصنع.
وتحمل
البلدان، سبع سنين حرب، وكانت الحرب عبارة عن قتال لاستعادة مناطق صغيرة، واستخدم
صدام الأسلحة الكيماوية لضرب المدن الإيرانية مثلما استخدم بوتين الغارات
الصاروخية لضرب البنى التحتية المدنية في أوكرانيا.
ويمكن تفسير
الصمود من الطرفين من خلال الموقف الأمريكي. فالقوى العظمى لم تمانع حربا طويلة
بين عدوين لدودين، آية الله الخميني والقومي صدام حسين. ومالت نحوه باعتباره علمانيا وأخف الشرين، ولكنها باعت الأسلحة سرا لإيران من خلال صفقة إيران- كونترا.
وفي الحرب
الحالية، فقد دعمت أمريكا وحلفاؤها أوكرانيا، لكنها لم تتدخل للدفاع عنها، ومن هنا
فميزان القوة بين المتحاربين متساو، نظرا للقدرات البشرية والعسكرية الروسية.
والحرب مجهدة،
فبحلول عام 1987 كان صدام مستعدا لسحب قواته من إيران وبناء على قرار مجلس الأمن،
لكن لم يكن هذا كافيا لإيران كأوكرانيا اليوم. وبعد سلسلة من النكسات، واستمرار
احتلال صدام لبعض الأراضي وافقت إيران على قرار الأمم المتحدة حسبما كتب أبو
الريش، بشكل جعل صدام يخرج أو يزعم الانتصار.
وتم نسيان
خسائر الحرب 360.000 عراقي وإيراني وإصابة 700.000 من الطرفين وأن الحرب كلفت 600
مليار دولار.
وربما احتفل
بوتين بنفس الطريقة، باستثناء الرقص، لو سمح له بالحفاظ على أي من الأراضي التي
احتلها في أية تسوية. فعندما لا يعلن عن أهداف الحرب وتختفي الأهداف الأولى يستطيع
الديكتاتوريون لعب دور المنتصر.
وبالنسبة
لصدام وبوتين فأي نتيجة تؤكد استمرارية صعودهما هي نصر. وربما لن يكون بوتين
مستعدا للتخلي عن الأراضي كما فعل صدام الذي كان يركز نظره على المغامرة القادمة،
وهي احتلال الكويت، وهي التي قررت مصيره بعد تدخل أمريكا عسكريا، ليس مباشرة.
وعندما قرر
بوتين غزو أوكرانيا فقد أخرج نفسه من صف القيادة الأوروبية وتحول نحو آسيا. وبات
يشبه ديكتاتورا من دولة نفطية في الشرق الأوسط، ومثل صدام فهو معجب بستالين.
وكلاهما جاءا من خلفية اجتماعية متواضعة وتطلعا لدور تاريخي، وكلاهما استخدم القمع
والعنف وأقاما نظاما فاسدا وأغدقا الأعطيات على أجهزة الأمن والمخابرات.
وبالمقارنة بين
الزعيمين، رغم ما فيها من قصور، فقد كان صدام سينجو وبدون قدرات نووية لو لم تتدخل
الولايات المتحدة عسكريا. وربما تسامح العراقيون مع حكمه القمعي وبدون مغامرات
عسكرية وكوارث أدت لتراجع مستويات الحياة.
وما حققه صدام
يظل مستحيلا لبوتين، فدبابات أمريكية تتقدم نحو موسكو كما فعلت في بغداد، حتى لو
كان الأوكرانيون يرغبون برؤيتها. والدرس من الحربين هو أن السلام لن يتحقق قريبا.