لا أحدَ من السياسيين أو المحللين يمتلك إجابة عن سؤال مقلق يتردد على ألسنة
التونسيين: إلى أين تتجه البلاد؟ هذا السؤال ليس مجرد سؤال سياسي أو سؤال فلسفي، إنه سؤال مستقبل وهو سؤال ناتج عن قلق عموم المواطنين على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، فالحالة بعد الإجراءات الاستثنائية لقيس سعيد يوم 25 تموز (يوليو) 2021 تزداد غموضا وتعثرا وصعوبة، هل هي حالة ظرفية يمكن تحملها على أمل حصول انفراج قريب؟ هل هي أزمة ناتجة عن "عشرية سوداء" كما يقول أنصار قيس سعيد أم هي أزمة ناتجة عن عجز
الانقلاب على تقديم حلول لمشاكل الناس وعجزه عن الإيفاء بوعوده وقد رفع السقف عاليا وهاجم منظومة ما قبل الانقلاب بالفساد والخيانة والتنكيل بالشعب؟
لا وجود لمعطيات سياسية أو اقتصادية تسمح بالتناول الموضوعي للمشهد، فالأحداث تتواتر دون رابط منطقي وهو ما يجعل مهمة التحليل والتوقع صعبة حتى على قادة الأحزاب أنفسهم بل وحتى على أصدقاء قيس سعيد ممن ساندوه واشتغلوا مفسرين لـ"مشروعه" الهلامي.
حتى تصريحات أصدقاء المسار الديمقراطي من أوروبيين وأمريكان هي تصريحات غير موثوق بها رغم ما تكون عليه أحيانا من تحذير وضغط عن طريق منع المساعدات والقروض، فالتونسيون خبروا طرائق الغرب في التعامل مع الانقلابات التي تخدم مصالحه مثلما حصل في مصر حيث ظلت الخارجية الأمريكية ورغم دماء رابعة تردد أنها ستنظر إن كان الذي حصل انقلابا أم لا.
بعد تصريح السفير الأمريكي المعين قبل وصوله تونس، وبعد تصريح وزير الدفاع الأمريكي، جاءت زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي لملاقاة قيس سعيد والتحدث معه حول المستقبل السياسي وحول الديمقراطية، وكالعادة جاء بيان الرئاسة على خلاف بيان الوفد الأمريكي الزائر، ففي حين تكلم بيان الرئاسة عن السيادة الوطنية ورفض التدخلات الخارجية، تكلم بيان وفد الكونغرس عن قلقه من تعطل المسار الديمقراطي بعد الإجراءات الاستثنائية، طبعا دون إعلان موقف واضح من الانقلاب، بل عن طريق مخاتلة للرأي العام التونسي بدعوة قيس سعيد إلى الإسراع في وضع قانون انتخابي وتشريك الجميع، وهو ما فهمه التونسيون على أنه اعتراف بدستور قيس سعيد الذي كتبه بنفسه واعتراف بنتائج استفتاء لم تكن المشاركة فيه معبرة عن إرادة الأغلبية من المواطنين.
الطرف الثالث في المشهد التونسي، ولعله الأضعف حاليا، هو المعارضة التي لم تقدر لحد الآن على استجماع طاقاتها وعلى إعلان خطة موحدة بوجه الانقلاب، بل ظلت تصارع مشتتة رغم التقائها في الموقف والتشخيص ولكنها لم تصل بعد إلى رفع المصلحة الوطنية عنوانا لكل تحركاتها، فقد ظلت العناوين الحزبية واللوثات الإيديولوجية تعيق كل تنسيق جدي يمكن أن يزعج قيس سعيد فيجبره على فرملة آلته الانقلابية والقبول بحوار وطني تشارك فيه مختلف القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات وشخصيات ذات كفاءة ورأي وحكمة.
هذا التشتت يستفيد منه الانقلاب، وتتخذ منه الجهات الخارجية حجة على أن المعارضة لا تمثل الشعب التونسي، بل حتى التحركات الشعبية في الشوارع والجهات اعتبرتها تلك الأطراف "غير كافية" مما اضطر زعيم جبهة الخلاص الوطني نجيب الشابي إلى الرد بقول:"ليس بعد هذا إلا التقاتل، هل تريدون منا أن نتقاتل"؟.
الطرف الرابع في المشهد هو الشعب أو عموم الناس ممن لا علاقة لهم بالحسابات السياسية والانتماءات الإيديولوجية، هؤلاء تعنيهم ظروف عيشهم قبل كل شيء، وإذا ما سُدّت أمامهم أبواب الأمل فلا شيء يمنعها من الخروج إلى الشوارع غاضبة ومتمردة.
والسؤال هو: ضد من ستتمرد؟ هل ضد قيس سعيد وجماعته بعد أن عجزوا عن حل مشاكل التونسيين المعيشية؟ أم ضد من حكموا طيلة عشرية يُصرّ أنصار الانقلاب على وصمها بـ "السوداء"؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال يحسن بأنصار المسار الديمقراطي التفكّير في إن كان من الأفضل استعجال سقوط الانقلاب حتى بدعم خارجي مرفوض وطنيا؟ أم استطالة أمد الأزمة حتى تتراكم أخطاء الانقلاب ويتأكد فشله فتكون الثورة الشعبية ضده بعد أن تنجلي الحقيقة وتنكشف ادعاءات "غرفة الانقلاب" بكون أنصار المسار الديمقراطي هم أعداء الشعب والوطن والتنمية؟.