لم تنته قصة الناشط
علاء عبد الفتاح برفض النظام
المصري الإفراج عنه حتى
الآن، ولم تفشل أسرته المكونة من ثلاث نساء في هذا بعد، وإنما نجحت شقيقته الناشطة
المصرية الشابة سناء سيف (28 عاما) في جذب أنظار العالم وإحراج رؤسائه بوقفتها في
قمة المناخ بنسخته السابعة والعشرين في شرم الشيخ المصرية، فأثارت بشجاعتها في 8
من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري عشرات الأسئلة على المستوى المصري المحلي قبل
الدولي، ليبدو الحدث ضربة قاضية لمحاولة إثبات أن الأمور في الكنانة على ما يرام،
خاصة مع الكرم المبالغ فيه من الجنرال ونظامه مع ضيوف المؤتمر، وبقاء المناضلة الأكاديمية
ليلى سويف (66 عاما)، شقيقة الروائية المعروفة أهداف سويف، أمام محبس نجلها علاء
عبد الفتاح (40 عاما) انتظارا لمجرد خبر يفيد ببقائه على قيد الحياة بعد إضرابه عن
الطعام وأخيرا المياه وخطورة حالته!
فتحت سناء ومنى وعلاء، أبناء المناضل الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام عبد
الفتاح (1951-2014م) آفاقا يصعب إغلاقها، وأثاروا أسئلة مريرة عما يفعله الجنرال
ورجاله في وطن تقزم بأيديهم، وتضاءل أكثر من ذي قبل، وبلغ درجة من الهوان تصعب حتى
عن فترة حكم المخلوع حسني مبارك الذي ثار الشعب عليه، بالإضافة إلى تكرار سجن سناء
وعلاء على مدار تسع سنوات، وعدم تردد العائلة في فضح سوءة النظام عالميا، بل
المناداة بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي. باختصار أثارت سناء وأسرتها كل الغبار
الممكن على التواطؤ الرسمي العالمي مع السيسي، أيضا على جهود المقاومة السلمية
المفترضة في مواجهته.
فتحت سناء ومنى وعلاء، أبناء المناضل الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح (1951-2014م) آفاقا يصعب إغلاقها، وأثاروا أسئلة مريرة عما يفعله الجنرال ورجاله في وطن تقزم بأيديهم، وتضاءل أكثر من ذي قبل، وبلغ درجة من الهوان تصعب حتى عن فترة حكم المخلوع حسني مبارك الذي ثار الشعب عليه
لم تفشل جهود أسرة عبد الفتاح رغم ما يحب أن يقوله البعض من أنها نجحت في إثارة
القضية بعد تمام حصول الأسرة على الجنسية البريطانية، وهو ما يرد عليه بحصول
مقاومين سلميين بارزين على جنسيات غربية منذ فترة، فالأسرة نجحتْ في إثارة ما لم
ينجح عشرات الآلاف منهم فيه، ووصل الأمر في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري لإثارة
الرئيس الأمريكي جو بايدن لقضية
علاء عبد الفتاح في لقائه مع الجنرال عبد الفتاح
السيسي في قمة المناخ بالنسخة 27 في شرم الشيخ؛ وهو ما أعاده عقب اللقاء مستشار
الأمن الأمريكي جيك سوليفان من تشديد على الإفراج عنه.
امتلك آخرون بنفس معسكر أسرة علاء عبد الفتاح العام المال الوفير والقدرات
البشرية، وأولاء لم يفجعوا في فرد أو أسرة فحسب، وإنما ما يزال يسجن لهم عشرات
الآلاف بعد إصابة ومغادرة آلاف آخرين للحياة، فضلا عن مطاردة وتشريد أضعافهم، وعلى
رأس
المعتقلين قيادات لم يكن يخطر على بال أن يبقوا نهبا للأمراض والشيخوخة وسوء
المعاملة.
لكن كيف نجحت سناء واخترقت حجب النظام لفضحه أمام العالم؟
يرى البعض أن الجنرال ورجاله سمحوا لها بالعودة، بعد خروجها من مصر إثر
سجنها لثلاث مرات بدأت أولاها أثناء ثورة 25 يناير، فيما يتمادى آخرون فيقدرون أن
النظام قرر إنهاء ملف المعتقلين، وأحب أن يكون ذلك على رؤوس الأشهاد، وهو ما ستوضح
الأيام المقبلة زيفه وإيغال أولاء في "نظرية المؤامرة"؛ وحسن الظن
بالجنرال بل قادة العالم الذين شاهدوا المأساة بأعينهم وسناء تصف معاناة أخيها
والآلاف غيره، فيتصدى لها اثنان من أتباع النظام، البرلماني علاء درويش وأحد
الحقوقيين، فلا النظام راضٍ عما تفعله، ولا يكاد يستسغيه أو يتجرعه على هون، فكيف
له أن يساهم فيه ولو بدرجة قليلة؟!
ورغم أنه مؤلم ما يحدث لشرفاء ومخلصي مصر، فإن النظام ما كان يتوقع في أسوأ
كوابيسه أن تفعلها سناء، بل ربما كان ما حدث فاق أقصى أحلامها تفاؤلا، وما نجحت في
فعله يساوي بداية إعلان ترهل نظام السيسي، رغم كونه يخطو في العام الثامن فحسب من
حكم يحلم بأن يكون طويلا، فأنفق الجنرال مليارات الدولارات ليقول والمشاركون بمؤتمر
المناخ كلمات لا معنى لها عن ضرورة مراعاة المناخ في بلد يذبح القهر والاستبداد
أهله، ومن بعدهما غلاء الأسعار والإسراف في الديون والتخلي عن مقدراته، حتى أن
المؤتمر نفسه استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي بنت بلاده "سد
النهضة"؛ وتستمر في ملئه رغم ما يمثله من خطورة على مياه النيل.
النظام ما كان يتوقع في أسوأ كوابيسه أن تفعلها سناء، بل ربما كان ما حدث فاق أقصى أحلامها تفاؤلا، وما نجحت في فعله يساوي بداية إعلان ترهل نظام السيسي
وفي جلسة افتتاح المؤتمر تمنى السيسي وقف الحرب الروسية الأوكرانية، ولم
يقرن الأُمنيَة بمجرد كف إثيوبيا عن ملء السد والتوافق مع مصر والسودان حوله. ولأن
المشكلات التي يتسبب النظام فيها تتزايد، ولأن غض الطرف من جانب حلفائه في المنطقة
والغرب فاق جميع الحدود، جاءت المأساة التي غطت على أخبار المؤتمر كله.
أما بعض الإسلاميين الذين يتعللون بعدم دعم علاء عبد الفتاح، أو غيره من
الثوار، إن اختلفنا مع بعضهم في الرأي أو اختلفوا معنا، أو حرضوا ضد المعتصمين في
رابعة، أو دعوا للانقلاب الرئيس الراحل محمد مرسي، فلسنا في موضع الدفاع عن علاء
عبد الفتاح أو أسرته؛ فمن من الناس لم يخطئ أو يتجاوز؟ ولا تنجح الثورات
والمواجهات وحلم التغيير إلا بسمو الأهداف والترفع عن الأخطاء والخطايا، وهو ما
بادر به علاء بالمناسبة بعد المذبحة إذ أسرع معتذرا، فضلا عن وجوب القدرة على تحمل
الآخرين وتغليب نبل غاياتهم ومواقفهم على بعض مما يعتري الجميع من بشرية، فقد سجن
علاء بشكل مباشر لإعادة نشره تدوينة حول وفاة معتقل. ثم متى ينتهى بعض الثوريين
المدعين عن إعداد قوائم بأخطاء وخطايا غيرهم ليشمتوا فيهم بعد حين، ولو كانوا
معتقلين أو حتى في جوار الله تعالى؟ وهل مثل هذه الأفعال من الدين أو الثورة أو
حتى الإنسانية في شيء؟!
يتقول البعض بأن الغرب سمح لسناء بما فعلت لأن أخاها علماني أو ما شابه، وهم
إنما يبررون ازدهار أحوالهم بعد الخروج من الوطن؛ أو على الأقل ثباتها مع استمرار محنة
وطنهم، ويصطفون من (حيث لا يدرون) مع الذين يرفضون الإفراج عن علاء وغيره من
المسجونين ظلما بدعوى رفض التدخل الخارجي في شئون مصر؛ وكأنها تدار بالفعل من جانب
رئيس جاء بالانتخاب الحر الديمقراطي، أو لم يتلق إعانات مباشرة وغير مباشرة واستراتيجية
ليصعد سلم الحكم ويبقى أعلاه، ويهين بلدا عريقا ويعصف بخير أهله؛ وعلى رأسهم رئيسه
الراحل الذي انقلب عليه وسجنه وتسبب في وفاته.
لكم نجح علاء عبد الفتاح وأسرته رغم سجنه والخطر المحدق به وبهم في إيصال
رسالة بقسوة ما يعانيه أفضل مَنْ أنجبت مصر، وإن اضطرت سناء
لتقديم طلب عفو للجنرال
وفق تفاهمات تستشف ولا تعلن، فإنما مثل هذا الطلب يلخصه بيت شعر القائل:
ولم أرَ ظلما مثل
ظلم ينالنا يساء إلينا ثم نؤمر
بالشــــكرِ!
وعلى الرغم من الألم الذي يلحقه ذلك الطلب بكل حر مخلص، إلا أنه يبقى شاهدا
على تصرف واعٍ من أسرة تبذل كل ما تستطيع في سبيل تخليص معتقلها وغيره من بين أيدي
الظلمة، وإن تأخر الإفراج عنه فإنه مقبل وقريب -بإذن الله- فقط يستوثق النظام من
أن الناس تناست فضيحة مؤتمره، وليت آخرين يتعظون ويواجهون واقعهم على مرارته
ويرحموا مئات الآلاف من المصريين المضارّين!