كشفت لجنة
تحقيق في
العراق، أن مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى
الكاظمي كان ضالعا في مؤامرة
اختلاس 2.5 مليار دولار من حساب بنكي للدولة.
ويزعم التقرير الذي اطلع عليه موقع "
ميدل إيست آي"، أن ثلاثة من أعضاء مكتب الكاظمي مهدوا السبيل لاختلاس 2.5 مليار دولار بعد إثارة المخاوف حول سلامة الأموال.
وكانت قد تشكلت لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد أن شاع خبر الجريمة التي وصفت بـ"اختلاس القرن".
ويوم الجمعة صدرت مذكرات توقيف بحق المتهمين بتهم "تسهيل الاستيلاء على أموال إيداعات الضرائب"، وقد صدرت توجيهات إلى السلطات بمصادرة ممتلكاتهم.
وتاليا التقرير كاملا كما ترجمته "عربي21":
خلصت لجنة تحقق في اختلاس 2.5 مليار دولار من حساب بنكي للدولة في العراق إلى أن مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي كان ضالعاً بشكل رئيسي في المؤامرة، وذلك بحسب ما يكشف عنه تقرير اطلع عليه حصرياً موقع ميدل إيست آي.
تشكلت لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعد أن شاع خبر الجريمة، التي وصفتها وسائل الإعلام العراقية بأنها "اختلاس القرن".
تتكون اللجنة من أعضاء في مجلس النواب ينتمون إلى مختلف الفصائل السياسية، وكلفت بمهمة معرفة كيف تمت عملية الاختلاس ومن هو المتورط فيها.
تم تسليم التقرير النهائي للجنة أثناء عطلة نهاية الأسبوع. وخلص التقرير إلى أن عدداً من أعضاء فريق رئيس الوزراء السابق هم من "سهلوا عملية الاختلاس" بينما كانوا على رأس عملهم وساعدوا في تهريب الأموال المسروقة إلى خارج البلاد.
ثلاثة من أعضاء مكتب الكاظمي هم من بين أبرز الشخصيات المتهمة، وهم: مدير المكتب ورئيس المخابرات رائد جوهي، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، والمستشار السياسي مشرق عباس. وقد ورد اسم وزير المالية السابق علي علاوي. إلا أنهم جميعاً ينفون التهم الموجهة ضدهم.
ويوم الجمعة صدرت مذكرات توقيف بحق الرجال الأربعة بتهم "تسهيل الاستيلاء على أموال إيداعات الضرائب"، وصدرت توجيهات إلى السلطات بمصادرة ممتلكاتهم.
جاء إصدار مذكرات التوقيف "بعد ظهور دليل جديد يشير إلى تورط عدد من الشخصيات الأخرى في الحكومة السابقة"، بحسب ما ورد في بيان صادر عن الهيئة الفيدرالية للنزاهة، التي شكلت لجنة التحقيق.
وصدرت أوامر بإلقاء القبض على تاجرين كويتيين من أصول عراقية، كانا على علاقة وثيقة بعلاوي.
وسارع الكاظمي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في الفترة من أيار/ مايو 2020 إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2022 قبل أن يُستخلف بمحمد شياع السوداني، إلى شجب الاتهامات.
وقال إن التحقيق "تنعدم فيه الحدود المقبولة للاستقلالية ويشير إلى مقاربة سياسية مفتوحة في استهداف وإنهاء كل من كان على صلة بالعمل مع الحكومة السابقة".
واتهم الكاظمي التحقيق باستهداف بعض الناس بهدف التستر على "المجرمين الفعليين.".
تحذيرات تم تجاهلها
على الرغم من أن بيان الهيئة الفيدرالية للنزاهة لم يكشف عن تفاصيل الدليل الجديد الذي تم التوصل إليه، إلا أن هذه التفاصيل متضمنة في تقرير لجنة التحقيق.
وجدت اللجنة أن ما يقرب من 4 تريليونات دينار، أي ما يعادل حوالي 3 مليارات دولار، تم سحبها من بنك الرافدين المملوك للدولة. وتم سحب المبلغ عبر 260 شيكاً، وجرى توزيعه على سبع شركات خاصة في الفترة ما بين أيلول/ سبتمبر 2021 وآب/ أغسطس 2022.
خمس من الشركات السبع تأسست حديثاً ولا يوجد لديها سجلات ضريبية، بينما تم شراء الشركتين المتبقيتين من قبل المتهمين "بغرض إتمام عملية الاختلاس"، بناء على ما ورد في تقرير اللجنة.
ويقول التقرير: "لم تحصل أي من الشركات على تفويض قانوني من قبل المالكين الفعليين للمبالغ المودعة بسحبها، على الرغم من ادعائهم بأنهم يملكون ذلك التفويض".
وكانت الأموال المختلسة عبارة عن مبالغ دفعتها مقدماً شركات بهدف تسوية ما سيترتب عليها من التزامات ضريبية في المستقبل.
في السابق، كان ديوان الرقابة المالية الاتحادي، وهو جهاز الرقابة على الإنفاق الحكومي في العراق، هو الذي يشرف على طلبات استعادة الإيداعات الضريبية.
ولكن، قبل بضعة أسابيع من بدء عملية اختلاس الأموال، جرى تعديل سمح بسحب الأموال دون الحصول على إذن من ديون الرقابة المالية الاتحادي.
تقول لجنة التحقيق إن "المراسلات الرسمية" التي تحيط بالتعديل توصف باعتبارها دليلاً مهماً على عملية الاختلاس.
ومن بين الأسماء التي وردت في التقرير باعتبارها متورطة في تلك النقاشات: هيثم الجبوري، الرئيس السابق للجنة المالية في البرلمان والمستشار المالي للكاظمي، وسامر عبد الهادي، المدير السابق للهيئة العامة للضرائب، وكريم بدر الغازي، المدير السابق لدائرة التحقيقات في الهيئة الفيدرالية للنزاهة، بالإضافة إلى كل من الجوهي وعلاوي.
تنسجم استنتاجات التحقيق مع ما أورده تقرير لموقع ميدل إيست آي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر حول كيف تمت عملية الاختلاس وحول المتهمين بتسهيلها.
وقال مسؤول كبير في وزارة المالية إن ديوان الرقابة المالية الاتحادي كان قد حذر من قبل بأن الإيداعات الضريبية في الحساب كانت في خطر، وحاول التحذير من أن بعض الناس قد يسعون إلى سحب هذه الأموال بطريقة غير مشروعة، إلا أن أحداً فيما يبدو لم يأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد.
وقال المسؤول إن تقارير ديوان الرقابة المالية الاتحادي تحولت بدلاً من ذلك إلى "مفتاح رئيسي" سمح برسم الخطة من ألفها إلى يائها.
وأضاف: "الوحيدون الذين استفادوا من التحذيرات هم اللصوص أنفسهم، والذين اتخذوا من صفارات الإنذار مرشداً لهم للوصول إلى موقع المال والتعرف على الآليات التي تمكنهم من وضع اليد عليه ثم سرقت".
تبديل الحسابات
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2017، أرسل ديوان الرقابة المالية الاتحادي نتائج تدقيق كان قد أجراه على الودائع الضريبية للعامين 2015 و 2016 وللشهور الأربعة الأولى من عام 2017 إلى مكتب رئيس الوزراء وإلى الهيئة العامة للضرائب.
اشتمل التدقيق على العديد من الملاحظات، ومن أبرزها أن عدداً ضخماً من الإيداعات الضريبية قد تراكم في حساب واحد، وأن إجراءات استرداد الإيداعات مختلة ويمكن أن يتم التلاعب بها واستغلالها.
وجد ديوان الرقابة المالية الاتحادي أن أكثر من 4.9 تريليون دينار (ما يعادل حوالي 4 مليارات دولار) من الإيداعات الضريبية قر تراكم في حساب بنكي تملكه الهيئة العامة للضرائب في فرع الأحرار من بنك الرافدين.
وتواصلت الهيئة العامة للضرائب مع قسم المحاسبة في وزارة المالية لحل الإشكالات المتعلقة بمواطن الضعف.
وفي شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2018، فيما يبدو أنه محاولة لحل المشكلة، فتحت الهيئة العامة للضرائب حساباً جديداً في الفرع الضريبي من بنك الرافدين من أجل "إيداع المبالغ التي يتم استلامها باعتبارها إيداعات ضريبية." وأطلق على الحساب الجديد اسم "قسم كبار دافعي الضرائب".
وكانت الخطة تقضي بتجميد الحساب القديم استعداداً لإغلاقه بشكل نهائي بعد ستة شهور. ويقول التقرير كاشفاً تفاصيل ذلك: "وهو أمر لم يتم الالتزام به، على النقيض مما ورد النص عليه تحديداً في توجيهات قسم المحاسبة".
ما حصل في الواقع هو أن الهيئة العامة للضرائب حولت ما يزيد عن 4 تريليون دينار من الحساب القديم إلى الحساب الجديد، والذي كان يتحكم به عبد الهادي، المسؤول في الهيئة العامة للضرائب.
حصل التحويل على شكل دفعات بدأت في شهر آب/ أغسطس من عام 2018 وانتهت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2020.
ولاحظت اللجنة أن الأموال تمت مراكمتها تارة أخرى في الحساب الجديد، والذي سرقت منه.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال مسؤول عراقي كبير على اطلاع بتفاصيل التحقيقات: "تشير جميع المعلومات التي كشفت عنها التحقيقات حتى الآن إلى أن التخطيط للسرقة بدأ في وقت ما في الفترة ما بين 2018 و 2020".
وأضاف: "شبكة المتورطين واسعة وتتضمن زعماء سياسيين وقيادات في الفصائل المسلحة، ومسؤولين كبار سابقين وحاليين. إلا أن الاسم الذي ظل يتردد في كل مرحلة من مراحل التحقيق هو رائد الجوهي.. والغريب في الأمر أن كل الأسماء الأخرى إما تقود إليه أو ترتبط به بطريقة أو بأخرى".
صلاحيات واسعة
لا يحدد تقرير اللجنة بالضبط الدور الذي يُزعم أن الجوهي قام به في هذه العملية، ولكنها تسمى مكتب رئيس الوزراء باعتباره أحد الأطراف الرئيسية المتورطة في عملية الاختلاس.
ويقول إن المكتب اتصل بمسؤولين في وزارة المالية وبمدراء الهيئة العامة للضريبة وبعض فروع البنك المعنية بدون الإشارة إلى وزير المالية علاوي، ووجهت "السلطات المعنية نحو إسقاط ديوان الرقابة المالية الاتحادي من طلبات التدقيق المتعلقة باستعادة الإيداعات الضريبية". ويرد ذكر اسم الجوهي في التقرير في العديد من المراحل.
وكان مدير مكتب الكاظمي، الذي لمع اسمه كقاضي تحقيق رئيسي في محاكمة صدام حسين، قد عُين مراقباً عاماً لوزارة المالية في شهر أيار/ مايو من عام 2019 من قبل رئيس الوزراء في ذلك الوقت عادل عبد المهدي.
شغل الجوهري المنصب إلى أن ألغاه البرلمان العراقي في تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام. ولكن الكاظمي أعاده إلى الصدارة بعد تسعة شهور من خلال تعيينه مديراً لمكتبه، ومنحه، كما يقول عضو سابق في فريق الكاظمي في تصريح لموقع ميدل إيست آي، صلاحيات واسعة جداً.
في موقع آخر، يفصل التقرير في كيف وجدت التحقيقات أن علاء خلف ماران، السكرتير الخاص للجوهي، كان على مدى العامين الماضيين وبشكل منتظم يرافق رجل الأعمال نور زهير جاسم، المتهم الرئيسي في عملية الاختلاس، في رحلات خارجية على متن الطائرة الخاصة لزهير.
تكشف سجلات سلطة الطيران المدني، والتي استخدمت من قبل لجنة تقصي الحقائق، أن ماران وزهير كانا في كثير من الأحيان يرافقهما شخص ثالث هو اللواء ضياء الموسوي، مدير العمليات في جهاز المخابرات.
وكان الكاظمي، الذي بقي رئيساً لجهاز المخابرات لمدة عامين أثناء رئاسته للوزراء، قد عين الجوهي خلفاً له في الوكالة في تموز/ يوليو من عام 2022، مع أن الجوهي ليست لديه خلفية تذكر في قطاع المخابرات.
ووجدت اللجنة أن ماران كان كذلك صديقاً لكريم بدر الغازي، مدير قسم التحقيقات التابع للهيئة الفيدرالية للنزاهة. أخبر غازي اللجنة بأن ماران دعاه هو وزهير للسفر معه في عدة رحلات.
صدرت مذكرة توقيف بحق موسوي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر "بسبب ضلوعه في إجراءات تهريب المبالغ المسروقة إلى خارج العراق".
لم يتمكن المحققون من الوصول إلى موسوي أو الجوهي وأخبروا من قبل جهاز المخابرات الوطني أن الأول "لاذ بالفرار من العراق" بينما "تم نقل" الآخر.
قالت اللجنة إنه على الرغم من الطلبات المتكررة للحصول على أي تفاصيل بشأن الجوهي، إلا أن جهاز المخابرات لم يكشف عن المكان الذي "تم نقله" إليه ولا عن السبب الذي من أجله صدر أمر نقله.
نكتة القرن
وجدت لجنة تقصي الحقائق أن زهير يحمل جواز سفر دبلوماسياً أصدرته له وزارة الخارجية ولقبه فيه أنه رجل أعمال.
كما قالت إن مذكرتي توقيف اثنتين ومنعاً من السفر صدرت ضده في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019 وفي كانون الأول/ ديسمبر من عام 2020 بزعم إصداره شيكات بلا رصيد.
وقال التقرير: "إلا أنه غير مسجل في قائمة بيانات المطلوبين.". وهذا ما أتاح له القيام بواحد وعشرين رحلة إلى الخارج على متن طائرته الخاصة في عام 2021 وفي عام 2022.
ألقي القبض على زهير في مطار بغداد الدولي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وفيما بعد صادرت السلطات منه ما يقرب من 182 مليار دينار (حوالي 125 مليون دولار)، ولكن قاضي التحقيق أمر بإطلاق سراحه بكفالة بعد أن أبرم صفقة لإعادة الأموال التي بحوزته وتسمية المتهمين الآخرين، بحسب ما صرح به لموقع ميدل إيست آي مسؤول عراقي بارز على اطلاع بتفاصيل التحقيق. ولقد حاول موقع ميدل إيست آي من قبل التواصل مع زهير.
وقال المسؤول العراقي: "صدمت حينما قرأت نتائج التحقيقات. إنها نكتة القرن وليست اختلاس القرن".
وأضاف: "نور زهير، الذي كان مطلوباً للعدالة، كان يحمل جواز سفر دبلوماسي وكان يرافقه في كل واحدة من رحلاته مسؤول كبير في جهاز المخابرات أو مسؤول في مكتب رئيس الوزراء".
وقال أيضاً: "إن التفسير الوحيد لهذا الأمر هو أنه كان ينقل المال بهذه الطريقة مستخدماً طائرته الخاصة. لا يوجد تفسير آخر".