حينما اجتاح الاحتلال
الإسرائيلي لبنان عام 1982 قال
مناحيم بيغين؛ "إن أكبر إنجاز لدولة إسرائيل غزو لبنان في الأربعين سنة
المتبقية لإسرائيل".
رئيس الاحتلال الأسبق شمعون بيرس قبل موته قال: "ربما
لا تعيش إسرائيل أكثر من العشر سنوات القادمة".
التاريخ يذكرنا بأنه حينما عاد اليهود إلى
فلسطين على
يد الملك الفارسي قورش؛ بسبب عشقه للغانية اليهودية "إستر"، التي من
أجلها ساعد اليهود بالعودة لفلسطين في وقت لم يسمح لهم الفرس ولا الرومان ولا
اليونان بالعودة، بقي الحلم يراودهم بالعودة، حتى تمكنت الحركة الصهيونية بمساعدة
بريطانيا من إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
في أثناء احتلاله لفلسطين، ارتكب الكيان المحتل أبشع
المجازر ليكتب لنفسه البقاء، فبين عامي 1947 و1948 عبر مجازر متعددة، حصد أرواح
266 فلسطينيا في أماكن متفرقة، أبرزها مجزرة مصفاة البترول في حيفا، ومجزرة بلد
الشيخ ومجزرة تفجير بوابة يافا في القدس، ومجزرة قرية سعسع في صفد، ولم تتوقف آلة
الموت لدى المحتل حتى يومنا هذا.
وبعد سنوات طويلة من العربدة والاستقواء والظلم من جيش
الاحتلال ومستوطنيه، وإراقة الدم الفلسطيني في مختلف المدن والقرى والأماكن المقدسة؛ ظنّا منه (المحتل) أن شعب فلسطين قد استسلم، تصدت له
المقاومة الفلسطينية لتخلق
معادلة الردع والحساب، ولتنذره بأن مرحلة السكوت عن الضيم قد ولّت ولا بد من زواله.
فالسارق الذي يُقدم على سرقة ما ليس له، يبقى في حالة
خوف دائم من أن يُقدم صاحب الحق على انتزاع حقه منه. الآن المستوطنون يعيشون حالة
الرعب ذاتها التي مارسوها منذ العام 1947، وأدركوا أن انتقام الفلسطيني لأرضه
المسلوبة بات عقيدة راسخة ومبدأ قائما لا تراجع عنه.
رئيس الموساد السابق "شبتي شفيت" قال في
مقال نشرته صحيفة هآرتس عام 2014: "منذ ظهور الصهيونية في نهاية القرن التاسع
عشر، ويهود أرض إسرائيل يزدادون قوة من حيث الأرض والديموغرافيا، رغم الصراع الدائر
مع الفلسطينيين، وقد نجحوا في ذلك لأنهم تعاملوا بحكمة وتدبير استراتيجي بدلا من
التعامل مع أعدائهم بحماقة، لكن اليوم ولأول مرة أصبحت لدي آرائي الخاصة المختلفة،
إذ ينتابني القلق حيال مستقبل المشروع الصهيوني، لا سيما الأخطار المتزايدة ضد
وجودنا، وأن هرولة الكثير من الإسرائيليين يسعون للحصول على جوازات سفر أجنبية، يشي
بتراجع إحساسهم بالأمن".
ويضيف: "يقلقني جدّا أن أرى للمرة الأولى بين
الإسرائيليين هذا الإحساس بالتكبّر والعجرفة، حين يجدون أنفسهم في أي صراع
ويحوّلونه إلى حرب يهودية مقدسة، فالحرب الجارية الآن، وإن لم تعد مجرد نزاع قومي
سياسي على قطعة أرض صغيرة نسبيا، لا تتوانى الحركة الصهيونية عن تحويلها إلى حرب
شاملة في مواجهة العالم الإسلامي بأسره".
يضيف شبتي شفيت: "أرى التاريخ يكرر نفسه، إذ يبدو
أن إسرائيل تحذو حذو القائد اليهودي شمعون بار كوخبا وحربه على الإمبراطورية
الرومانية، التي أدت إلى تشريد اليهود في أرضهم لقرون. فالتشريد أمر خطير، وهو
يخيف الكثير من السياسيين العلمانيين والليبراليين، فهم يعون أن التشريد سيدمّر
الشعب اليهود".
خوف المحتل لم يتوقف، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2015
قرر مجلس الوزراء السياسي والأمني الإسرائيلي تكليف وزارة الشؤون
"الاستراتيجية والدبلوماسية"، بالعمل
ضد حملة نزع الشرعية عن دولة إسرائيل وضد حركة المقاطعة، وقمع الجهات الفاعلة في
المجتمع المدني على الصعيد الدولي.
ركزت الوزارة على قمع وإسكات منتقدي إسرائيل في جميع
أنحاء العالم، إلى أن جاء إعلان وزير دفاع الاحتلال غانتس الذي قال فيه؛ "إن
المنظمات الست (وهي منظمة الحق، والضمير، ومركز بيسان للبحوث والتنمية، واتحاد
لجان المرأة الفلسطينية، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين، واتحاد لجان
العمل الزراعي)، تمثل واجهة لمنظمات إرهابية. ولجأ غانتس إلى هذه الخطوة؛ خشية أن
تؤدي دعواها أمام المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أثناء حملة قصف غزة، التي قادها بنفسه.
إذن، حالة الانتكاسة والانهزام والرعب التي تلازم
المحتل، تشير إلى أن بداية نهاية الصراع ستصل إلى ساعة الصفر، فمشاهد نهضة المقاومة
في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشريف، ومن قبلها جولات القتال مع غزّة، تُنذر
ببدء العد التنازلي لنهاية هذا المحتل الذي امتد لسنوات على ثرى فلسطين.