أثارت الحملة
التي أطلقتها الحكومة
العراقية ضد صانعي "المحتوى الهابط"، انقساما حادا
في الأوساط الشعبية والسياسية في البلاد، وذلك بعد اعتقال العشرات وإصدار القضاء
أحكاما تتراوح بين أربعة أشهر وعامين بحق البعض منهم، فيما أفرجت عن آخرين.
الحملة بدأت قبل أيام ولا تزال مستمرة، فقد أعلن اللواء سعد معن، مسؤول الإعلام في
وزارة الداخلية، خلال مقابلة تلفزيونية أن "من يتفاعل مع منشورات المحتوى
الهابط، ويضع إعجابا، فهو شريك ومساهم في الجريمة، وقد نحرّك شكوى ضده".
وعلى ضوء ذلك،
فقد أعرب البعض عن تخوفه من أن تطال الحملة أصحاب الأقلام الساخرة التي تنتقد الحكومة،
أو من المساس شيئا فشيئا من حرية التعبير، أو أنها للتغطية على أزمة ارتفاع سعر صرف
الدولار، بينما رآها آخرون إجراءات قانونية تهدف إلى إنهاء "ظاهرة
ممنهجة للإساءة للشعب العراقي".
وقت
مناسب
وتعليقا على
ذلك، رأى الخبير القانوني العراقي أمير الدعمي في حديث لـ"عربي21" أن
"الحملة جاءت متأخرة، لكنها أتت في الوقت المناسب للحد من هذه الظاهرة التي
انتشرت، والتي أعتقد أنها ظاهرة ممنهجة للإساءة للشعب العراقي، وبالتالي يجب أن
تنتهي".
ومن الناحية
القانونية، قال الدعمي إن ما يجري هو تطبيق لأحكام القانون العراقي رقم (111) لسنة
1969، والذي احتوى على مثل هذه القضايا التي تتعلق بكل ما يخدش الحياء والإخلال
بالآداب العامة، وبالتالي فقد جرى تطبيقه على المحتوى الهابط الذي يسيء للمجتمع
العراقي ككل.
وبخصوص ما
طرحه مسؤول إعلام وزارة الداخلية اللواء سعد معن عن معاقبة كل من يتفاعل مع
المحتوى بوضع الإعجاب، رأى الدعمي أنه ربما يكون قد "خانه التعبير"،
لأن ما طرحه "أمر مبالغ به"، فلا يمكن أن يدان الشخص كونه وضع إعجابا على المحتوى.
ويعتقد الدعمي
أن من يحدد الموضوع بموجب القانون هو القضاء العراقي، وهو الذي يطبق الفقرة
القانونية على ما يتضمنه المحتوى، سواء انطبق عليه أم لم ينطبق، وبالتالي فإن الغلو والتخويف
من أن هناك مستوى هابطا وغيره من الأمور الأخرى، يجب أن يخضع بالتالي للقضاء.
وأشار الدعمي
إلى أن توقيت الحملة ليس له علاقة بالأزمات الحالية في البلد، وأن هناك من يحاول
خلط الأوراق ويخوّف المجتمع العراقي من أن ما يجري هو بداية لتكميم الأفواه، "لذلك فنحن نحذر من استغلال الحملة نحو هذا الأمر".
وأوضح الخبير
القانون أن كل من أدينوا بالمحتوى الهابط، هم فعلا أساؤوا للمجتمع العراقي، ويجب
أن ينتهوا كونهم أساؤوا وأفسدوا الذوق العام، قائلا: "أستبعد أن يستغل الأمر
في تكميم الأفواه، لأن الدستور العراقي كفل حرية التعبير، وأن قانون جرائم
المعلوماتية يختلف عن قانون العقوبات الحالي".
حملة
انتقائية
وفي المقابل،
قالت الباحثة في الشأن السياسي العراقي، نوال الموسوي، إن ثمة إشكالية تتعلق
بتفسير معايير المحتوى الهابط، وكذلك مفردة الآداب العامة، وكيف يجري تصنيفها وفق
المستجدات والمتغيرات التي تطرأ على المجتمع من خلال اختراق الثقافات عبر مواقع
التواصل وغيرها من وسائل الإعلام، بحسب تعبيرها.
ورأت الموسوي
في حديث لـ"عربي21" أن هناك انتقائية يجري التعامل معها من خلال الأجهزة
الأمنية، والعديد من الشخصيات المثيرة للشبهات والخلافات "مسنودة سياسيا"، بشكل أو بآخر لم تشملهم هذه الإجراءات، بينما طالت الناس البسطاء الذين لا
يمتلكون أي وسيلة للدفاع غير الحق العام المكفول قانونا.
وأوضحت أن هذه
الانتقائية التي يجري التعامل بها من السلطات الأمنية تثير المخاوف بخصوص تصنيف
المحتوى الهابط، "فإن استمر الأمر على ما هو عليه فإنه يؤثر على الحالة
الديمقراطية في البلد، خصوصا أنه جرى إقامة 45 ألف بلاغ بهذه الخصوص، بالتالي ربما
يدخل العديد من هذه البلاغات ضمن أعمال تصفية الحسابات والتسقيط".
ورأت الموسوي
أن "جميع الأحكام التي صدرت كانت بحق أشخاص بسطاء عاطلين عن العمل، ولا
يمتلكون حتى مبلغ توكيل محام للدفاع عنهم، وبالتالي فإن هناك إيحاء بأن هناك جهات مستهدفة دونا عن أخرى
مسنودة سياسيا ولا يقترب منها أحدا"، مشيرة إلى أن "هناك تشخيصا دقيقا للعديد من الشخصيات التي تظهر على مواقع التواصل وتهين حتى الرتب العسكرية
والمسؤولين الحكوميين، لكن يجري التغاضي عنها".
وبحسب
الباحثة، فإن القرار القضائي الحالي غير الواضح والمحدد حيال "المحتوى
الهابط" قد يؤدي إلى التراجع في تقييم العملية الديمقراطية في البلد كونها
مراقبة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة، لذلك فإن ما يجري ربما يشكل إخفاقا كبيرا
في هذا الأمر.
وعن توقيت
إطلاق الحملة ومدى تعلقها بالأزمات، قالت الموسوي: "نحن تعودنا على الطبقة
السياسية التي تدير المشهد في العراق منذ 20 عاما أنها تفتعل الأزمات للتغطية على
تمرير مشاريع أخرى".
وأردفت بأنه قد
يكون الغرض من الإجراءات الجديدة التغطية على موضوع ارتفاع سعر صرف الدولار، إلى
جانب موضوع تمرير قوانين مهمة مثل قانون الانتخابات و"هذا يعطي مساحة من
الحرية والوقت للقوى السياسية لجذب اهتمام الشعب بعيدا عن الإجراء الحكومي المؤثر
بشكل مباشر على العملية الديمقراطية وتصنيفها في العراق"، بحسب تعبيرها.
أصل
الحكاية
وفي السياق
ذاته، قال عضو البرلمان العراقي ماجد شنكالي، إن "المحتوى الهابط والمسيء
للذوق العام يجب أن يتم تحديده بشكل واضح لكي تتم معاقبة من ينشره، ولكن تركه
فضفاضا دون تحديد سيجعل تقديره مزاجياً بحسب رغبات وأهواء السلطة".
وشدد شنكالي
عبر "تويتر" على ضرورة "ألا تكون العقوبة بأثر رجعي، بل بعد إصدار
القرار، أما تحقق الردع العام فهذا مصطلح يجب الوقوف عليه وتوضيحه".
من جهته،
تساءل الكاتب والمحلل السياسي، يحيى الكبيسي، عن تجاهل وزارة الداخلية للظاهرة إلى
حين تحولها إلى مشكلة حقيقية، مرجعا الأمر إلى "فضيحة صانعي المحتوى" التي
تفجرت خلال بطولة الخليج العربي في البصرة الشهر الماضي.
وتابع في مقال
له في صحيفة "القدس العربي" بأن الحاجة إلى "شو إعلامي" للتغطية
على فضيحة سرقة القرن، هو ما يقف وراء الحملة الأخيرة.