انطلقت السبت، الدورة الـ18 للقمة الفرنكوفونية في جزيرة جربة، جنوب شرقي تونس، بمشاركة 31 رئيس دولة وحكومة.
وانطلقت تحت شعار "التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرنكوفوني".
وتشارك في القمة التي تتواصل أعمالها حتى الأحد، 89 دولة، منها 31 رئيس دولة وحكومة و5 نواب (رؤساء وزراء) وعدد كبير من وزراء الخارجية والوزراء المكلفين بالفرنكوفونية إضافة لسفراء وممثلين عن منظمات دولية وإقليمية.
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد، في كلمة له خلال افتتاح القمة، إن "علينا أن نحلم بعالم أفضل من أجل الإنسانية جمعاء عالم مبني على العدالة والحريّة والمثل العليا التي نحن مدعوون لنقاسمها مع الإنسانية جمعاء".
وأضاف: "إذا نجحنا في جربة.. في التعرف إلى مشاكلنا والتغلب عليها فالجميع سيخرج منتصرا".
ولفت إلى أن "انعقاد هذه القمة ثمرة عمل جماعي متواصل بإرادة صلبة لتنظيمها في أفضل الظروف وإنجاحها لنصل لنتائج ملموسة وفعلية".
وتابع: "رغم كل العراقيل وكل التغيرات فإن تونس كانت وفية لالتزاماتها بانعقاد القمة".
ويحضر القمة كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.
وتحتفل منظمة الفرنكوفونية التي تضم 88
عضوا بينهم تونس، بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وكانت تونس من الدول المؤسسة للمنظمة
في العام 1970 إلى جانب السنغال ونيجيريا وكمبوديا.
وتشارك دول غير منضوية في
الفرنكوفونية في أشغال القمة على غرار مصر ومولدافيا والإمارات العربية المتحدة
وصربيا.
وأكّدت الأمينة العامّة للمنظّمة، الروانديّة لويز موشيكيوابو، أنّ المنظّمة قادرة على التمتّع بـ"تأثير في عالم ممزّق" بأزمات متعدّدة. وتابعت في كلمة الافتتاح "يجب أن تظلّ الفرنكوفونيّة حلقة وصل للحدّ من تحوّل التوتّرات إلى نزاعات".
وذكّرت الأمينة العامّة بالكثير من "العواصف" التي اجتاحت العالم، خصوصا جائحة كوفيد-19 التي تسبّبت في تأجيل قمّة 2020.
وقال المنسق العام للقمة محمد
الطرابلسي، إن هذه الاجتماعات تمثل "اعترافا بدور تونس في العالم الناطق
بالفرنسية وبدبلوماسيتها على المستويين الإقليمي والدولي" وهي فرصة
"لتعزيز التعاون الاقتصادي".
ومن المتوقع إعادة انتخاب الأمينة
العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية الرواندية لويز موشيكيوابو على رأس المنظمة
لأربع سنوات جديدة، وهي المرشحة الوحيدة لهذا المنصب.
ويشمل الفضاء الفرنكوفوني 321 مليون
ناطق باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم في نهاية العام 2050 بفضل انتشار
اللغة الفرنسية في القارة الأفريقية.
وأكدت الأمينة العامة في مقابلة سابقة
مع وكالة فرانس برس، أن المنظمة "أكثر أهمية من أي وقت مضى"، وذلك ردا
على تصاعد الانتقادات الموجهة إليها ومن بينها ما كتبه الكاتب السنغالي أمادو لمين
صال في مقال، حول أن الفرنكوفونية "لا تُرى" و"لا تُسمع" على
النطاق الدولي.
وأضافت الأمينة العامة "الفرنكوفونية
بحال جيدة"، بالرغم من أن المنظمة "متواضعة" من حيث موازنتها التي
لا تزيد على الـ 100 مليون يورو.
وبحسب مسؤول كبير في كندا، فإن المنظمة
"يمكن أن تكون قوّة إيجابية" في القضايا العالمية مثل "تعزيز
السلام والازدهار الاقتصادي وترسيخ الديمقراطية".
ويتحدّث مسؤولون كنديون آخرون عن
"مخاوف" بشأن "المشاركة الديمقراطية" في تونس منذ أن قرّر
سعيّد في 25 تموز/ يوليو الفائت احتكار السلطات في البلاد، مشددين على أن كندا
ستثير هذا الموضوع خلال اجتماعات القمة.
وتستضيف تونس الاجتماع بعد تأجيله
مرتين، الأولى في العام 2020 بسبب كوفيد-19، ثم في خريف العام 2021، بعد الإجراءات
التي اتخذها سعيّد ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تنهي تجربة ديمقراطية
رائدة في العالم العربي.
وحذرت جماعات حقوقية من أن تحركات سعيد
تمثل تهديدا قويا للديمقراطية والحقوق والحريات التي حصل عليها الشعب بعد ثورة
2011، فيما ينفي سعيد أن تكون لديه طموحات ديكتاتورية.
وسيطر سعيد العام الماضي على أغلب
السلطات في البلاد وعلق عمل البرلمان في خطوة وصفتها المعارضة بالانقلاب. ويقول
سعيد إن الخطوة ليست انقلابا بل تصحيح للمسار وإنهاء لعقد من استشراء الفوضى
والفساد.
ويقول سعيد إن الحريات مضمونة في تونس
وإن معارضيه يسافرون بحرية للخارج لمهاجمة تونس ومؤسساتها ورموزها. ووصف تصرفاتهم
بأنها خيانة وعمالة للخارج.
وقبل انعقاد
القمة، استخدمت
قوات الأمن التونسية، الغاز المسيل للدموع لمنع أهالي مدينة جرجيس (جنوبي تونس) من
التقدم نحو جزيرة جربة، قرب مكان انعقاد القمة.
وخرج أهالي المدينة، الجمعة، في مسيرة
على الأقدام نحو الجزيرة التي تحتضن السبت والأحد القمة الفرنكفونية، وذلك على
خلفية حادثة غرق أبناء المدينة خلال محاولتهم الهجرة.
ووفق شهود عيان ومشاركين من المجتمع
المدني، فإن حالة احتقان يشهدها المكان المعروف بـ"مفترق الزيتون"؛ بسبب
استعمال الغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة، وتمسك المحتجين بمواصلة طريقهم.
ودعا إلى المسيرة مكونات من المجتمع المدني للمطالبة
بمحاسبة المسؤولين عن دفن جثث لمهاجرين من أبناء المدينة في "مقبرة
الغرباء" المخصصة لمجهولي الهوية.
وكانت
"الهيئة المحلية للحقيقة والعدالة" في جرجيس، والمكلفة بمتابعة ملف
المفقودين، قد هددت بالتوجه سيرا على الأقدام حيث مكان انعقاد القمة، في حال لم
يزر وفد حكومي رسمي المدينة.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أذن القضاء
التونسي بفتح عدد من القبور في "مقبرة الغرباء" بجرجيس، على إثر عثور
عدد من الأهالي على عظام مطمورة تحت الأرض قبالة المقبرة المعروفة باسم
"حدائق أفريقيا".
ويأتي قرار القضاء التونسي بعد
الاحتجاجات الواسعة التي عرفتها البلدة،
تنديدا بدفن جثث مهاجرين في مقبرة دون تحديد هوياتهم، وارتفاع مطالب السكان بتحسين
أوضاع المنطقة، لوقف النزيف المستمر للأرواح في محاولات الهجرة صوب سواحل أوروبا.
وبدأت عملية فتح القبور حديثة البناء،
التي تدور شكوك بأنها تضم جثث حوالي 11 مهاجرا مفقودا، لأخذ عينات للتحليل الجيني،
ومقارنتها مع عينات أهالي المفقودين.