أثار قانون تجريم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي الذي أقره البرلمان العراقي، تساؤلات عدة بخصوص انعكاس ذلك على طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك العلاقة بين بغداد وبقية الدول المطبعة مع الاحتلال.
وأقر البرلمان العراقي بالإجماع، الخميس، مقترح قانون "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني"، الذي ينص على عقوبات تصل إلى حد الإعدام، ويسري على جميع العراقيين، وكذلك الأجانب العاملين في العراق.
واشنطن منزعجة
وعلى ضوء ذلك، أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا، أعربت فيه بغداد، عن انزعاجها الشديد من القانون، إذ قال المُتحدث باسم الوزارة نيد برايس في بيان، الجمعة؛ إن "الولايات المتحدة منزعجة بشدة من تمرير البرلمان العراقي لتشريع يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وعبر المتحدث عن انزعاج بلاده من "تعريض حرية التعبير للخطر وتعزيز بيئة معاداة السامية، يقف هذا التشريع في تناقض صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق من خلال بناء الجسور وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وخلق فرص جديدة للناس في جميع أنحاء المنطقة".
وأشار نيد برايس إلى أن الولايات المتحدة "ستواصل دورها كشريك قوي وثابت في دعم إسرائيل، بما في ذلك توسيع العلاقات مع جيرانها في السعي لتحقيق المزيد من السلام والازدهار للجميع".
وفي السياق ذاته، أصدرت وزارة خارجية الاحتلال، الجمعة، بيانا أدانت فيه قرار البرلمان العراقي إصدار قانون ضد التطبيع مع إسرائيل، مشيرا إلى أن "القانون يضع العراق والشعب العراقي في الجانب الخطأ من التاريخ، منفصلا عن الواقع".
اقرأ أيضا: برلمان العراق يقر قانون تجريم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي
وأشارت الخارجية إلى أن "التغيرات في الشرق الأوسط واتفاقيات السلام والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، التي تجلب الاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة، هي مستقبل الشرق الأوسط".
وأوضحت أن "القادة الذين يختارون طريق الكراهية والتحريض يؤذون شعبهم قبل كل شيء، داعية الدبلوماسية الإسرائيلية الشعب العراقي إلى عدم دعم هذا الموقف المتطرف".
ولم يصدر من الحكومة العراقية حتى وقت كتابة هذا التقرير، أي تعليق بخصوص قرار البرلمان تجريم التطبيق مع الاحتلال الإسرائيلي، رغم مباركة معظم القوى السياسية لإصدار القانون.
تأثر مستبعد
وتعليقا على تداعيات القانون على علاقات العراق مع واشنطن، قال المحلل السياسي العراقي، الدكتور عدنان السراج لـ"عربي21"؛ إن "العلاقات الأمريكية العراقية مقرونة بالاتفاقية بين الطرفين، ولعل أهمها اتفاقية التعاون الاستراتيجية".
وأضاف أن "الولايات المتحدة لا زالت ترى أن العراق تحت نفوذها، ويجب أن تحصد نتائج احتلالها للعراق عام 2033، وهي لا تريد إعادة الفشل في سياستها بأفغانستان وبقية البلدان التي انسحبت منها".
واستبعد السراج أن تتأثر الولايات المتحدة بعناوين هذا القانون العراقي وتخوض في حرب البيانات أو في مجالات التطبيق العملي للعراق في هذا الموضوع؛ لأن القانون سيأخذ بعدا عمليا أكثر من الإجراءات التي لا ترتقي إلى مستوى التطبيق بشكل عام".
ولفت إلى أن "العراق سبق أن أصدر قرارا بإخراج القوات الأمريكية عام 2020، وأن الولايات المتحدة أصدرت بيانا أوضحت فيه أن قواتها هم عبارة عن مستشارين وليسوا قتاليين، وبعدها أعلنت خروج قواتها بأعداد محدودة. لذلك فالمناورة والمراوغة للسياسة الأمريكية تجاه العراق واضحة، لكنها لا ترتقي إلى مستوى قطع العلاقات أو التصعيد تحت أي عنوان".
وتابع: "بالنسبة للعراقيين، فإن البيان بشكل عام يعتبر على مستوى الحدث العربي شيئا جديدا، لكن على مستوى التطبيق الواقعي يحتاج إلى جهد كبير وإمكانيات كبيرة، لأن هناك فعلا من العراقيين من يفتح علاقاته مع إسرائيل، ويمهد لها الأجواء في مناطق مختلفة من شمال العراق، ومناطق أخرى قامت بزيارات ولقاءات ولديها سياسة حسن نوايا مع إسرائيل".
اقرأ أيضا: وزير خارجية السعودية: سنجني مع إسرائيل فوائد هائلة من التطبيع
وأشار السراج إلى أن "أمريكا لديها نفوذ وعلاقات مع قوى سياسية، وأن هذه القوى تعمل ضمن السياسية الأمريكية وبالتأكيد هذه لا يروق لها هذا القانون، لكن الأخير حدد مسارات الحكومة العراقية أكثر من تحديد مسارات القوى السياسية العراق".
ورأى الخبير العراقي أن "العلاقات الأمريكية العراقية لا تتأثر بمثل هذه القوانين، لأن المجالات العملية محدودة والعراق بشكل العام هو ضد إسرائيل، لكن هناك محاولات لجر المنطقة إلى سياسة التطبيع، وهذا الذي تأثرت به البيانات الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية، لأن مشروع التطبيع واجه نكسة بقرار العراق تجريم التطبيع مع إسرائيل".
قانون متضارب
وعلى صعيد طبيعة القانون وتغافله عن العلاقة مع الدول المطبعة، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي الدكتور جاسم الشمري لـ"عربي21"؛ إن "هناك العديد من المؤاخذات على هذا القانون، وأن العلاقة مع إسرائيل قضية حساسة جدا؛ كونها تتعلق بقضية عربية مركزية".
وأوضح الشمري أن "القانون كان بترتيب من التيار الصدري بالدرجة الأولى وبضغط واضح منه، ولم يكن لحكومة مصطفى الكاظمي أي دور فيها كونها حكومة تصريف أعمال".
وأكد الكاتب أن "القانون لم يتحدث عن الجهة الرقابية التي تراقب من يسافر إلى إسرائيل وكيف يتم تجريم هذا الأمر، وأيضا لم يتحدث القانون عن مزدوجي الجنسية هل يحق لهم الذهاب أم لا".
وأردف: "كذلك هناك نقطة مهمة، هي أن القانون لم يتحدث عن قضية حساسة جدا تتعلق بمستقبل علاقات العراق مع الدول المطبعة مع إسرائيل، ومن ثم هل هذا القانون هو بداية لقطع العلاقة مع تلك الدول، أم إنه نوع من التحشيد الشعبي للتيار الصدري؛ كونه فشل حتى الآن في تشكيل الحكومة رغم فوزه بالانتخابات؟".
وأعرب الشمري عن استغرابه من أن "ذكر القانون أنه يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من سافر إلى الكيان الصهيوني أو سفاراته أو مؤسساته في دول العالم كافة أو اتصل بأي منها، ثم في مادة ثانية أنه لا تسري أحكام الأولى على الزيارات الدينية المقترنة بموافقة مسبقة من وزارة الداخلية. فهل نحن أمام قانون يجرم التطبيق وفي ذات الوقت يشجع على الزيارات الدينية إلى الكيان الصهيوني؟ لذلك أعتقد أن هناك تناقضا واضحا في هذا القانون".
وبحسب الكاتب، فإن "الحكومة العراقية المقبلة صارت من الآن في موقف محرج مع الدول المطبعة من جهة، ومع الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية من جهة أخرى بسبب هذا القانون، ومن ثم أعتقد أن هذا القانون سيصعّب تشكيل الحكومة، وربما هناك بعض الشخصيات قد تنأى بنفسها أن تكون في الواجهة، وإذا وافقت أعتقد بأنها ستجد نفسها أمام قانون مرهق لها".
وختم الشمري حديثه بالقول: "ننتظر نشر القانون في الجريدة الرسمية، الذي لن يكون من السهولة نشره إلا بعد ترتيب قضية مستقبل العلاقات مع الدول المطبعة، وربما تجري مراجعة على القانون وتعاد بعض فقراته من أجل عدم الدخول في تصادمات مع الولايات المتحدة وغالبية دول أوروبا، وأيضا لضمان بقاء استمرار العلاقات مع الدول المطبعة مع إسرائيل".
ما خيارات حلفاء الصدر بعد تخليه عن تشكيل حكومة العراق؟