مع بدء العد التنازلي لإعلان توقيع
الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى، بدأت المواقف الإسرائيلية تخرج تباعا،
ولعلها أجمعت في كون أن مسودة الاتفاق الجديد أسوأ من الاتفاقية التي وقعها الرئيس
الأمريكي السابق باراك أوباما في 2015، بل إن دولة الاحتلال باتت على قناعة أن
الاتفاق المتوقع يجعل بإمكان إيران حيازة القنبلة النووية في الوقت الحالي، ولذلك
فهي تستثمر معظم جهودها في محاولة لمنع إيران من استعادة عشرات المليارات التي
ستحصل عليها في حال رفعت العقوبات.
الأخطر من ذلك أن الأحاديث الإسرائيلية
باتت تذكر صراحة وليس تلميحا ما أسمته تضارب المصالح الأمريكية والإسرائيلية من
الاتفاق النووي المزمع توقيعه، مما يتطلب من الأخيرة صياغة طريقة للتصرف دون
الاصطدام بالضرورة بين يائير لابيد وجو بايدن، كما فعل بنيامين نتنياهو في السابق
مع أوباما، وتسبب بتدهور العلاقات بصورة خطيرة.
رون بن يشاي الخبير العسكري ذكر في
مقال مطول بصحيفة يديعوت أحرونوت، أنه "لا يُعرف الكثير عن تفاصيل الاتفاق
النووي المتجدد بين القوى العالمية وإيران، لكن من الواضح أنه أضعف بكثير بالفعل
من الاتفاق الأصلي الذي وقعه أوباما، وإذا تم تنفيذه فإنه سيحدّ من قدرة إيران على
تخصيب اليورانيوم بدرجة أقل بكثير من الاتفاق الأصلي، فيما لا تزال تل أبيب تبذل
جهودا كبيرة لإقناع واشنطن بعدم التوقيع على الاتفاق، أو على الأقل
"تشديد" بعض بنوده".
وأضاف في مقال ترجمته
"عربي21" أن "تل أبيب تسعى لإقناع واشنطن بوضع شروط من شأنها أن
تدفع طهران لتفجير المحادثات، ليس فقط لتأجيل تراكم المواد الانشطارية في برنامجها
النووي لبضع سنوات، ولكن بشكل أساسي لمنعها من الحصول على عشرات مليارات الدولارات
التي ستكسبها حين يتم رفع العقوبات الاقتصادية عنها، مما أوصل المحافل الإسرائيلية إلى قناعة مفادها أن الغرب هُزم في المعركة أمام إيران وعنوانها المواد
الانشطارية، وأن بإمكان إيران الآن الاندفاع للأمام، وتخصيب اليورانيوم بأي كمية،
وفي أي مستوى من التخصيب".
وأشار إلى أن "المحافل الإسرائيلية
حددت أربعة مكونات رئيسية للتعامل مع تبعات الاتفاق: أولها المراقبة الدقيقة
للاستخبارات التي ستمنع إيران سرًا من تطوير جهاز متفجر نووي، وثانيها خطوات
وأساليب ووسائل الاستجابة والتعطيل الذي سيتم استخدامه إذا استأنفت إيران نشاطها
في برنامج تطوير الأسلحة النووية الخاص بها، وثالثها تحديد مشترك من تل أبيب
وواشنطن لاعتبار إيران حققت اختراقا نحو أسلحة نووية؛ ورابعها إيجاد تفاهمات بشأن
مبادئ العمل التي ستتخذها تل أبيب وواشنطن معًا، أو بشكل منفصل، إذا قامت طهران
بـ"الاختراق" عمليًا نحو حيازة القنبلة النووية".
تقدّر الأوساط الإسرائيلية أنه إذا لم
يتم توقيع الاتفاق النووي، ولم يتم رفع العقوبات عن إيران، فسيكون من الممكن منعها
من تلقي الأموال التي ستتدفق لخزائنها، التي سيتم استخدامها لتمويل تسليحها وأنشطة
حلفائها في المنطقة، وإلحاق الأذى بإسرائيل، وتمويل تطوير صواريخ وطائرات بدون
طيار حديثة وأكثر دقة، ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإن المليارات التي ستتلقاها
إيران والحرس الثوري أكثر إثارة للقلق من نقاط الضعف من الاتفاق النووي المتجدد.
من الواضح أن هناك جملة من المصالح
المتضاربة بين دولة الاحتلال والولايات المتحدة، فالأخيرة لديها مصلحة في رفع
العقوبات عن إيران كي تكون قادرة على إنتاج وتصدير النفط والغاز بلا حدود، بما
قيمته 3.5 ملايين برميل في اليوم، لمواجهة تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وسدّ
النقص الذي أوجدته روسيا لفصل الشتاء القادم في أوروبا، كما تريد الولايات المتحدة
إنقاذ إيران من أحضان الصين وروسيا، للحد من القوة التفاوضية الاستراتيجية
والاقتصادية للمعسكر المعادي للغرب.
هذا يعني أن المصلحة الأمريكية
الاقتصادية والاستراتيجية العالمية تتعارض مع المصلحة الإسرائيلية، وبالتالي من
المحتمل جدًا أن توقع الولايات المتحدة بالفعل على الاتفاقية النووية المتجددة
التي سترفع العقوبات عن إيران، فيما تحاول دولة الاحتلال التأثير على الأمريكيين
لتفجير المفاوضات، أو على الأقل إدخال تغييرات في اللحظة الأخيرة، ولعل البنتاغون
أكثر من البيت الأبيض يولي اهتمامًا وثيقًا بالحجج الإسرائيلية التي طرحها وزير
الحرب بيني غانتس في محادثات مع نظيره لويد أوستن.
في المحصلة، وفيما يتحضر الأمريكيون
والإيرانيون لتوقيع الاتفاق النووي، فإن الأمر قد يتطلب من إسرائيل والولايات
المتحدة صياغة استراتيجية جديدة مشتركة ضد إيران، من شأنها أن تلزم إيران بعدم
امتلاك أسلحة نووية، وهذا قد يثير مجددا خلافات بينهما سيكون من الصعب إخفاؤها.
الاحتلال يشن معركة دبلوماسية لتأجيل اتفاق النووي أو إفشاله
هآرتس: إيران غيرت نهجها.. وقد توقع اتفاقا نوويا مع الغرب
الاستخبارات الإسرائيلية تسلط الضوء على عالم نووي إيراني