قال رئيس المجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" المغربي، إدريس الأزمي الإدريسي، إن "حكومة عزيز أخنوش تدخل الآن في مهاترات مع الجميع؛ فلا يمر أسبوع إلا والحكومة تؤجج فئة من الفئات، وهذا أمر غير معقول".
وأكد الأزمي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "خطاب الحكومة مُرتبك، وتصريحات وزرائها ورئيسها متضاربة، ولا تبعث على الاطمئنان، وهناك إشكالية في التواصل ومطروحة أمام الرأي العام والكل يلاحظها، وهي تزيد في الطين بلة وتُعمّق الأزمات".
وحول موقف حزبه من استمرار حكومة أخنوش، أضاف: "العدالة والتنمية حزب وطني مسؤول، ونحن مع استقرار المؤسسات، ومع المشاركة والتعاون والعمل المؤسسي، وعلى الحكومة أن تبادر قبل فوات الأوان بالقيام بمسؤولياتها من خلال خطاب مسؤول متزن ليس فيه استعلاء، ومن خلال الإجراءات التي بإمكانها أن تُتخذ لمواجهة أزمة غلاء الأسعار".
اقرأ أيضا: أكاديمي لـ"عربي21": الصهيونية تغلغلت في بنية النظام المغربي
وأشار الأزمي إلى أن "وضع حزب العدالة والتنمية اليوم أفضل بكثير من وضعه بعد نتائج 8 أيلول/ سبتمبر 2021؛ فهو يعمل على المستوى الداخلي، وكذلك يقوم بأدواره في المعارضة ودوره في الدفاع عن قضايا الوطن وقضايا المواطنين".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما تقييمكم لأداء حكومة "أخنوش" بعد مرور عام على تعيينها؟
لقد خرج عزيز أخنوش وتحدث خلال الشهر الماضي أمام البرلمان، وأدلى بتصريحات حول التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الحكومة، ونحن نرى أن الحكومة مخطئة في تشخيص الوضع؛ فهي تقول إنها تواجه "معادلة مركبة" -بحسب تصريحها- هذه المعادلة المركبة تتكون من سياق عالمي صعب اقتصاديا بالأساس، وكذلك ثقل القضايا الموروثة من الحكومات السابقة وتشير إلى حكومتي العدالة والتنمية.
ونحن نرى أن فكرة "المعادلة المركبة" هي في الأصل تشخيص خاطئ؛ وقد تكون محقة في تشخيص السياق الدولي خاصة بعد جائحة كورونا، وكذلك الحرب في أوكرانيا وتبعاتها وآثارها على توفير المواد الأولية كالمحروقات، والغاز، والقمح، لكن في المقابل نرى أن الحكومة وجدت سياقا إيجابيا لا ينبغي أن تخفيه؛ فالمغرب يُشكّل استثناءً في المنطقة، وفي محيط إقليمي مُضطرب، ويُشكّل استثناءً من حيث الاستقرار المؤسسي، والسياسي، والاجتماعي، كذلك من حيث الاستقرار الاقتصادي، والمالي؛ فالحكومة وجدت وضعا اقتصاديا وماليا مستقرا، وهذا ليس ثقل التراكمات، وإنما نتيجة الإصلاحات التي قامت بها حكومتا العدالة والتنمية والحكومة الأولى على وجه الخصوص.
أما فيما يتعلق بنظام الدعم، فلو لم تجد الحكومة الحالية هذا الإصلاح في نظام الدعم لكانت بحاجة إلى توفير 9 مليارات دولار تقريبا، أو 87 مليار درهم من أجل مواجهة هذا الإجراء، كذلك وجدت اعتمادات إضافية أو موارد إضافية جديدة بفضل هذا الدعم، كما وجدت الحكومة سياقا من الاستقرار؛ فبلادنا بقيادة جلالة الملك قامت بسياسات قوية في تطوير الصناعة، كصناعة السيارات وأجزاء الطائرات، إلى جانب تطوير مناخ الأعمال؛ فاليوم المغرب لديه جاذبية للاستثمارات الخارجية.
ومؤخرا قامت شركات دولية بمضاعفة طاقتها الإنتاجية في المغرب، وبالتالي فهناك وضع وسياق مؤسسي وسياسي واجتماعي، واقتصادي ومالي مستقر، هناك مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، ومجموعة من السياسات القطاعية.
والمغرب يتمتع بمناخ جيد من الأعمال والبنيات التحتية التي تؤهله ليقوم بجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى كون مجموعة من القطاعات مثل الفوسفاط، والسياحة، وتحويلات المغاربة المتواجدين بالخارج، كل هذا شهد قفزة نوعية هذه السنة، وبالتالي إذا كان هناك سياق صعب –وهو حقيقي ولا ينبغي أن نغفله– هناك سياق إيجابي على الجانب الآخر يجعل للحكومة هوامش للتحرك على المستوى الاجتماعي، والمستوى الاقتصادي والمالي.
بحكم منصبك السابق كوزير مكلف بالميزانية، ما أبرز ملاحظاتكم على مشروع الموازنة الجديدة الذي صادق عليه، مؤخرا، مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) بالأغلبية؟
الملاحظة الأولى أن هذه الميزانية لا تستثمر السياق الإيجابي، وتؤكد بالدرجة الأولى على السياق السلبي، أما الملاحظة الثانية فهي أن مشروع قانون المالية لسنة 2023 هو الامتحان الحقيقي لهذه الحكومة؛ فإذا كان القانون السابق جاء مباشرة بعد الانتخابات، ومعروف أن القانون المالي في السنة الأولى للحكومة يكون مُعدّا من قِبل الحكومة السابقة بالرغم من التعديلات التي أدخلتها الحكومة الحالية، لكن مشروع قانون المالية لسنة 2026 هو الامتحان الحقيقي لهذه الحكومة، من حيث الوفاء بوعودها.
وهناك مجموعة من الوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها، بداية من الوعود الانتخابية، وكذلك الوعود التي رسمتها في البرنامج الحكومي. ففي المغرب من الناحية الدستورية؛ الحكومة بعد الانتخابات، وبعد تعيين جلالة الملك لرئيس الحكومة، وتشكيل الحكومة، تقدمت أمام البرلمان بغرفتيه، ثم صادق مجلس النواب على البرنامج الحكومي، إذن هذه وثيقة دستورية فيها تعهدات والتزامات ينبغي للحكومة أن تنفذها.
للأسف هناك مجموعة من الوعود لم تدمجها الحكومة في قانون المالية، وأود أن أشير فقط لبعض الوعود التي يعرفها المغاربة: منها "مدخول كرامة" المُخصص للمسنين الذين تجاوزوا سن الـ 65 سنة، ودعم الأسر الفقيرة فيما يتعلق بالحمل الأول والثاني، وأيضا الوعود الخاصة بإدماج آليات وإجراءات تدعم التشغيل؛ فقد وعدت الحكومة في برنامجها الحكومي بتوفير مليون فرصة عمل خلال خمس سنوات، ومع الأسف ليس هناك أمارات على تحقيق هذا الوعد؛ بعد أن فقد سوق العمل خلال الربع الثالث من العام ما يزيد عن 58 ألف وظيفة، أضف إلى ذلك أن الحكومة لم تبدع فيما يتعلق بالموارد، صحيح أن الحكومة واصلت جهودها فيما يتعلق بالاهتمام بالقطاعات الاجتماعية كالتعليم، والصحة، وتعميم الحماية الاجتماعية، لكن أغفلت جانب التمويل، وهو الأساس؛ فالأهداف، والبرامج، والاعتمادات تقوم على الموارد، وليس هناك ابتكار فيما يتعلق بالموارد، بل بالعكس الحكومة في هذا الجانب الضريبي افتقدت للمقومات التي جاء بها القانون الإطار للإصلاح الضريبي في المغرب وهي العدالة الجبائية، بحيث رفعت الضريبة على الشركات الصغرى والمتوسطة بشكل كبير، ولم ترفعها بنفس النسبة على الشركات الكبرى.
وكذلك نسيت الحكومة أو تجاهلت أو أغفلت توصيات مجلس المنافسة، تعرفون أن غلاء الأسعار في المغرب مرتبط بالأساس بغلاء المحروقات، وشركات المحروقات خلال السنتين الأخيرتين راكمت أرباحا مفرطة، وهذا ليس كلامي، فهو مصطلح استعمله مجلس المنافسة، وهو مؤسسة دستورية، وقد أوصى المجلس بفرض ضريبة استثنائية على هذه الشركات، وأوصى كذلك باعتبار هذه الشركات ضمن القطاعات المحمية التي تتطلب فرض ضريبة مثل البنوك، هذه التوصية ليس لها أي أثر على مستوى مشروع قانون المالية لسنة 2023.
هل يمكن القول بأن "الحوار الاجتماعي" بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين قد فشل أم لا؟
الحكومة منذ تشكيلها قالت بأنها ستجعل من "الحوار الاجتماعي" منهجا استراتيجيا من أجل السلم والاستقرار الاجتماعي، لكن الحكومة -مع الأسف- أخلفت موعدها مع النقابات التي وقعت معها الاتفاق الاجتماعي، واليوم إحدى النقابات التي وقعت على الاتفاق تحتج؛ لأن النقابات لم تجد أثر هذه التعهدات وهذه الالتزامات في مشروع قانون المالية مثل الزيادة العامة للأجور، ومراجعة جدول الضريبة على الدخل، إذن هناك إشكاليات حقيقية لهذه الحكومة في وفائها بتعهداتها، ووفائها بالتزاماتها تجاه المواطنين من خلال البرنامج الحكومي، أو وفائها كذلك مع الشركاء الاجتماعيين من خلال تطبيق الاتفاق الاجتماعي.
كيف تنظرون للاحتجاجات والانتقادات المتزايدة ضد الحكومة؟
أولا يجب التأكيد على أن هذه الاحتجاجات لها طابع اجتماعي؛ فهي احتجاجات على غلاء الأسعار، وبالدرجة الأولى على غلاء المواد الأساسية، ثانيا المغرب، والحمد لله، فيه وفرة من المواد الغذائية والسلع والخدمات، وليس هناك أي إشكال من ناحية العرض، لكن بالرغم من وفرة المواد هناك إشكال في الأسعار؛ فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بما يفوق 8% بحسب الإحصائيات الرسمية، والسبب الأساسي لارتفاع الأسعار هو أسعار المحروقات، على اعتبار أن المحروقات هي الأساس في نقل كل السلع والمواد الغذائية، وبالتالي كان لارتفاع أسعار المحروقات أثره البالغ، ومع الأسف الحكومة لم تقم باللازم؛ فالحكومة تمتلك آليات قانونية بإمكانها أن تواجه بها شركات المحروقات خلال هذه الظروف الاستثنائية.
وبالتالي كان على الحكومة أن تلزم أو تتفاوض، أو تستعمل الآليات القانونية لإجبار شركات المحروقات على تحمل مسؤوليتها الاجتماعية، وتساهم في خفض أسعار المحروقات، وبالتالي في الأثر على أسعار المواد الغذائية، ثانيا الحكومة نفسها لم تنفذ توصيات مجلس المنافسة بفرض الضرائب على شركات المحروقات.
كذلك الحكومة لم تستثمر الفوائد المالية التي توفرت لها من خلال إصلاح نظام الدعم الذي قامت به حكومة العدالة والتنمية؛ فإصلاح نظام الدعم وفر للحكومة اعتمادات مالية مهمة كان بإمكان الحكومة أن توفرها لتخفف وطأة غلاء الأسعار على المواطن، وبالتالي نحن لسنا أمام إشكال في توفير المواد الغذائية والتموين، وإنما أمام حكومة عاجزة عن اتخاذ المبادرة، وعن تحمل مسؤوليتها في مواجهة الشركات التي تفرض أسعارا كبرى على المغاربة.
ومن جهة أخرى الحكومة خطابها مرتبك، وتصريحات وزرائها ورئيسها متضاربة، ولا تبعث على الاطمئنان، فينبغي الشرح والتوضيح والتواصل مع المواطنين حول وضع الأزمة؛ فلا يمكن أن تقول: "إن هناك أزمة" وفي نفس الوقت تقول: "بأننا نفذنا كل ما تعهدنا به في برامجنا، وأثر ذلك متوفر وملموس في كل بيت وأسرة"؛ فالملموس في كل بيت وأسرة هو غلاء الأسعار وليس تنفيذ الحكومة لالتزاماتها، لذلك هناك إشكالية في التواصل ومطروحة أمام الرأي العام والكل يلاحظها، وهي كذلك تزيد في الطين بلة، وبالإضافة لكون الحكومة لم تستثمر الآليات القانونية والمؤسسية لمواجهة الغلاء، هي كذلك بخطابها تُعمّق هذه الأزمة.
هل حزب "العدالة والتنمية" مع أم ضد استمرار الحكومة الحالية في موقعها؟
حزب العدالة والتنمية هو حزب وطني مسؤول، ومن بين أساسيات عمله المشاركة المؤسسية والتعاون، وبالتالي نحن نحترم عمل المؤسسات، ونحن الآن في موقع المعارضة، نعارض الحكومة في كل ما يمس مصالح المواطنين مثل الغلاء، ونوافقها وندعمها في الأمور الإيجابية.
وبالتالي، حزب العدالة والتنمية مع استقرار المؤسسات، ومع المشاركة والعمل المؤسسي، ومع التعاون، ونحن ننادي أكثر من مرة، ونقول: على الحكومة أن تبادر قبل فوات الأوان بالقيام بمسؤولياتها من خلال خطاب مسؤول متزن ليس فيه استعلاء، ومن خلال الإجراءات التي بإمكانها أن تُتخذ لمواجهة أزمة غلاء الأسعار.
لكن ماذا لو لم تقم الحكومة بهذه الخطوات؟
آنذاك ستكون الحكومة في وضع صعب؛ ونحن نريد لبلدنا الاستقرار، كما ذكرت في البداية؛ فالمغرب تميز خلال السنوات الأخيرة بالاستقرار الاجتماعي والمؤسسي، وكل الإصلاحات التي نقوم بها من أجل الاستقرار، لذا نحن نحمل الحكومة مسؤولية هذه الاحتجاجات، ونحملها مسؤولية خطابها، وعليها أن تتواصل مع المواطن بتواضع ودون استعلاء، وألا تؤجج الأوضاع؛ فالحكومة الآن تدخل في مهاترات مع بعض الفئات، ومع النقابات، ومع هيئة المحامين، وغيرهم؛ فلا يمر أسبوع إلا والحكومة تؤجج فئة من الفئات، وهذا أمر غير معقول.
وعلى الحكومة أن تتسم بخطاب مسؤول للمحافظة على الاستثناء المغربي، وللمحافظة على الاستقرار الاجتماعي، وعلى الحكومة أن تحمد الله على أنها تواجه معارضة مسؤولة، ومعارضة وطنية متزنة هدفها الوحيد والأوحد هو الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وعليها أن تصلح المعادلة التي انطلقت منها، والتي تقوم على أن السياق سلبي مائة بالمائة، وأن هناك أزمة، وإرث قضايا، وهذه معادلة خاطئة من الحكومة، ينبغي أن تنطلق من معادلة تقوم على الإيجابيات والمزايا التي تتوفر في المغرب، وذكرت مثالا للحكومة بأن هناك شركة عالمية في مجال السيارات تضاعفت طاقتها الإنتاجية، وهذا دليل على الثقة في المغرب، ودليل على جاذبية المغرب للاستثمار، ودليل على أن الحكومة لديها إمكانيات وفرص، وعليها الآن أن تستثمرها بالخطاب المسؤول، وبالشجاعة السياسية، وباتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
على صعيد آخر، ما الذي وصل إليه حزب "العدالة والتنمية" اليوم بعد مرور عام على فقدانه صدارة المشهد السياسي الذي شغله لولايتين متتاليتين؟
تعرفون أن حزب "العدالة والتنمية" تلقى ضربة قاسية وصدمة كبيرة في الانتخابات الأخيرة، وكان لهذه الصدمة أثر سلبي كبير على نفوس المناضلين، ومن جهة أخرى هناك بعض المراجعات والتساؤلات منها: هل الحزب أخطأ في موقع رئاسة الحكومة، وفي موقع تسييره للجماعات؟ وهناك سؤال أكبر يطرحه مناضلو ومناضلات "العدالة والتنمية" وهو: ما الذي فعله حزب العدالة والتنمية كي يتلقى هذه الضربة القاسية؟
حزب "العدالة والتنمية" خلال العشر سنوات الأخيرة ساهم في هذا الاستثناء المغربي الذي نتحدث عنه، وهو الإصلاح في إطار الاستقرار، في الوقت الذي كانت تنهار فيه دول أمام موجة الربيع العربي، وحزبنا كان من بين الأحزاب الوطنية التي وقفت ضد المخاطرة بمصير المغرب، وانحاز واصطف وراء جلالة الملك في صف الإصلاح في إطار الاستقرار، هذا في الناحية السياسية.
أما في الناحية الاقتصادية المالية والاجتماعية فحزب "العدالة والتنمية" قام بإصلاحات كبيرة على المستوى الاقتصادي، وقد ذكرت جزءا منها؛ إذ عالج عجز الميزانية، وعالج العجز الخارجي، كما حافظ على جاذبية المغرب، واهتم بالفئات الهشة والضعيفة، فكان هذا التوازن بين دعم الاستثمار، ودعم المبادرة الحرة، ودعم المقاولة الحرة والاهتمام بالفئات الهشة والضعيفة... فهذا هو ديدن "العدالة والتنمية"، وتلك بصمته في مساره الحكومي على المستوى الوطني.
أما على المستوى المحلي فحزب "العدالة والتنمية" كان يُسيّر أكبر المدن، وأكثر من مئتي جماعة وأبلى بلاءً حسنا، لقد قدّم الحزب نموذجا حقيقيا انطلاقا من مرجعيته الإسلامية، وانطلاقا من اهتمامه بالشأن العام، والانتصار لقضايا الوطن والمواطنين، كما قدّم نموذجا في الشفافية، وفي تدبير الشأن العام، وفي القرب من المواطنين، والإنصات لهم، والتفاني في خدمتهم.
وهناك بطبيعة الحال بعض الأخطاء التي لا يمكن أن ننكرها، ولكن هذه ولايتان على مستوى رئاسة الحكومة، وولاية كاملة لمدة ست سنوات في تدبير شؤون أكثر من مائة جماعة، ولا بد للمرء أن يخطئ، والمخطئ الأكبر هو مَن يعتزل ولا يخالط الناس ولا يهتم بشؤونهم، وهذا في نظر الناس لا يخطئ.
ولذا، شعر المناضلون في الحزب بصدمة وبإحباط وجعلهم يتساءلون: ما الذي فعله "العدالة والتنمية" كي يلقى هذه الصدمة؟ لكن الحزب -والحمد لله- تحمل مسؤوليته، وتحملت الأمانة العامة السابقة للحزب المسؤولية، وهو أمر يحسب لـ "العدالة والتنمية"؛ فالأحزاب العربية عامة بكل المرجعيات مع الأسف لا تتخذ مثل هذه المبادرات، ولا تتحمل المسؤولية، وعندما تخطئ تبقى في موقع المسؤولية وتستمر القيادات في مناصبهم، أما حزب العدالة والتنمية في المغرب فقد قدمت أمانته العامة استقالة جماعية، وتحملت مسؤوليتها عن المرحلة، ومررنا إلى مؤتمر استثنائي لاختيار أمين عام جديد وانطلق العمل.
لذلك، أقول بكل تواضع إن وضع "العدالة والتنمية" اليوم أفضل بكثير من وضعه بعد نتائج 8 أيلول/ سبتمبر 2021؛ فهو يعمل على المستوى الداخلي، وكذلك يقوم بأدواره في المعارضة ودوره في الدفاع عن قضايا الوطن وقضايا المواطنين.
أخيرا، ما الذي انتهت إليه محاولات التعافي التنظيمية داخل حزب العدالة والتنمية؟
على الجانب التنظيمي: قمنا بإجراء انتخابات للمسؤولين الجهويين والإقليميين، والآن وصلنا إلى المسؤولين المحليين؛ فكانت فرصة ليس فقط لإعادة التنظيم، ولكن فرصة كذلك للإشعاع السياسي للحزب من خلال المؤتمرات الجهوية بالخصوص التي حضرها وترأسها الأستاذ عبد الإله بن كيران -الأمين العام لحزب العدالة والتنمية– وكانت مناسبة للتأطير السياسي سواء داخليا على مستوى الحزب أو الدور السياسي على المستوى العام للمواطنين.
وأيضا يحاول الحزب العمل على المستقبل والاشتغال على قضايا المواطنين، وترسيخ مكانته وموقعه في المعارضة، ولا أقول لاسترجاع مكانه ولكن لاسترجاع مكانته على المستوى الوطني، وبالتالي هَم القيادة الحالية هو تعبئة كل المناضلين والمناضلات، وتجاوز حالة الصدمة والإحباط والانسحاب، وهو أمر ممكن اليوم؛ فالحزب له ثوابت، وينطلق من المرجعية الإسلامية، وهي مرجعية أساسية للحزب، وهي مرجعية الدولة والمجتمع، وقبل كل هذا هي الحق من عند الله، كما أن هذه المرجعية هي التي أملت على الحزب الانخراط في العمل السياسي، وهذه المرجعية هي التي بوأته المكانة والثقة التي يحظى بها لدى المواطنين باعتباره يقدم نموذجا بناءً على مرجعية الدولة والمجتمع.
أضف لذلك، أن هذا الحزب له أساسيات مثل الديمقراطية الداخلية، وحرية التعبير، واحترام المؤسسات، وغيرها من الأساسيات المرسخة للحزب، وإذا قام كل شخص بصفة فردية أو بصفة جماعية من خلال المراجعات، ومحاسبة النفس، والاقتراب أكثر من هذه الأساسيات لاستطاع "العدالة والتنمية" أن يواصل مسيرته النضالية من أجل مصلحة الوطن ومصلحة المواطنين.
أكاديمي لـ"عربي21": الصهيونية تغلغلت في بنية النظام المغربي