"قطعة
واحدة لكل عميل".. "قطعتان لكل عميل".. انتشرت مثل هذه العبارات
التي وضعت في لافتات داخل المتاجر والسلاسل التجارية الكبيرة، بشكل لافت في
مصر في
ظل أزمة نقص المعروض في بعض السلع الاستراتيجية مثل الزيوت والسكر والدقيق والأرز.
وتواجه
مصر أزمة في توفير بعض السلع الاستراتيجية ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بنسب تراوحت بين 50
بالمئة إلى 100 بالمئة خلال الشهور القليلة في أعقاب الحرب الأوكرانية، وقرار
المركزي المصري تقييد عمليات الاستيراد والتي أصيبت بالتوقف منذ شباط/ فبراير
الماضي من أجل توفير العملة الصعبة.
تراكمت
البضائع في الموانئ المصرية لشهور بانتظار توفير الدولار للشركات من البنك المركزي
حتى تكدست بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد وأدت إلى نقص المعروض في المخازن
والمتاجر، قبل أن يتراجع البنك المركزي عن قراره تحت ضغط نقص البضائع والمواد
الخام والسلع وخسائر المستوردين، وتعليمات صندوق النقد الدولي.
العودة
إلى رفع القيود عن الاستيراد من خلال إلغاء العمل بالمستندات الاعتمادية وتحريك
سعر صرف
الجنيه من خلال اعتماد نظام سعر صرف مرن، كان ضمن المطالب الرئيسية لصندوق
النقد الدولي في برنامج قرض مع مصر، بقيمة 3 مليارات دولار تمت الموافقة عليه في
16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بعد مفاوضات مضنية وشاقة.
وعلى
مدار نحو 10 أشهر عانى المستوردون في مصر من أزمة البنك المركزي في توفير العملات
الأجنبية وخاصة الدولار مع النقص الشديد بالعملات الصعبة، ما عرقل وصول المستوردين
إلى خطابات الاعتماد المستندية.
وطوال
تلك الفترة مرت السوق المحلية بأزمة شح بأغلب السلع والخامات ومستلزمات إنتاج
المصانع، وتراكم السلع بالموانئ مع عجز المستوردين عن توفير الدولار لمواصلة
عمليات الاستيراد والإفراجات الجمركية عبر الاعتمادات المستندية.
ما
بعد إلغاء "قرار فبراير"
قال
رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة سابقا، أحمد شيحة، إن "قرار
المركزي في شباط/ فبراير الماضي الذي قيد حركة الاستيراد كان له تأثير سلبي على
السوق المصرية الكبيرة، التي تستورد كميات ضخمة من السلع الأساسية ولا يمكن تأجيلها، ما تسبب في تراجع المعروض من البضائع والسلع وزيادة الأسعار بشكل واضح ومؤثر، وفتح
باب الاحتكار".
لكنه
توقع في تصريحات لـ"عربي21" أن "تبدأ الأسواق بالهدوء مع إلغاء
المركزي المصري "قرار فبراير"، والعودة إلى النظام القديم في عمليات
الاستيراد، إضافة إلى جهود الحكومة في إدخال جميع البضائع العالقة والمكدسة في
الموانئ منذ شهور طويلة، وهذا سوف يساعد في إعادة دوران عجلة الإنتاج في البلاد
بعد تعطلها بسبب نقص المواد".
مشيرا
إلى أن "هذا يعني توفير المواد الخام والسلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج
والسلع الاستراتيجية ستكون متوفرة بشكل دائم ولن يكون هناك نقص في المعروض بعيدا
عن الاحتكارات الموجودة والتي ظهرت بقوة خلال الفترة الماضية وأثرت بشكل سلبي على
الأسعار، ولا يمكن خفض الأسعار إلا إذا توفرت السلع بشكل كاف في الأسواق".
وقال
رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأسبوع الماضي، إن الحكومة لديها خطة كاملة
لخروج كل البضائع من كل الموانئ بشكل تدريجي من خلال العمل على توفير الدولار،
مشيرا إلى أنه تم الإفراج عن بضائع بقيمة 6 مليارات و250 مليون دولار خلال شهر
ديسمبر/ كانون الأول الماضي من إجمالي 15 مليار دولار بضائع محتجزة في الموانئ.
من
جهته، أوضح رئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية ورجل الأعمال، أحمد الوكيل، أن
ارتفاع الأسعار لا يرجع إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، مؤكدا أن
الأمر يعود برمته إلى نقص المعروض في السوق.
في
تصوره لإنهاء الأزمة، أوضح خلال مداخلة مع أحد البرامج المتلفزة، أن اعتماد سعر
صرف مرن بشكل كامل سوف يمكن الدولة من زيادة العرض والإنتاج، وبالتالي سيؤدي ذلك
إلى خفض الأسعار، مهما كان سعر الصرف.
ليست
عروضا
ورصد
مراسل "عربي21" قيام الكثير من السلاسل التجارية في أكثر من منطقة بوضع
لافتات تشير إلى عدم اقتناء أكثر من قطعة لبعض المنتجات أو قطعتين على أقصى حد
بهدف توفير السلعة لأكبر عدد من الزبائن، ولكنها أغضبت المستهلكين أيضا، كما اختفت
بعض السلع لبعض الشركات من نفس المنتج لعدم قدرتها إما على الإنتاج أو لنفاد حصة
المتجر من البضاعة.
وأعرب
متسوقون عن تذمرهم، وقال أحد الزبائن لـ"عربي21": "كانت توضع مثل
تلك اللافتات على بعض السلع أو المنتجات التي ترغب بعض المتاجر في الترويج لنفسها
من خلال عرضها بنصف السعر أو سعر تنافسي، ولكنها الآن بأسعار مرتفعة والكميات
محدودة".
وأضاف:
"أضطر في الحقيقة إلى الذهاب إلى متجر آخر من أجل الحصول على قطع أخرى لتلبية
احتياجات المنزل، زجاجة واحدة من الزيت، أو كيس واحد من السكر والدقيق لا يكفي
بالطبع أسرة مكونة من 4 أفراد بضعة أيام، ولكن نأمل أن تظل السلع موجودة حتى وإن
كانت محدودة، اختفاء السلع سيجعل هناك أزمة أكبر".
وقفز
معدل التضخم السنوي في مصر إلى 19.2 بالمئة خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من
16.3 بالمئة في تشرين الأول/ أكتوبر السابق له، وهو أعلى مستوى له منذ خمس سنوات،
وسط توقعات باستمرار وتيرة زيادة معدلات التضخم قبل أن تعود للتراجع.
وساهم
في نقص المعروض لجوء شركات مصرية، بحسب وكالة "بلومبيرغ" إلى تخفيض
العمالة والإنتاج في الوقت الذي تكافح فيه لتفادي تأثير الانخفاض الكبير في قيمة
العملة الذي ساعد السلطات في إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي.
وأشارت
إلى أن الشركات نقلت نسبة أكبر من نفقاتها إلى المستهلكين، فإن المخاوف بشأن
التكاليف دفعتها إلى خفض أعداد الموظفين واستنفاد مخزونات المدخلات في كانون الأول/ ديسمبر، مما أدى إلى زيادة إضافية في الأعمال المتراكمة.