اقتصاد عربي

لهذا رفع المركزي المصري القيود عن السحب والإيداع

القرار أثار تفاعلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي- جيتي

"رفع القيود على السحب والإيداع بالبنوك"، أول قرارات فريق العمل المصرفي والمالي الجديد في مصر بقيادة القائم بأعمال محافظ البنك المركزي حسن عبدالله ومستشاريه رئيس البنك التجاري الدولي (CIB) سابقا هشام عز العرب، ورئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي لبنك (SAIB) سابقا محمد نجيب.

والخميس، ألغى المركزي المصري الحد الأقصى للإيداع سواء للأفراد أو الشركات في البنوك العاملة بمصر، ورفع الحد الأقصى لعمليات السحب النقدي اليومي للأفراد والشركات بنسبة 200 بالمئة إلى 150 ألف جنيه يوميا بعد أن كان 50 ألفا فقط منذ أزمة كورونا.

ووفق القرار فإنه لم يعد هناك حد أقصى للإيداع بالجنيه المصري في فروع البنوك التي تصل إلى 4500 فرع، كما أنه لم يعد هناك حد أقصى للإيداع بماكينات الصراف الآلي (ATM).

وعن السحب النقدي، فقد أصبح من الممكن السحب من فروع البنوك حتى 150 ألف جنيه باليوم، و20 ألف جنيه من ماكينات الصراف الآلي.

المركزي المصري، وفي ظل أزمة انتشار جائحة "كورونا"، فرض في نيسان/ أبريل 2020، حدا أقصى يوميا لعمليات السحب والإيداع النقدي للأفراد بـ50 ألف جنيه، في مسعى منه لوقف معدلات التضخم واكتناز الأموال.

"فريق عبدالله"

لكن، القرار يأتي بعد تغييرات لافتة في رأس القطاع المصرفي المصري، حيث قرر رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، 18 آب/ أغسطس الجاري، تعيين المصرفي حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي لمدة عام، خلفا لطارق عامر الذي عينه مستشارا.

وأجرى النظام في 13 آب/ أغسطس الجاري، تغييرات طالت 13 وزيرا جديدا تضمنت حقائب قطاع الأعمال والتجارة والصناعة والتعليم والسياحة والصحة.

والأربعاء الماضي، وفي أولى قراراته لاختيار فريق العمل الذي سيقود العمل المصرفي والمالي اختار عبدالله، رئيس البنك التجاري الدولي CIB سابقا هشام عز العرب، ورئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي لبنك SAIB سابقا محمد نجيب، مستشارين له.

التغييرات في القطاعات المالية والمصرفية والرقابية طالت هيئة الرقابة المالية في 8 آب/ أغسطس الجاري، بتعيين محمد عمران قائما بالأعمال لمدة عام، وشملت البورصة بتعيين رامي الدكاني، رئيسا لمجلس إدارتها لمدة عام، وهبة الله الصيرفي، نائبا له، أمس الخميس.

تلك التغييرات، تأتي وسط ترقب بالسوق المحلي، وتساؤلات بشأن قدرة الفريق الجديد صاحب الخبرات الواسعة والسجل الحافل بالأعمال والمناصب المصرفية على إنقاذ مصر من أزماتها المالية، وإنعاش خزينتها من النقد الأجنبي، وتطوير الأداء والعمل المصرفي.

"وقف التضخم.. وطمأنة السوق"

وفي رؤيته لقرارات البنك المركزي الخاصة برفع القيود على الإيداعات للأفرد والشركات لدى الجهاز المصرفي، أكد الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، أنها "خطوة تستهدف بالدرجة الأولى السيطرة على السيولة في السوق المصري".

الصاوي، وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إنه "مع الإجراءات الحالية والمنتظرة الجديدة والخاصة بتخفيض قيمة العملة المحلية سيكون هناك معدلات تضخم كبيرة، وخاصة أن سعر الدولار الآن مرتفع في السوق وهناك سوق سوداء".

وأوضح أن "المدخرين سيشعرون أن ما لديهم من أموال تنخفض قيمتها، فسيحاولون توجيهها لشراء الأصول، وهذا يزيد من عملية التضخم بالسوق المصرية".

ويعتقد الخبير المصري، أنه ولذلك فإن "القرار يستهدف سحب أكبر قدر ممكن من السيولة للسيطرة على معدل التضخم، ومحاولة لوقف عمليات الدولرة التي سيكون من الطبيعي أن يشتغل عليها الأفراد".

ولفت إلى أن "هذا الاتجاه من الدولة طبيعي في ظل ثبات سعر الفائدة الذي اتخذه البنك المركزي 18 آب/ أغسطس الجاري"، ملمحا إلى أن "هذا التوجه إن كان يفيد المستثمرين في ظل ثبات سعر الفائدة، إلا أنه يضر بالمدخرين في ظل انخفاض قيمة الجنيه".

وأوضح أن "المدخر يشعر أن ثروته تتراجع قيمتها منذ قرار خفض قيمة العملة المحلية في آذار/ مارس الماضي، وحتى الآن، وفي حدود 6 أشهر خسر 23 بالمئة من قيمتها، والقادم قد يكون أكبر".

وعن رفع الحد الأدني للسحب اليومي للشركات والأفراد فيرى الصاوي، أن "الحد المسموح به ما زال قليلا وخاصة بعد انخفاض قيمة الجنيه"، مبينا أن "هذه الأرقام تعد قليلة ولا تعبر عن الواقع الحقيقي لاحتياجات الأفراد والشركات".

وأكد أن "هذه المبالغ قد تكون في إطار مرآة صغيرة لبعض المحلات مثل السوبر ماركت أو البقالة والعطارة وما إلى ذلك".

وخلص الخبير الاقتصادي للقول إن "السياسة المالية الموجود الآن هي محاولة السيطرة على التضخم، والسيطرة على الدولرة، ومحاولة وجود حالة من الطمأنينة، أو المصالحة مع الأفراد الذين يفضلون معاملات سلسة مع البنوك في الإيداع والسحب".

"أجواء القرار"

وتأتي القرارات الجديدة في ظل الرغبة المصرية الماسة لزيادة الاحتياجات التمويلية في الميزانية الحالية بنحو 43 بالمئة إلى 1.52 مليار جنيه، منهم نحو 1.37 مليار جنيه تمويلا محليا عبر إصدار أدوات دين.

وتبلغ أسعار الفائدة في مصر 11.25 بالمئة، و12.25 بالمئة، و11.75 بالمئة، حيث رفع المركزي المصري أسعار الفائدة 1 بالمئة في آذار/ مارس الماضي، ثم 2 بالمئة في أيار/ مايو، لامتصاص موجة التضخم، وجذب استثمارات أجنبية بالدولار.

والجمعة، هبط سعر الجنيه إلى 19.20 مقابل الدولار، ليتراجع بأكثر من 22 بالمئة منذ آذار/ مارس الماضي، في مستوى هو الأقل له منذ 5 سنوات، في حين تراجع الاحتياطي النقدي بالمركزي المصري إلى 33.143 مليار دولار، بمستوى هو الأدنى منذ 2017.

وسحب المركزي المصري للمرة الثانية على التوالي الثلاثاء الماضي 100 مليار جنيه من فائض السيولة لدى البنوك المحلية خلال العطاء الأسبوعي لودائع السوق المفتوحة بعائد 11.75 بالمئة من إجمالي 374.6 مليار جنيه عرضها 20 بنكا خلال العطاء، بحسب بيانات البنك المصري.

ولمدة 5 أشهر تتفاوض مصر وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض لدعم اقتصاد البلاد، ووقف الضغوط المتزايدة على العملة المحلية، وهو القرض الذي قال بنك "جولدمان ساكس" إن مصر تحتاجه لتلبية احتياجاتها التمويلية بالسنوات الثلاث المقبلة.

 

اقرأ أيضا: موجة غلاء تجتاح مصر خلال أيام.. هل اقترب "تعويم الجنيه"؟

"أرضية ثقة"

وفي رؤيته لقرار رفع القيود على سحب وإيداع المصريين في البنوك بالجنيه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز إنه "بما أن مستويات التضخم في البلاد ما زالت تدور حول 15 بالمئة، فإن إلغاء حد الإيداع للعملة المحلية بالبنوك قد يساهم نوعا ما في تقليل معدلات التضخم ولو بنسبة بسيطة".

الأكاديمي المصري، أشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بنسة 22 بالمئة منذ آذار/ مارس الماضي، كان السبب المباشر في ارتفاع التضخم بالنسبة المذكورة".

وأكد أنه "وبالتالي قد يكون للقرار بعدا آخر؛ وهو أن المحافظ الجديد يريد أن يكتسب أرضية ثقة لدى البنوك والشركات، ويُظهر أن الأوضاع بشكل عام تتحسن بعد التعافي من كورونا، خصوصا أن القيود على الإيداع جاءت كإجراء احترازي وقت الجائحة".

وختم عبدالعزيز، حديثه بالقول: "يأتي في نفس الاتجاه رفع سقف السحب من العملة المحلية بالبنوك العاملة في مصر".

"إشادة وتعجب"

القرار أثار تفاعلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وثمنه كثيرون، بينهم الأمين العام المساعد لحزب "الجيل" للشؤون الاقتصادية الدكتور كريم عادل، الذي أكد عبر بيان للحزب أن القرار يساهم في "سحب السيولة من السوق".

وأوضح أن تلك السيولة "كانت تزيد من الطلب على السلع ومن ثم ترتفع الأسعار، وبالتبعية يرتفع معدل التضخم، وما يتبع ذلك من تأثيرات سلبية على المؤشرات الاقتصادية الكلية للدولة المصرية".


لكن، نشطاء بينهم الناشط تامر شيرين شوقي، أعربوا عن عدم فهمهم لقرار رفع حد السحب المالي من البنوك إلى 150 ألف جنيه.

شوقي، وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال: طبيعي ومنطقي وصح ولازم وضروري فتح الحد الأقصى للإيداع الفترة القادمة، إنما لا أفهم سبب زيادة حد السحب، متسائلا: أليست الدولة تتحول إلى النظام الرقمي كدولة وحكومة؟، مؤكدا أن "القرار غير مفهوم".

 

 

وهي النقطة التي أثارتها أيضا المحللة الاقتصادية في "زيلا كابيتال" آية زهير، بقولها لـ"الشرق بلومبيرغ" مساء الخميس، إن القرار "مفهوم بالنسبة لنقطة إلغاء الحد الأقصى للإيداع، لكن لماذا زيادة الحد الأقصى للسحب في وقت تدعو فيه الدولة للتحول إلى المعاملات المالية الإلكترونية؟ غير أن هناك هدفا آخر غير ظاهر".