دخلت
الحملة الانتخابية (التشريعية) في
تونس مرحلتها الأخيرة دون ضجة إعلامية كبيرة مقارنة
بالانتخابات السابقة، فيما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع يوم 17 كانون
الأول/ ديسمبر، الذي يتزامن مع ذكرى اندلاع "ثورة الياسمين" عام 2010.
وأجمع
خبراء، في تصريحاتهم لـ"عربي21"، على أن التغطية الإعلامية للحملة
الانتخابية دون المستوى المطلوب بسبب ضعف المحتوى، فضلا عن القانون الانتخابي
الجديد الذي يجرد الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي والبصري من مهامها، في
الوقت الذي هددت فيه نقابة الصحفيين بمقاطعة
الانتخابات لأسباب مهنية.
وتقدمت
الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس بدعوى قضائية لدى المحكمة
الإدارية ضد هيئة الانتخابات، متهمةً إياها بالاستيلاء على صلاحياتها.
و"الهايكا"
هيئة دستورية مسؤولة عن تنظيم قطاع الإعلام السمعي البصري وتعديله وضمان تعدده
وتنوعه وتوازنه واستقلاليّة وسائله، إضافة إلى عملها على ضمان حرية التعبير في
إطار احترام الضوابط القانونية، بحسب موقعها الإلكتروني.
وقال
رئيس الهيئة النوري اللجمي إن "الهايكا تقدمت بقضية عاجلة ضد هيئة الانتخابات
لدى المحكمة الإدارية بعد استيلائها على صلاحيات الهايكا المنصوص عليها بالقانون
الانتخابي".
وأعدت
هيئة الانتخابات حصص التعبير المباشر للمرشحين (مقاطع فيديو يعرضون فيها برامجهم
الانتخابية وتُبث في التلفزيون الرسمي) مع مؤسسة التلفزة التونسية (حكومية)، في
إقصاء للـ"هايكا"، وفق اللجمي، مضيفا أن "الحملة الانتخابية تشهد
فتورا رغم تسجيل تحسن أداء الصحفيين من انتخابات إلى أخرى".
وتسبب
تداخل المهام بين هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري إلى حرمان عديد
المترشحين من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام ضمن الحملة الانتخابية ما أثر على
الظهور الإعلامي المخصص للتعريف بالبرامج الانتخابية.
التعاطي
مع وسائل الإعلام
وكشف
مترشح للانتخابات التشريعية لـ"عربي21"، طلب عدم ذكر اسمه، أن هيئة
الانتخابات أعلمته صراحة بأنه يُمنع الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية،
قائلا: "تبقى مشاركتي في الإعلام المحلي ضبابية، لكن لا أجد حلا آخر لإيصال
صوتي للناخبين".
وعن
التعاطي الإعلامي مع الحملة الانتخابية، قال عضو النقابة الوطنية للصحفيين
التونسيين عبد الرؤوف بالي إن العملية تجري بشكل طبيعي، حيث يقوم الصحفيون بمهامهم
بناء على تجاربهم السابقة في الانتخابات، دون تسجيل أي خروقات.
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أشار بالي إلى أن "بعض الصحفيين وجدوا مشاكل في
التواصل مع عدد من المترشحين للإدلاء بتصريحات، انطلاقا من منعهم من قبل هيئة
الانتخابات من الإدلاء بتصريحات، وهذا غير قانوني".
وأضاف
أن "الهيئة لم تتمكن من نصح المترشحين بشأن العلاقة مع وسائل الإعلام، مثل
التصريح لوسائل الإعلام الأجنبية أثناء الحملة الذي يمنع القانون، ما جعل البعض
يعتقد أن التصريح لكل وسائل الإعلام ممنوع، وهذه مغالطة تتحمل مسؤوليتها هيئة
الانتخابات التي تدخلت في مهام هيئة الاتصال السمعي البصري".
وكشف
عضو النقابة أن "عدد من المترشحين يسوقون لفكرة أن وسائل الإعلام تريد ضرب
هيئة الانتخابات، وكأن هناك من في هيئة الانتخابات أعطى لهم مفاهيم خاطئة وقع
تبنيها من قبل مترشحين، وهذا موثق"، متمنيا أن تجري هيئة الانتخابات تعديلات
في هذا الشأن.
وتابع
قائلا: "زميلة صحفية أخبرتنا بأن أحد المترشحين قال لها إن هيئة الانتخابات
منعته من الإدلاء بتصريحات صحفية لوسائل الإعلام، وهذا يؤكد عديد التجاوزات على
مستوى الهيئة".
واستبعد
بالي فرضية مقاطعة نقابة الصحفيين للانتخابات، قائلا إن "للمواطن الحق في
المعلومة، ومن دور الصحفيين إيصال المعلومة وصوت المترشحين، والزملاء حريصون على
ذلك"، مستدركا: "بل إن هيئة الانتخابات هي تدعو المترشحين لمقاطعة وسائل
الإعلام".
"أما
بالنسبة للمترشحين الذي قبلوا بتخاريف هيئة الانتخابات، هم يتحملون مسؤوليتهم وهذا
خطأهم ولا يمكن لهم لاحقا أن يلوموا وسائل الإعلام على عدم تغطية الحملة
الانتخابية"، بحسب عبد الرؤوف بالي.
تدخّل
سعيّد
وعن
التعاطي الإعلامي للحملة الانتخابية، اعتبر عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال
السمعي والبصري هشام السنوسي أن "هذه الحملة باهتة لغياب الأحزاب والسياقات
التي تأتي فيها هذه الحملة فضلا عن تغيير القانون الانتخابي دون الأخذ بعين
الاعتبار تغطية الحملة، وهذه الأخطاء بصدد التأثير على الحملة".
وقال
في حديثه لـ"عربي21" إن "من ضمن نقاط ضعف الحملة الانتخابية هي
هيئة الانتخابات في حد ذاتها، حيث تم المساس بمصداقيتها منذ تدخل رئيس الجمهورية
قيس سعيّد وتعيين أعضائها، وتأكد ذلك في محاولاتها أن تحول صلاحياتها إلى ولاية
مطلقة على الانتخابات".
وأضاف
أن "هيئة الانتخابات اعتدت على صلاحيات هيئة الاتصال السمعي البصري وما كان
هذا ليحدث لو كانت هيئة الانتخابات لا تتمتع بدعم من قبل السلطة التنفيذية،
باعتبار أنها قامت بشيء مخالف للقانون".
وختم
السنوسي قوله بأن "هذه الانتخابات التشريعية تحوم حولها العديد المؤشرات
السلبية، والتي سنقول فيها رأينا بعد الإعلان عن نتائجها".
وحاولت
"عربي21" التواصل مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لطلب التوضيح
بشأن منع المرشحين من الإدلاء بتصريحات دون أن تتمكن من ذلك.
وخلال
شهر نيسان/ أبريل الماضي، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوماً يقضي باستبدال
أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، المنتخبين من قبل البرلمان السابق،
بسبعة أعضاء جدد، في خطوة تلت حلّ مجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء.
"انحسار
الحرية"
بدوره،
قال الإعلامي التونسي مراد علالة إن "الإعلام الوطني لم يرتق للأسف إلى
المستوى الذي بلغه في الاستحقاقات الانتخابية السابقة سواء في مستوى الحرية
والتعدد والتنوع والاختلاف، أو في مستوى الحرفية والتحفيز على المشاركة المواطنية،
ويعود ذلك إلى المناخ العام الذي يتميز بدوره بحالة احتقان سياسي وعزوف شعبي عن
المشاركة والاهتمام بالشأن العام تحت وقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية".
وأضاف
في تصريح لـ"عربي21": "نتيجة لذلك، ارتبك التعاطي الإعلامي مع عموم
المسار الانتخابي وبخاصة الحملة الانتخابية التي بدت باهتة وتقنية أكثر من اللزوم
وتم اختزالها في إطلالات رتيبة وثقيلة للمترشحين تنفّر القارئ والمستمع والمشاهد
أو تدفعهم نحو الإحباط والاستهزاء بمضامين الخطاب".
وتابع:
"تسبّب مناخ انحسار الحرية كما رصدته الهياكل المهنية وحتى طيف واسع من
الصحافيين في ضعف المواكبة الإعلامية النوعية للانتخابات وفي تقليص فرص المبادرة
والمغامرة في الإخبار والتعليق الحرّ كما يقال خصوصا في ظل هشاشة أوضاع الصحافيين
وظروف عملهم".
وعن
منع المترشحين بإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية، قال علالة: "لسنا
نبالغ حين نقول إن هيئة الانتخابات هي واحدة من أكبر وأخطر نقاط الضعف في العملية
الانتخابية الراهنة، فهي علاوة على كونها محل جدل قانوني في مستوى التركيبة
القانونية ومحلّ مؤاخذات في علاقة بدورها في التربية على الديمقراطية، دخلت في
خصومة عبثية مع شريكتها هيئة الاتصال السمعي البصري وانبرت في اتخاذ قرارات غير
منطقية من قبيل التمييز بين القطاعين العمومي والخاص وتحجيم دور هذا الأخير إضافة
إلى منع المترشحين من الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام الأجنبية".
واعتبر
أن هذا "قرارا تمييزيا لا يتناقض فقط مع طبيعة الفضاء الإعلامي المعولم ولكن
يطرح السؤال حول ترسانة التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية التي تؤطّر سلوك
المترشحين سواء صرحوا للإعلام الداخلي أو الخارجي وخصوصا الوسائط القانونية التي
لها وجود قانوني ببلادنا عبر المكاتب أو المراسلين أو غيرهم وبالتالي فالقرار سلبي
ولا موجب له غير الخشية ربما أو الحسابات الرقابية الخاطئة".
وانطلقت
الحملة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على أن تستمر إلى يوم 15 كانون الأول/
ديسمبر الجاري، فيما سيكون اليوم الموالي مخصصا للصمت الانتخابي، على أن يتوجه
الناخبون إلى صناديق الاقتراع في 17 كانون الأول/ ديسمبر، وأيام 15 و16 و17 من
الشهر الحالي بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج، بحسب ما أعلنت عنه الهيئة
العليا المستقلة للانتخابات في وقت سابق.
ويُشارك
في هذه الحملة الانتخابية 1055 مُترشحا، من ضمنهم 125 امرأة، موزعين على 161 دائرة
انتخابية داخل تونس وخارجها يتنافسون على 161 مقعدا برلمانيا، وهو إجمالي عدد مقاعد
البرلمان التونسي الجديد.
ومقارنة
بالانتخابات التشريعية التي تم تنظيمها عام 2019، تراجع عدد المترشحين عشر مرات
بعد أن بلغ أكثر من 15 ألف مرشح تنافسوا على 217 مقعدا في البرلمان من أحزاب
وائتلافات ومستقلين متنوعين ومن اتجاهات سياسية عديدة.
وتغيب
الأحزاب الرئيسية مثل "النهضة"، صاحب أكبر كتلة في برلمان 2019،
و"قلب تونس" و"الحزب الدستوري الحر"، التي اختارت المقاطعة
الانتخابية، فضلا عن اعتماد القانون الانتخابي الجديد على الترشحات الفردية، عكس
نظام القائمات السابق.