قضايا وآراء

خريف الجنرال ودور القوى الوطنية

1300x600

عيون العالم كله تتجه نحو مصر ضمن عدد محدود من الدول المرشحة لاضطرابات اجتماعية نتيجة تفاقم مشاكلها الاقتصادية، الديون الخارجية تبلغ مستويات قياسية (158 مليار ارتفاعا من 43 مليار فقط لحظة انقلاب السيسي)، الدولة مطالبة بسداد أقساط بقيمة 30 مليار حتى نهاية هذا العام 2022، و47 مليار دولار لخدمة الديون حتى مارس المقبل، الأموال الساخنة هربت سريعا من البلاد، وبلغ حجم ما أعلن عن هروبه 20 مليار خلال مدة قصيرة، ويشترط المستثمرون بهذه الأموال تعويما كبيرا جديدا للجنيه قبل أن يفكروا في العودة إلى مصر، الأسعار تحلق عاليا، وأبواق النظام تبشر بالمزيد من الغلاء مع دخول شهر أيلول (سبتمبر). 

تبني هذه الأبواق دعايتها للغلاء الجديد أنه حالة عالمية بسبب الكورونا وحرب أوكرانيا، متجاهلة السبب الرئيسي وهو السياسات الخاطئة لإقامة مشروعات مظهرية تخدم الحاكم ونخبته، وتمثل عبئا علي الشعب وأجياله القادمة من خلال أغلال الديون، لا يهتم النظام بتحذيرات المحللين والخبراء، ويصر علي اقتراض المزيد من الديون  الخارجية لسداد أقساط حل أجلها، أو لإكمال مشروعات لا قيمة مضافة لها، يمد يده لأصدقائه فيشترطون مقايضة ديونهم بأصول إستراتيجية، ينتقون الشركات والمصانع الناجحة، ولا ينشئون مصانع أو شركات جديدة، تعتزم السلطة بيع ما قيمته 40 مليار دولار من الشركات والمصانع، ولو نجحت في هذا الطرح فإنها ستبادر بطرح دفعة أخرى، تليها دفعات حتى لا يتبقى للمصريين شئ من مصانعهم وشركاتهم ومشروعاتهم الوطنية.

تمد السلطة يدها إلى صندوق النقد للحصول علي قرض كبير بين خمسة إلى خمسة عشر مليار دولار، لكن الصندوق الذي قدم دعما كبيرا للنظام من قبل لم يعد قادرا علي تقديم المزيد بالشروط القديمة، يخفض الصندوق قيمة القرض المتوقع إلى 3 مليارات فقط، وفي الوقت نفسه يرفع شروط الإقراض، وأهمها إلغاء مشاريع الحماية الاجتماعية التي تأخذ جزءا من الموازنة العامة، ويطلب أيضا إلغاء ما تبقى من دعم للسلع والخدمات، كما يطلب خصخصة بعض الشركات العامة ويشير بشكل خاص للمشروعات الاقتصادية العسكرية، سيقاتل الجنرالات على ما يصفونه بـ"عرق جبينهم" لكنهم لن يقاتلوا كثيرا عن الدعم الشعبي.

توقعات متزايدة بتعويم جديد للجنيه ما يعني تآكل القيمة السوقية للرواتب والأصول التي يملكها المصريون ، ضرائب جديدة تعتزم السلطة فرضها للحصول علي بعض السيولة النقدية من المواطنين ، ومساعي لملاحقة المصريين في الخارج ، وإجبارهم على تحويل مدخراتهم أو التبرع بجزء منها حتى لا يتعرضوا لمضايقات جديدة عند السفر.

 

واجب الوقت على قوى التغيير هو الاتحاد على مشروع وطني للإنقاذ، يقدم بديلا سياسيا أمنا ومقبولا من الشعب، وهذا لن يتحقق إلا إذا تجاوزت قوى المعارضة خلافاتها التاريخية، وأعلت مصلحة الوطن والمواطن على مصالحها الحزبية الضيقة.

 



باختصار أوضاع صعبة يمر بها الجنرال وحاشيته، وإن شئت فقل إنه خريف الجنرال، ففي الخريف تتساقط الأوراق، وتنكشف السيقان، ليصبح لمقولة الجنرال (مصر كشفت ظهرها وعرت كتفها) معنى حقيقي هذه المرة.

لم يكن صراخ بعض أبواق النظام وداعميه من الأوضاع الكارثية المرتقبة من فراغ، بل من معرفة وحقائق، وتحركات وتوجيهات من كفلائهم لإطلاق تلك الصرخات بعد أن بلغت الأزمة الحلقوم.

المخاوف تتزايد محليا وإقليميًا ودوليا أن تلحق مصر بسيريلانكا، كانت الحسابات من قبل أن مصر دولة كبيرة، وهي ركن للاستقرار في المنطقة، ولا يمكن التخلي عن دعمها، أما الآن فالصورة تتغير، وقد عبر عن ذلك الكاتب الأمريكي ستيفن كوك في مجلة فورين بوليسي بمقاله (توقفوا عن تمويل بيت السيسي المصنوع من ورق الكوتشينة)، والرسالة موجهة لكل داعمي السيسي سواء في الغرب أو دول الخليج.

بيت الجنرال يتعرض لتصدعات كبيرة بسبب هذا الزلزال الاقتصادي، وهو يسعى لترميمات ظاهرية تخفي التصدعات بقدر الإمكان، لكنها لا تصمد كثيرا، فكلما سد صدعا ظهر آخر، الجميع يرى التصدعات لكنه يختلف في طريقة التعامل معها، والحال كذلك ما هو الموقف الواجب علي قوى التغيير  اتخاذه؟ وهل تنتظر وقوع التغيير؟ أم أنها مطالبة بلعب دور لتسريع حدوثه، وجني ثماره؟ وتجنيب البلاد فوضى عمياء تضر الجميع؟.

قوى التغيير الوطنية تدرك الفارق الكبير بين النظام والدولة، فالنظام المصري هو مجرد حاكم فرد ومعه بعض المساعدين، أما الدولة فهي وطننا جميعا الذي نفتديه بأرواحنا، ولذا فإن انهيار النظام الاستبدادي أمر مقبول بل مرغوب، وينبغي بذل كل الجهود للتعجيل بذلك، أما انهيار الوطن فهو مرفوض تماما، ولذا فإن على المعارضة الوطنية أن تتحرك للتغيير الأمن، الذي يجني الشعب ثماره، والذي يعزز مكانة الدولة ويعظم ثرواتها وقوتها، وريادتها، وليس الفوضى العامة  التي لا تقف عند حدود تغيير النظام بل تتسع لتدمير الوطن وتمزيقه.

واجب الوقت على قوى التغيير هو الاتحاد على مشروع وطني للإنقاذ، يقدم بديلا سياسيا أمنا ومقبولا من الشعب، وهذا لن يتحقق إلا إذا تجاوزت قوى المعارضة خلافاتها التاريخية، وأعلت مصلحة الوطن والمواطن على مصالحها الحزبية الضيقة.