أثارت استقالة نواب الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي بتوجيه من زعيم التيار مقتدى الصدر، تساؤلات حول الهدف من هذه الخطوة وتداعياتها على المشهد السياسي في البلد، الذي يشهد انسدادا منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ووافق رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، الأحد، على استقالة 73 نائبا من أصل 329 في البرلمان، ينتمون للكتلة الصدرية، وذلك بعدما قدمها رئيس الكتلة حسين العذاري بطلب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بحسب بيان للأخير كتب بخط اليد، ونشرته وكالة الأنباء العراقية.
وقدّم الصدر الشكر لنواب كتلته، وحلفائه في تحالف إنقاذ الوطن "لما أبدوه من وطنية وثبات، وهم الآن في حل مني"، كما أنه شكر ابن عمه جعفر الصدر، الذي رشحه لرئاسة الوزراء. واعتبر أن هذه الخطوة "تضحية من أجل الوطن، لتخليصه من المصير المجهول".
خطوة تصعيدية
من جهته، رأى الباحث في الشأن العراقي، سعدون التكريتي، أن "استقالة نواب التيار الصدري يشير إلى أن الأمور ماضية نحو التصعيد، وربما يكون خيار حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة هو الأقرب، ذلك لأن أي حكومة تتشكل والتيار الصدري خارجها لن تستطيع البقاء طويلا".
وأوضح التكريتي في حديث لـ"عربي21" أن "كتل برلمانية قد تحذو حذو كتلة الصدر في تقديم الاستقالة من البرلمان، وخصوصا كتلة الجيل الجديد الكردية التي سبق أن طرحت هذا الموضوع، لكن الصدر يختلف عن غيره كون رصيد مقاعده شبه ثابت في حال أعيدت الانتخابات".
اقرأ أيضا: نواب كتلة الصدر يستقيلون.. وإغلاق ذاتي لمؤسساته بالعراق
وأشار الباحث إلى أن "التحدي اليوم أمام الكتل السياسية التي خلت لها الساحة الآن، وأقصد قوى الإطار التنسيقي الشيعي، أنها تعيش صدمة حقيقية من خطوة الصدر، كونه وضعها أمام أمر واقع جديد: إما أن تشكلوا أنتم الحكومة أو تذهبوا نحو حل البرلمان، والخياران أحلاهما مرّ بالنسبة لهم".
ولفت إلى أن "التيار الصدري ربما ينزل إلى الشارع ويعطل الحياة السياسية، فهناك من يعتقد أن هذه الخطوة ربما تكون محسوبة، وأن ما يقوم به الصدر هو ضمن مشروع يدعمه الغرب لتقزيم دور القوى الحليفة لإيران بالعراق".
ورأى التكريتي أن "الصدر أثبت بقرار استقالة كتلته البرلمانية أن موقفه ثابت بتشكيل حكومة أغلبية أو عدم العودة إلى خيار الحكومة التوافقية، التي يصفها بالتابعة للخارج كونها خلطة العطار الإيراني، التي تسببت في أزمات كثيرة للبلد طيلة 18 عاما".
وبالنسبة لحلفاء التيار، أوضح التكريتي أن "الحرج ذاته أصاب قوى تحالف السيادة السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، الحليفين الأساسيين للصدر، فهما حاليا يمران بموقف حرج، بشأن الخطوة المقبلة".
وأكد التكريتي أن "السيادة السني يعتبر الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، فإذا حاولت قوى الإطار التنسيقي تشكيل الحكومة، فلا بد لهم من الذهاب معهم، أما الديمقراطي الكردستاني، فبإمكانه الامتناع عن ذلك فهو يحكم الإقليم".
سيناريو محتمل
ومن الناحية القانونية، رأى الخبير القانوني أحمد المعاضيدي في حديث لـ"عربي21" أن "استقالة النواب صحيحة، ومن يتحدث عن أنها غير قانونية كونها لم تأت بعد مضي سنة على عمر البرلمان، فهو يستند إلى قانون الانتخابات لسنة 2017، وأن القانون جرى التعديل عليه عام 2020".
وأوضح المعاضيدي أن "الذي يحصل بعد تقديم أي نائب الاستقالة من البرلمان هو صعود نائب آخر مكانه حقق أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية ذاتها، ومن أي قائمة انتخابية كانت، بحسب قانون الانتخابات".
وأوضح أن الدليل على ذلك هو أن عددا ممن فازوا في الانتخابات الأخيرة، وخصوصا محافظي البصرة وصلاح الدين، والأنبار، قدموا استقالاتهم إلى رئيس البرلمان، وبمجرد أن وافق عليها، جرى استبدالهم بآخرين حلوا وراءهم بعدد الأصوات.
اقرأ أيضا: الصدر يدعو لإبعاد "الحشد" عن الصراعات السياسة والتجارة
ومن هنا، يضيف الخبير، فإن "عدد مقاعد الكتلة الصدرية البالغ 73 نائبا ستذهب إلى مختلف الكتل السياسية، ولا سيما القوى الشيعية التي كانت المنافس الوحيد للتيار الصدري في المناطق ذات الغالبية الشيعية، سواء في بغداد أو وسط وجنوب العراق".
وتابع: "لذلك ربما يصل منافسي التيار الصدري، في كتلة الإطار التنسيقي إلى أكثر من 120 مقعدا في البرلمان، ويشكلون بذلك الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها ترشيح رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة".
وشدد الخبير على أنه "لا سند قانوني يمنع ذهاب مقاعد التيار الصدري إلى غيرهم، فالبرلمان لابد أن يكتمل عدد مقاعده 329 مقعدا لأن كل شيء يستند على تحقيق النصاب، سواء في عقد الجلسات أو التصويت على القوانين".
وأوضح المعاضيدي أن "أول خطوة بعد صعود نواب جدد مكان الكتلة الصدرية، هو انتخاب نائب أول لرئيس البرلمان مكان النائب القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، الذي كان يشغل المنصب".
"وكذلك يجري إعادة تشكيل أو ملء الفراغات التي خلفها انسحاب الكتلة الصدرية من جميع اللجان البرلمانية، للاستمرار في أداء عملها وإنجاز القوانين التي تنتظر التصويت في البرلمان"، وفقا للباحث.
وفي أول تعليق من قوى الإطار التنسيقي، رحب القيادي فيه النائب علي الفتلاوي بتقديم نواب الكتلة الصدرية الاستقالة من البرلمان، مبينا أن اختيار رئيس الوزراء ستكون من حصته كونه الممثل السياسي للبيت الشيعي.
ونقلت وكالة "بغداد اليوم" المحلية، الأحد، عن الفتلاوي قوله، إنه "لكون رئيس الوزراء مرشح البيت الشيعي، فسنعمل مع المستقلين لترشيح شخصية لإدارة الحكومة ونحن من نتحمل مسؤوليتها حيث سيكون المرشح منا لكوننا سنكون الكتلة الأكبر".
وبين الفتلاوي أن "نواب التيار في حال استقالوا بشكل نهائي وطلب حضور البدلاء فقد يكون الكثير من مرشحي الإطار هم بديل عن نواب التيار أي هم الاحتياط حسب الترتيب بالدوائر الانتخابية وهذا ما سيعزز عدد نواب الإطار التنسيقي في البرلمان".
ولفت إلى أن "إعطاء مقتدى الصدر الحرية لنواب سيادة والديمقراطي (حلفاء الصدر) بالذهاب وحدهم بعدما انسحب من العملية السياسية هذا يعني أن الأمور متجهة للحل السريع نحو التفاوض مع باقي الشركاء".
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، القيادي في تحالف "السيادة" أعلن، الأحد، عبر "تويتر" أنه "بذل جهدا مخلصا وصادقا لثني سماحته عن هذه الخطوة، لكنه آثر أن يكون مضحيا وليس سببا معطِّلا؛ من أجل الوطن والشعب، فرأى المضي بهذا القرار"، مؤكدا أنه قبل استقالات نواب الكتلة الصدرية "على مضض".
وعلى الصعيد ذاته، اكتفى زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، بالقول عبر "تويتر" أنه "نحترم قرار سماحة السيد مقتدى الصدر وسنتابع التطورات اللاحقة".
ما تداعيات ونتائج اجتماع "عقيلة-باشاغا" في سرت؟
هل يؤثر تجريم التطبيع على علاقة بغداد بواشنطن ودول مطبعة؟
ما خيارات حلفاء الصدر بعد تخليه عن تشكيل حكومة العراق؟